[center][b][color=red]أسماء لا تُنسى[/color][/b] [/center]
وفي الجانب الثاني من المحاضرة، والذي تحدث فيه الدكتور العودة عن بعض الشخصيات المؤثرة في حياته، أكد فضيلته: أنه ما من أحدٍ منا، إلا وفي حياته- لا أقول مئات، بل آلاف الناس- من الرجال والنساء، الذين رسموا بصمتهم عليه، وأَثَّرُوا على سلوكه، أو على علمه، أو على شخصيته، فهو مَدِينٌ لهم بَعْدَ الله تعالى، وهو يُشْرِكُهم معه، في الدعاء كلما دعا لنفسه، ودعا لوالديه، ولمن له حَقٌّ أو فَضْلٌ عليه.
وأضاف : لهذا وجدتُ أنّ كمًّا هائلًا من الأسماء يتزاحم في عقلي، حتى إني هممت أن أجعل هذه الأسماء، في مَسْرَدٍ هجائي، ألف باء تاء، ثم وجدت أن الأمر يصعب؛ فاقتصرت على مجموعة من الرموز، والأسماء التي لها وَهَجٌ وتأثير، وفيها نوع من الجِدَّة والطرافة. [center][b][color=red]عبد العزيز البليهي.. أستاذ فريد[/color][/b] [/center]
[color=navy]1- الأستاذ :[/color]
أوضح الشيخ سلمان أن [b][color=green]الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم البليهي "رحمه الله" [/color][/b]يأتي على رأس هذه الشخصيات؛ فهو أستاذٌ عزيز، كان مُدَرِّسًا في المعاهد العلمية، تَعَرَّفَ علينا ونحن طُلَّاب في المرحلة المتوسطة، وسافَرَ بنا إلى الحج، واحتوانا، وقَدَّم لنا الكثير من المعلومات.. قدَّمَ لنا روحه، وفكره، وخُلُقَه، ومالَهُ، ووَقْتَهُ.
وأشار فضيلتُه إلى أن من طرائف الأشياء أن هذا الأستاذ الذي صافَحْنَاه لأول مرة، في حياتنا مُرَبِّيًا، وأستاذًا ومُعَلِّمًا، ومُؤَثِّرًا، انتقل إلى مكة المكرمة، في وزارة الأوقاف، وأرسلت له رسالةً وأنا طالِبٌ في المعهد العلمي، وكتب الله تعالى له أن يمرض، ويعاني مع المرض طويلًا، ثم يغادر، ويرحل عن هذه الدنيا إلى الدار الآخرة..
وبعد أن تخرجتُ من المعهد، والتحقتُ بكلية الشريعة، وعدتُ مُدَرِّسًا في المعهد ذاتِه، أتاني ساعي البريد يومًا من الأيام، ومعه رسالةٌ لي..فأفتحها، ثم أجد بداخلها ظرفًا مكتوبًا عليه: الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم البليهي..! هذا الخط ليس غريبًا عليّ، إنه خَطٌّ أعرفه، أتأمل.. فأجده خطي أنا!!..
كُتِبَ له رحمة الله عليه ألّا يفتح هذه الرسالة، وألَّا يَقْرَأَهَا، ووُجِدَتْ في مكتبه بعد وفاته، فأرسلها بعضُ أصدقائه إلى المعهد العلمي، من حيث صدرتْ، يومَ كنت طالبًا في المرحلة المتوسطة، واستلمتها، وقرأتها، ودمعتْ عيني، وابتسمتُ في الوقت ذاته حين قرأتها وأنا أستاذ مُدَرِّسٌ في ذلك المعهد.
