وفي سياق هذا الموضوع هناك محاذير ينبغي التنبه لها :
أولاً: من المحاذير المهمة البحث عن نقاط الاتفاق , وليس عن نقاط الخلاف؛ لأن الذي يدخل بروح التفحص والاختبار سيجد إما في عمومية اللفظ أو ملابسة الموقف أو ظروف الاجتهاد ما لا يروق له , وأمور الناس ينبغي أن تؤخذ بالستر والعافية وحسن الظن .
ثانياً : اجتماع الكلمة والولاء بين المؤمنين عامة مبني على أصل الإيمان , وأصل الإسلام , فكل من ثبت له الإسلام والإيمان ثبت له أصل الإخاء، والإيمان يزيد وينقص، وكذلك الإسلام يزيد وينقص , فلكل مؤمن ومسلم من الحقوق العامة القدر الذي جاءت به النصوص الشرعية , ويكمل الحق بكمال الإيمان وكمال الإسلام , أما ما تراه خطأً يحتاج إلى تصحيح وتصويب؛ فإن الأخوّة لا تمنع التصحيح والتصويب والاستدراك المشفق الرحيم الناصح , والتصويب والتصحيح والاستدراك لا يمنع من القيام بالحقوق الأخرى , وقد يجتمع في المرء الواحد إيمان ونفاق , ويجتمع له ولاء وبراء، ولذلك يضرب العلماء ـ مثلاً ـ بالفقير السارق تقطع يده لسرقته , ويعطى من الزكاة لفقره، ولا ينبغي إقامة أحد الأمرين أعني: ( الولاء، والبراء ) للمؤمن بتقويض الآخر , بل يجمع بينهما كما جمع بينهما ربنا قال الله ـ تعالى ـ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)[التوبة: 71] فأصّل وأسّس لقاعدة الإخاء الديني بين المؤمنين، فكل من صح له وصف الإيمان تم له وصف الأخوة، وهكذا الآية الأخرى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] ثم أصَّل لقاعدة النصيحة والتصحيح بقوله – ســبحانه وتعالى -: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، فالإيمان لا يمنع النصيحة والإصلاح, والنصيحة والإصلاح لا تمنع أداء حقوق الإخاء الديني بين المؤمنين .
ثالثاً : التصحيح مطلب , لكن بالرحمة والشفقة، وبقلب محب ناصح يتحرى الخير، ويؤثر حسن الظن، ويقدم العذر، ويحفظ حقوق الأخوّة , ويجب الحذر من حظوظ النفس الخفية التي قد تحدث فرحاً بالغلط الذي قد يقع من أخيك .
رابعاً: إياك أن تظن أن المقصود بهذا الكلام غيرك فرداً أو جماعة أو شريحة , أنا أقصدك أنت شخصياً، وبذاتك وعينك , فالذي نعانيه ونواجهه أن الداء مستحكم في الأمة، ومصاب الأمة بكل وضوح، هو من ذاتها قبل عدوها، والمشكلة تقع في داخلنا وفي ضمائرنا، وما لم نُعْمِل مبضع الجراح في عقولنا وقلوبنا وتصرفاتنا وأقوالنا وأعمالنا فلن نفلح .
إننا ننتظر دائماً من الآخرين أن يغيروا مواقفهم , ولكننا لا نقوم نحن بهذا الدور، ونخلط بين الثبات على الدين وبين التمسك برأي؛ لأنه سبق إلى آذاننا أو تلقيناه عن شيخ أو معلم، حتى لو كان رأياً مرجوحاً .
خامساً: خطورة الاشتغال بالتصنيف , وهو داء أمم قبلنا، وداء كثير من الجماعات، فإذا رأيت من شخصٍ ما لا يروق لك أو ما لا يعجبك سارعت بتصنيفه ووضعه ضمن جماعة معينة أو قائمة من القوائم المعدة سلفاً في عقلك, وكأنك فرغت منه وحاولت أن تضع حاجزاً بينك وبينه أن تتعاون معه , وبينه وبين الآخرين أن يستفيدوا منه بأن تقول : هذا سلفي، أو إخواني، أو تبليغي، أو قطبي، أو هذا من المجموعة الفلانية، أو من الطائفة الفلانية، أو من المدرسة العلانية , وهذا يكون بغير علم أحياناً , ويكون ببغي أحياناً كثيرة، ويتم دون أن تعرف ما عند هذا الإنسان على سبيل التفصيل , ودون أن تعرف من نسبْتهم إليه أيضاً , والحكم في مثل هذا يتطلب تحقيق ثلاث صفات :
أولاً : أن تكون من أهل العلم والرأي والبصيرة والإنصاف .
ثانياً : أن تكون عالماً بما عليه هذا الشخص من الجمل والمبادئ العامة لتتمكن من الحكم فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .
ثالثاً : أن تكون عارفاً بالمدرسة أو الجهة أو الجماعة التي نسبته إليها , وهذه الأمور مما تنقطع دونها أعناق المطي , لكن الكثيرين من أسهل الأمور عليهم إذا رأوا شخصاً وافق أو ظنوا أنه وافق جماعة أو فئة أو طائفة في جزئية معينة صنفوه أنه منهم ثم فرغوا منه وتركوه . [justify]وفي ختام هذا الموضوع، ولأنه في غاية الأهمية والخطورة، ولما رأيت من كثرة المادة فيه فإني أشير إلى شيء من المراجع المهمة في هذا :
ـ كتيب لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان ( قاعدة في جمع كلمة المسلمين ) وهو مطبوع طبعة مستقلة, وهو موجود في الفتاوى لكن طباعته مستقلة جيدة .
2ـ في مجموع الفتاوى (22/ 350 ) في باب صفة الصلاة قال : قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأمة , وهذا يمكن مراجعته ضمن مجموعة الفتاوى الكبرى .
3ـ كذلك في أصول الفقه (20/5) رسالة في (اتفاق الرسل في الأصول الاعتقادية والعلمية والعملية) .
4ـ في العقيدة (1/ 12 ) كتاب توحيد الألوهية قال: قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته .
5ـ في الفقه الصلاة باب الآذان والإقامة (22/ 64 ) مسألة حكم الأذان وما يتعلق بها .
6ـ في الصلاة باب صفة الصلاة (22/ 368 ) قال :قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأئمة .
7ـ كذلك هناك كتاب جيد مطبوع اسمه (رسالة الألفة بين المسلمين) وفيها أمر الإسلام بالتوحد والائتلاف، وحظر التنازع والتفرق عند الاختلاف، ورسالة في الإمامة في جواز الاقتداء بالمخالف في الفروع، وهذا أيضاً لشيخ الإسلام ابن تيمية، وملحق لابن حزم الظاهري .
8ـ في الفتاوى (3/ 341 ) فصلٌ قال: وإذا كانت الشهادتان هي أصل الدين وفرعه إلى آخر ما ذكر ـ رحمه الله تعالى ـ.
9ـ كتاب مفيد اسمه المحكمات في الشريعة الإسلامية وأثرها في حفظ وحدة الأمة وحفظ المجتمع . للدكتور عابد بن محمد السفياني .
10 ـ رسالة (تصنيف الناس بين الظن واليقين ) لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين ..[/justify]
أولاً: من المحاذير المهمة البحث عن نقاط الاتفاق , وليس عن نقاط الخلاف؛ لأن الذي يدخل بروح التفحص والاختبار سيجد إما في عمومية اللفظ أو ملابسة الموقف أو ظروف الاجتهاد ما لا يروق له , وأمور الناس ينبغي أن تؤخذ بالستر والعافية وحسن الظن .
ثانياً : اجتماع الكلمة والولاء بين المؤمنين عامة مبني على أصل الإيمان , وأصل الإسلام , فكل من ثبت له الإسلام والإيمان ثبت له أصل الإخاء، والإيمان يزيد وينقص، وكذلك الإسلام يزيد وينقص , فلكل مؤمن ومسلم من الحقوق العامة القدر الذي جاءت به النصوص الشرعية , ويكمل الحق بكمال الإيمان وكمال الإسلام , أما ما تراه خطأً يحتاج إلى تصحيح وتصويب؛ فإن الأخوّة لا تمنع التصحيح والتصويب والاستدراك المشفق الرحيم الناصح , والتصويب والتصحيح والاستدراك لا يمنع من القيام بالحقوق الأخرى , وقد يجتمع في المرء الواحد إيمان ونفاق , ويجتمع له ولاء وبراء، ولذلك يضرب العلماء ـ مثلاً ـ بالفقير السارق تقطع يده لسرقته , ويعطى من الزكاة لفقره، ولا ينبغي إقامة أحد الأمرين أعني: ( الولاء، والبراء ) للمؤمن بتقويض الآخر , بل يجمع بينهما كما جمع بينهما ربنا قال الله ـ تعالى ـ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)[التوبة: 71] فأصّل وأسّس لقاعدة الإخاء الديني بين المؤمنين، فكل من صح له وصف الإيمان تم له وصف الأخوة، وهكذا الآية الأخرى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] ثم أصَّل لقاعدة النصيحة والتصحيح بقوله – ســبحانه وتعالى -: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، فالإيمان لا يمنع النصيحة والإصلاح, والنصيحة والإصلاح لا تمنع أداء حقوق الإخاء الديني بين المؤمنين .
ثالثاً : التصحيح مطلب , لكن بالرحمة والشفقة، وبقلب محب ناصح يتحرى الخير، ويؤثر حسن الظن، ويقدم العذر، ويحفظ حقوق الأخوّة , ويجب الحذر من حظوظ النفس الخفية التي قد تحدث فرحاً بالغلط الذي قد يقع من أخيك .