وذكر فضيلته أن هذا الأستاذ كان نموذجًا فريدًا لا يُنْسَى، في تواضعه، وأخلاقه، وظَرْفِه، فالنكتة حاضِرَةٌ على لسانه.. وكان واسع الصدر، يستوعب طلابه، مع أن الأستاذ عادة ما يَمَلُّ من الطلاب في الفصل، ولكنّ الأستاذ عبد العزيز البليهي، كان يخرج بنا إلى الرحلات وإلى الحج.. وإلى العمرة..ويجتمع معنا، ويعيش معنا وقتًا طويلًا، ويتحَمَّلُ كل ما عندنا من نَزَقٍ أو شقاوة الأطفال، أو جدلٍ أو غير ذلك، وكان لهذا الأستاذ أَثَرٌ كَبِيرٌ، لا يستطيع الإنسان أن ينساه. [center][b][color=red]الدوسري....نمط مختلف[/color][/b] [/center]
[b][color=green]2- الشيخ عبد الرحمن الدوسري "رحمه الله " : [/color][/b]
ثم تحدث فضيلته عن "الشيخ عبد الرحمن الدوسري، رحمه الله "، "صاحبِ ذلك الصوت المبحوح، الأجشّ القوي، الذي كان يغشانا في مكتبة ابن القيم في بريدة، وفي المعهد العلمي ببريدة..
كانت المرة الأولى التي سمعته فيها في الجامع الكبير، يَهْدِرُ كالسيل، ويتكلم عن نكسة يونيو 1967، وعنده قصائد يسميها "فلسطينيات"، وقد لا تكون قويةً من الناحية الأدبية، والبناء الشعري، ولكنها قويةٌ في مضامينها، وفي أحاسيسها، فهو يتكلم بها بحرقة، ويكاد يبكي وهو يتكلم":
لقد خانهم أسيادُهم قَوْمُ ماركسٍ كما نكص الشيطان عن مشركي بَدْرِ
وأوضح الدكتور العودة أن الشيخ عبد الرحمن كان نمطًا مختلفًا، فلم يكن يتكلم عن الأحكام الفقهية، أو عن الحلال والحرام، ولا حتى يُفِيض كثيرًا في النصوص، وإنما كان يتكلم عن الجانب الواقعي، عن المعاناة السياسية؛ حيث كان يبحث كثيرًا عن أولئك القادمين من بلاد أخرى؛ من مصر، من الشام، من العراق، ويفرح بهم، ويقول: أنا لا أريد أصحاب الغتر.. أريد أولئك الصلع!! كما يسميهم أحيانا، أي الذين لا يلبسون على رءوسهم شيئا؛ لأنه يشعر أنهم يتفهمون ويحتاجون إلى بضاعته، أكثر مما يحتاج إليها غيرهم.
وذكر فضيلته أن الشيخ رحمه الله، كان كثيرًا ما يتحدث عن كتابٍ له في التفسير، اسمه "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم "، مشيرًا إلى أنه في مرة من المرات ، قام إليه مجموعة من الشباب في المسجد ووجهوا إليه أسئلة، فكان من الأسئلة التي وجهوها إليه عن "تفسير ابن كثير"، فأثنى عليه، ولكنه قال: هناك تفسير أفضل منه، وهو تفسير "في ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب..الذي يعيش الواقع المعاصر، ولا يفوقه، إلا تفسيري "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم" !
وأكد الدكتور العودة أن "تفسير ابن كثير"، فيه خيرٌ كثير، ولم يمضِ وَقْتُهُ، بل الحياة كلها وقته، و"تفسير سيد قطب"، أيضا فيه خيرٌ كثير، و"تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي"، فيه خيرٌ كثير، والبصير هو من يقتبس من هذه العلوم كلها، ويأخذ جيدها، ويترك ما ليس كذلك، مما يكون روايةً إسرائيلية، أو رأيًا مرجوحا، أو قولًا ضعيفا، أو ما أشبه ذلك. [center][b][color=red]صالح البليهي.... الحليم الصبور[/color][/b] [/center]
[b][color=green]3- الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي[/color][/b]
ثم تذكر فضيلته "الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي "، وقال عنه: "هو شيخٌ اختُصِصْتُ به، منذ طفولتنا في المعهد العلمي كان يُدَرِّسُنا مادة الفقه.. لا تستطيع أن تنسى بساطة الشيخ، وسعة صدره مع الطلاب، فلعلهم يعبثون أو يلعبون في الفصل، والشيخ يسعهم بحلمه وصبره".
وأوضح الشيخ سلمان: أن الشيخ البليهي كان كثيرًا ما يضرب الأمثلة لطلابه، وفي إحدى المرات كان يُدَرِّسُ كتاب النكاح، للطلاب في أولى ثانوي، أو ثانية ثانوي، فيضرب لهم بعض الأمثلة، فبدلًا من أن يقول مثلا للطالب: يا فلان.. يأتي الشيخ، ويقول: أنكحتك.. بدلا من أن يقول: أنكحتك ابنتي، والطالب يريد أن يقول هذا على سبيل الدعابة! فيصرف الشيخ الأمر ويقول: أنكحتك هذا الباب، أو هذا الجدار!! والطلبة كلهم ينخرطون في ضحك، والشيخ يشاركهم ذلك، مشيرًا إلى أن ابتسامة الشيخ كانت ابتسامةً ساحِرةً وصادقة، ونُكْتَتُهُ حاضرة، وخُلُقُه عظيم، ولم يكن رحمة الله تعالى عليه، يحتقر أحدًا.
ومن مآثر الشيخ معه، قال الدكتور العودة: " فوجئتُ يومًا من الأيام، وكان عند الشيخ ندوة في الجامع الكبير، أنه يدعوني إلى المشاركة في الندوة، وأنا طالبه الصغير، ثم يُقَدِّمُني، وبعد ذلك يقول : تَكَلَّمَ فضيلة الشيخ عن كذا وكذا، وتحدَّثَ فضيلة الشيخ، وأنا وقتها لم أكن فضيلةً ولا شيخًا! ولكنه التشجيع من هذا الرجل العظيم!
لافِتًا إلى أن الشيخ كان دائماً لا يسمح لأحد من الحاضرين، إلا بأن يكون مشاركًا، فهذا يقرأ قرآنا، وهذا يقرأ حديثا، وهذا يقرأ شِعْرًا، حتى إنه في بعض الأحيان يكون معهم أناس من العوام، فيطلب منهم أن يقولوا قصائد شعبية، أو يقولوا بعض الطرائف والقصص..فهو يريد من الجميع أن يشارك، وألا يكون مجرد مستمع.
[color=red]السلسبيل في معرفة الدليل [/color]
وأردف الشيخ سلمان: الشيخ صالح البليهي، رحمه الله، تعرفه في كتاب "السلسبيل في معرفة الدليل"، الذي يعتبر من أفضل كتب الحنابلة المتأخرين، لِمَا فيه من العناية بالأدلة الشرعية؛ القرآن والسنة، والاستدلال بالنصوص على الأقوال الفقهية..وطبع هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات، ويُعْتَبَرُ متزامنًا مع كتاب "زاد المستقنع والروض المقنع"، الذي كان يُدَرَّسُ في المعهد العلمي. وكان الشيخ رحمه الله، يحاول دائما أنْ يُقَرِّبَ المعلومات للطلبة، فكان يأتي بالأشعار الجميلة، أو الكلمات المعبرة، مثلا، حينما كان يتكلم عن الإفطار؛ أن يفطر الإنسان على رُطَبٍ أو تمر، أو ماء، كان يُرَدِّدُ :
فطور التمر سنة.. رسول الله سَنَّه
ينال الأجر عبدٌ يُحَلِّي بالمسنة!
الصغار لا ينسون هذا الكلام أبدا..
حينما يأتي إلى المواقيت، تحديد المواقيت، وما هي، كان يُلَقِّنُنَا ويُحَفِّظُنَا :
عرق العراق ينمنم اليمن من ذي الحليفة يحرم المدني
بالشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قرن فاستبنِ
فكان الشيخ رحمه الله، بخلقه وسلوكه، وطيبة قلبه، لا يَحْمِلُ على أحدٍ شيئًا، وكان نموذجًا في سلامة الصدر، والصفاء.