رابعاً: إياك أن تظن أن المقصود بهذا الكلام غيرك فرداً أو جماعة أو شريحة , أنا أقصدك أنت شخصياً، وبذاتك وعينك , فالذي نعانيه ونواجهه أن الداء مستحكم في الأمة، ومصاب الأمة بكل وضوح، هو من ذاتها قبل عدوها، والمشكلة تقع في داخلنا وفي ضمائرنا، وما لم نُعْمِل مبضع الجراح في عقولنا وقلوبنا وتصرفاتنا وأقوالنا وأعمالنا فلن نفلح .
إننا ننتظر دائماً من الآخرين أن يغيروا مواقفهم , ولكننا لا نقوم نحن بهذا الدور، ونخلط بين الثبات على الدين وبين التمسك برأي؛ لأنه سبق إلى آذاننا أو تلقيناه عن شيخ أو معلم، حتى لو كان رأياً مرجوحاً .
خامساً: خطورة الاشتغال بالتصنيف , وهو داء أمم قبلنا، وداء كثير من الجماعات، فإذا رأيت من شخصٍ ما لا يروق لك أو ما لا يعجبك سارعت بتصنيفه ووضعه ضمن جماعة معينة أو قائمة من القوائم المعدة سلفاً في عقلك, وكأنك فرغت منه وحاولت أن تضع حاجزاً بينك وبينه أن تتعاون معه , وبينه وبين الآخرين أن يستفيدوا منه بأن تقول : هذا سلفي، أو إخواني، أو تبليغي، أو قطبي، أو هذا من المجموعة الفلانية، أو من الطائفة الفلانية، أو من المدرسة العلانية , وهذا يكون بغير علم أحياناً , ويكون ببغي أحياناً كثيرة، ويتم دون أن تعرف ما عند هذا الإنسان على سبيل التفصيل , ودون أن تعرف من نسبْتهم إليه أيضاً , والحكم في مثل هذا يتطلب تحقيق ثلاث صفات :
أولاً : أن تكون من أهل العلم والرأي والبصيرة والإنصاف .
ثانياً : أن تكون عالماً بما عليه هذا الشخص من الجمل والمبادئ العامة لتتمكن من الحكم فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .
ثالثاً : أن تكون عارفاً بالمدرسة أو الجهة أو الجماعة التي نسبته إليها , وهذه الأمور مما تنقطع دونها أعناق المطي , لكن الكثيرين من أسهل الأمور عليهم إذا رأوا شخصاً وافق أو ظنوا أنه وافق جماعة أو فئة أو طائفة في جزئية معينة صنفوه أنه منهم ثم فرغوا منه وتركوه . [justify]وفي ختام هذا الموضوع، ولأنه في غاية الأهمية والخطورة، ولما رأيت من كثرة المادة فيه فإني أشير إلى شيء من المراجع المهمة في هذا :
ـ كتيب لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان ( قاعدة في جمع كلمة المسلمين ) وهو مطبوع طبعة مستقلة, وهو موجود في الفتاوى لكن طباعته مستقلة جيدة .
2ـ في مجموع الفتاوى (22/ 350 ) في باب صفة الصلاة قال : قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأمة , وهذا يمكن مراجعته ضمن مجموعة الفتاوى الكبرى .
3ـ كذلك في أصول الفقه (20/5) رسالة في (اتفاق الرسل في الأصول الاعتقادية والعلمية والعملية) .
4ـ في العقيدة (1/ 12 ) كتاب توحيد الألوهية قال: قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته .
5ـ في الفقه الصلاة باب الآذان والإقامة (22/ 64 ) مسألة حكم الأذان وما يتعلق بها .
6ـ في الصلاة باب صفة الصلاة (22/ 368 ) قال :قاعدة , صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها تنازع بين الأئمة .
7ـ كذلك هناك كتاب جيد مطبوع اسمه (رسالة الألفة بين المسلمين) وفيها أمر الإسلام بالتوحد والائتلاف، وحظر التنازع والتفرق عند الاختلاف، ورسالة في الإمامة في جواز الاقتداء بالمخالف في الفروع، وهذا أيضاً لشيخ الإسلام ابن تيمية، وملحق لابن حزم الظاهري .
8ـ في الفتاوى (3/ 341 ) فصلٌ قال: وإذا كانت الشهادتان هي أصل الدين وفرعه إلى آخر ما ذكر ـ رحمه الله تعالى ـ.
9ـ كتاب مفيد اسمه المحكمات في الشريعة الإسلامية وأثرها في حفظ وحدة الأمة وحفظ المجتمع . للدكتور عابد بن محمد السفياني .
10 ـ رسالة (تصنيف الناس بين الظن واليقين ) لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين ..[/justify]