وفي الجانب الثاني من المحاضرة، والذي تحدث فيه الدكتور العودة عن بعض الشخصيات المؤثرة في حياته، أكد فضيلته: أنه ما من أحدٍ منا، إلا وفي حياته- لا أقول مئات، بل آلاف الناس- من الرجال والنساء، الذين رسموا بصمتهم عليه، وأَثَّرُوا على سلوكه، أو على علمه، أو على شخصيته، فهو مَدِينٌ لهم بَعْدَ الله تعالى، وهو يُشْرِكُهم معه، في الدعاء كلما دعا لنفسه، ودعا لوالديه، ولمن له حَقٌّ أو فَضْلٌ عليه.
وأضاف : لهذا وجدتُ أنّ كمًّا هائلًا من الأسماء يتزاحم في عقلي، حتى إني هممت أن أجعل هذه الأسماء، في مَسْرَدٍ هجائي، ألف باء تاء، ثم وجدت أن الأمر يصعب؛ فاقتصرت على مجموعة من الرموز، والأسماء التي لها وَهَجٌ وتأثير، وفيها نوع من الجِدَّة والطرافة. [center][b][color=red]عبد العزيز البليهي.. أستاذ فريد[/color][/b] [/center]
[color=navy]1- الأستاذ :[/color]
أوضح الشيخ سلمان أن [b][color=green]الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم البليهي "رحمه الله" [/color][/b]يأتي على رأس هذه الشخصيات؛ فهو أستاذٌ عزيز، كان مُدَرِّسًا في المعاهد العلمية، تَعَرَّفَ علينا ونحن طُلَّاب في المرحلة المتوسطة، وسافَرَ بنا إلى الحج، واحتوانا، وقَدَّم لنا الكثير من المعلومات.. قدَّمَ لنا روحه، وفكره، وخُلُقَه، ومالَهُ، ووَقْتَهُ.
وأشار فضيلتُه إلى أن من طرائف الأشياء أن هذا الأستاذ الذي صافَحْنَاه لأول مرة، في حياتنا مُرَبِّيًا، وأستاذًا ومُعَلِّمًا، ومُؤَثِّرًا، انتقل إلى مكة المكرمة، في وزارة الأوقاف، وأرسلت له رسالةً وأنا طالِبٌ في المعهد العلمي، وكتب الله تعالى له أن يمرض، ويعاني مع المرض طويلًا، ثم يغادر، ويرحل عن هذه الدنيا إلى الدار الآخرة..
وبعد أن تخرجتُ من المعهد، والتحقتُ بكلية الشريعة، وعدتُ مُدَرِّسًا في المعهد ذاتِه، أتاني ساعي البريد يومًا من الأيام، ومعه رسالةٌ لي..فأفتحها، ثم أجد بداخلها ظرفًا مكتوبًا عليه: الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم البليهي..! هذا الخط ليس غريبًا عليّ، إنه خَطٌّ أعرفه، أتأمل.. فأجده خطي أنا!!..
كُتِبَ له رحمة الله عليه ألّا يفتح هذه الرسالة، وألَّا يَقْرَأَهَا، ووُجِدَتْ في مكتبه بعد وفاته، فأرسلها بعضُ أصدقائه إلى المعهد العلمي، من حيث صدرتْ، يومَ كنت طالبًا في المرحلة المتوسطة، واستلمتها، وقرأتها، ودمعتْ عيني، وابتسمتُ في الوقت ذاته حين قرأتها وأنا أستاذ مُدَرِّسٌ في ذلك المعهد.
وذكر فضيلته أن هذا الأستاذ كان نموذجًا فريدًا لا يُنْسَى، في تواضعه، وأخلاقه، وظَرْفِه، فالنكتة حاضِرَةٌ على لسانه.. وكان واسع الصدر، يستوعب طلابه، مع أن الأستاذ عادة ما يَمَلُّ من الطلاب في الفصل، ولكنّ الأستاذ عبد العزيز البليهي، كان يخرج بنا إلى الرحلات وإلى الحج.. وإلى العمرة..ويجتمع معنا، ويعيش معنا وقتًا طويلًا، ويتحَمَّلُ كل ما عندنا من نَزَقٍ أو شقاوة الأطفال، أو جدلٍ أو غير ذلك، وكان لهذا الأستاذ أَثَرٌ كَبِيرٌ، لا يستطيع الإنسان أن ينساه. [center][b][color=red]الدوسري....نمط مختلف[/color][/b] [/center]
[b][color=green]2- الشيخ عبد الرحمن الدوسري "رحمه الله " : [/color][/b]
ثم تحدث فضيلته عن "الشيخ عبد الرحمن الدوسري، رحمه الله "، "صاحبِ ذلك الصوت المبحوح، الأجشّ القوي، الذي كان يغشانا في مكتبة ابن القيم في بريدة، وفي المعهد العلمي ببريدة..
كانت المرة الأولى التي سمعته فيها في الجامع الكبير، يَهْدِرُ كالسيل، ويتكلم عن نكسة يونيو 1967، وعنده قصائد يسميها "فلسطينيات"، وقد لا تكون قويةً من الناحية الأدبية، والبناء الشعري، ولكنها قويةٌ في مضامينها، وفي أحاسيسها، فهو يتكلم بها بحرقة، ويكاد يبكي وهو يتكلم":
لقد خانهم أسيادُهم قَوْمُ ماركسٍ كما نكص الشيطان عن مشركي بَدْرِ
وأوضح الدكتور العودة أن الشيخ عبد الرحمن كان نمطًا مختلفًا، فلم يكن يتكلم عن الأحكام الفقهية، أو عن الحلال والحرام، ولا حتى يُفِيض كثيرًا في النصوص، وإنما كان يتكلم عن الجانب الواقعي، عن المعاناة السياسية؛ حيث كان يبحث كثيرًا عن أولئك القادمين من بلاد أخرى؛ من مصر، من الشام، من العراق، ويفرح بهم، ويقول: أنا لا أريد أصحاب الغتر.. أريد أولئك الصلع!! كما يسميهم أحيانا، أي الذين لا يلبسون على رءوسهم شيئا؛ لأنه يشعر أنهم يتفهمون ويحتاجون إلى بضاعته، أكثر مما يحتاج إليها غيرهم.
وذكر فضيلته أن الشيخ رحمه الله، كان كثيرًا ما يتحدث عن كتابٍ له في التفسير، اسمه "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم "، مشيرًا إلى أنه في مرة من المرات ، قام إليه مجموعة من الشباب في المسجد ووجهوا إليه أسئلة، فكان من الأسئلة التي وجهوها إليه عن "تفسير ابن كثير"، فأثنى عليه، ولكنه قال: هناك تفسير أفضل منه، وهو تفسير "في ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب..الذي يعيش الواقع المعاصر، ولا يفوقه، إلا تفسيري "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم" !
وأكد الدكتور العودة أن "تفسير ابن كثير"، فيه خيرٌ كثير، ولم يمضِ وَقْتُهُ، بل الحياة كلها وقته، و"تفسير سيد قطب"، أيضا فيه خيرٌ كثير، و"تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي"، فيه خيرٌ كثير، والبصير هو من يقتبس من هذه العلوم كلها، ويأخذ جيدها، ويترك ما ليس كذلك، مما يكون روايةً إسرائيلية، أو رأيًا مرجوحا، أو قولًا ضعيفا، أو ما أشبه ذلك. [center][b][color=red]صالح البليهي.... الحليم الصبور[/color][/b] [/center]
[b][color=green]3- الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي[/color][/b]
ثم تذكر فضيلته "الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي "، وقال عنه: "هو شيخٌ اختُصِصْتُ به، منذ طفولتنا في المعهد العلمي كان يُدَرِّسُنا مادة الفقه.. لا تستطيع أن تنسى بساطة الشيخ، وسعة صدره مع الطلاب، فلعلهم يعبثون أو يلعبون في الفصل، والشيخ يسعهم بحلمه وصبره".
وأوضح الشيخ سلمان: أن الشيخ البليهي كان كثيرًا ما يضرب الأمثلة لطلابه، وفي إحدى المرات كان يُدَرِّسُ كتاب النكاح، للطلاب في أولى ثانوي، أو ثانية ثانوي، فيضرب لهم بعض الأمثلة، فبدلًا من أن يقول مثلا للطالب: يا فلان.. يأتي الشيخ، ويقول: أنكحتك.. بدلا من أن يقول: أنكحتك ابنتي، والطالب يريد أن يقول هذا على سبيل الدعابة! فيصرف الشيخ الأمر ويقول: أنكحتك هذا الباب، أو هذا الجدار!! والطلبة كلهم ينخرطون في ضحك، والشيخ يشاركهم ذلك، مشيرًا إلى أن ابتسامة الشيخ كانت ابتسامةً ساحِرةً وصادقة، ونُكْتَتُهُ حاضرة، وخُلُقُه عظيم، ولم يكن رحمة الله تعالى عليه، يحتقر أحدًا.
ومن مآثر الشيخ معه، قال الدكتور العودة: " فوجئتُ يومًا من الأيام، وكان عند الشيخ ندوة في الجامع الكبير، أنه يدعوني إلى المشاركة في الندوة، وأنا طالبه الصغير، ثم يُقَدِّمُني، وبعد ذلك يقول : تَكَلَّمَ فضيلة الشيخ عن كذا وكذا، وتحدَّثَ فضيلة الشيخ، وأنا وقتها لم أكن فضيلةً ولا شيخًا! ولكنه التشجيع من هذا الرجل العظيم!
لافِتًا إلى أن الشيخ كان دائماً لا يسمح لأحد من الحاضرين، إلا بأن يكون مشاركًا، فهذا يقرأ قرآنا، وهذا يقرأ حديثا، وهذا يقرأ شِعْرًا، حتى إنه في بعض الأحيان يكون معهم أناس من العوام، فيطلب منهم أن يقولوا قصائد شعبية، أو يقولوا بعض الطرائف والقصص..فهو يريد من الجميع أن يشارك، وألا يكون مجرد مستمع.
[color=red]السلسبيل في معرفة الدليل [/color]
وأردف الشيخ سلمان: الشيخ صالح البليهي، رحمه الله، تعرفه في كتاب "السلسبيل في معرفة الدليل"، الذي يعتبر من أفضل كتب الحنابلة المتأخرين، لِمَا فيه من العناية بالأدلة الشرعية؛ القرآن والسنة، والاستدلال بالنصوص على الأقوال الفقهية..وطبع هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات، ويُعْتَبَرُ متزامنًا مع كتاب "زاد المستقنع والروض المقنع"، الذي كان يُدَرَّسُ في المعهد العلمي. وكان الشيخ رحمه الله، يحاول دائما أنْ يُقَرِّبَ المعلومات للطلبة، فكان يأتي بالأشعار الجميلة، أو الكلمات المعبرة، مثلا، حينما كان يتكلم عن الإفطار؛ أن يفطر الإنسان على رُطَبٍ أو تمر، أو ماء، كان يُرَدِّدُ :
فطور التمر سنة.. رسول الله سَنَّه
ينال الأجر عبدٌ يُحَلِّي بالمسنة!
الصغار لا ينسون هذا الكلام أبدا..
حينما يأتي إلى المواقيت، تحديد المواقيت، وما هي، كان يُلَقِّنُنَا ويُحَفِّظُنَا :
عرق العراق ينمنم اليمن من ذي الحليفة يحرم المدني
بالشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قرن فاستبنِ
فكان الشيخ رحمه الله، بخلقه وسلوكه، وطيبة قلبه، لا يَحْمِلُ على أحدٍ شيئًا، وكان نموذجًا في سلامة الصدر، والصفاء.