مسيرات تل أبيب ووجه الدولة المقضي عليه
"
ووصل الأمر ببعض المثقفين الإسرائيليين للقول "ملزمون بأن يوقفوا للحظة آلة القصف ويسألوا عن أي إسرائيل هي هذه؟ ماذا سيكون عن مكانتنا في العالم، الذي ينظر الآن إلى غزة؟ ما الذي نفعله بالمنظمة العربية المعتدلة؟ وماذا بشأن الكراهية الشعبية التي نزرعها من الهند وحتى أفريقيا؟
"
في هذا الوقت جاءت مسيرات ومظاهرات مثقفي وأنتلجنسيا "اليسار الصهيوني" في تل أبيب وهم من المحسوبين على أصحاب الاتجاه الأول بقيادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتي يشكل الحزب الشيوعي الإسرائيلي (حزب راكاح) عمادها الرئيسي، وهو حزب مختلط (يهودي عربي) ويمتلك أربعة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي ويضم في صفوفه بعض أهم رموز العمل الثقافي داخل إسرائيل، لتثير المزيد من أجواء التفاعلات الداخلية من جدوى العملية العسكرية على قطاع غزة ومن جدوى استخدام القوة لخلق وقائع وترتيبات معينة على الجبهة الفلسطينية.
معتبرين (وفقاً لتصريحات عضو الكنيست دوف حنين وهو على رأس المتظاهرين) أن العملية العسكرية لن تجدي نفعاً، وأن من المشكوك به القضاء على حركة حماس في هذه "الحرب البائسة" بينما وجه "الدولة بات مقضيا عليه"، حيث "قضي على النخب المدنية، فهي لا مبالية وخائفة" وقضي على "معسكر السلام" الذي من المشكوك به أن "يستمر وأن يدعم مسيرة التسوية".
وترافق مع مظاهرة تل أبيب لقاء عمل تنادى إليه مفكرون وكتاب وسياسيون من بينهم مسؤولون سابقون في حزب العمل بهدف إقامة حركة يسارية تنضم إلى حركة ميرتس لتعزيزها في الانتخابات القادمة بعد أن تراجع رئيس الحركة حاييم رامون عن تأييد العملية العسكرية على قطاع غزة، ومن بين المنظمين لهذا اللقاء الوزير السابق، عوزي برعام، وعضو الكنيست السابق لوفا إلياف، والكاتب عاموس عوز، وتسالي ريشيف (من المبادرين لإقامة حركة السلام الآن)، والبروفيسور موردخاي كارمنتسر، ونير برعام، وممثلون عن حركة الخضر، ورئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ، الذي كتب يوم (5/1/2009) على صفحات هآرتس "أعتقد أنه لم يعد ممكناً الانتصار في الحروب، ولم يعد ممكناً إبادة شعوب، والزعامة الإسرائيلية في حرب غزة مآلها أن تفشل باسمنا".
وبعد يومين من القتال انضم إليهم أيضاً، مثقفون وسياسيون إسرائيليون دعوا إلى وقف النار وإلى "الحديث مع حماس". معتبرين أن البزات العسكرية "بزات عسكرية مغلقة الحس وملطخة بالدماء، وتحت رعايتها مسموح تنفيذ كل جريمة" وأن "التجربة تدل بأن منطق القوة وحده لن يعطي لإسرائيل الهدوء، وأن اتفاقاً إقليميا دائماً سيلزم إسرائيل في نهاية المطاف مغادرة المونولوغ" (حديث مع الذات) و"الحديث مع حماس" ولو مواربة وعن طريق الوسطاء بعد أن ثبت أن القتل والدمار في لبنان صيف العام 2006 لم يحققاه أيضاً.
فعاموس عوز يدعو "لوقف النار الآن" ودافيد غروسمان يكتب "لنوقف النار"، ومئير شليف يكتب عن "صورتنا الأخلاقية المشوهة حتى أصبحنا وحوشا"، ووصل الأمر ببعض المثقفين الإسرائيليين للقول "ملزمون بأن يوقفوا للحظة آلة القصف ويسألوا عن أي إسرائيل هي هذه؟ ماذا سيكون عن مكانتنا في العالم، الذي ينظر الآن إلى غزة؟ ما الذي نفعله بالمنظمة العربية المعتدلة؟ وماذا بشأن الكراهية الشعبية التي نزرعها من الهند وحتى أفريقيا؟ أي خير سينشأ لنا من هذا القتل والدمار؟".
نتائج العملية.. حلم يقظة وكابوس لاحق
وعلى جانب أخر من المواقف التي بدأت تتفاعل داخل صفوف الأنتلجنسيا في إسرائيل، بدأت قطاعات منهم ترى أنه بات من الصعب تمييز النجاحات التي تحققت على ضوء الأهداف التي كان قد تم الإعلان عنها بداية القصف الهمجي للقطاع أو تشخيص وقوع انعطافة إستراتيجية بعد أيام من التوغل البري.
فبنك الأهداف الكبير لم يحقق حتى الآن مردوداً من الإنجازات العملية لجهة وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، ولم يتم وقف عملية التصدي الفعالة للقوات البرية الإسرائيلية من قبل المقاومين الفلسطينيين على مختلف المحاور التي تحاول قوات الاحتلال أن تتقدم عليها.
معتبرين في الوقت نفسه أن الحاجة إلى تحقيق إنجاز بعد حملة القصف الجوي العنيفة وانفراغ بنك الأهداف دفع القيادة السياسية الإسرائيلية إلى أن تضيف إلى الضربات الجوية خطوة برية أيضاً بدأت تنتقل بالوضع الإسرائيلي إلى حالة صعبة، وليتحول حلم من خطط وأدار العملية العسكرية بأسرها إلى "حلم يقظة" بل وقد يصبح الحلم كابوساً متواصلاً على حد تعبير مثقف إسرائيلي على صفحات معاريف.
"
بدأت قطاعات داخل الأنتلجنسيا ترى بأنه بات من الصعب تمييز النجاحات التي تحققت على ضوء الأهداف التي كان قد تم الإعلان عنها بداية القصف الهمجي للقطاع أو تشخيص وقوع انعطافة إستراتيجية بعد أيام من التوغل البري
"
في هذا السياق، فإن حجم ردود الفعل الدولية على مستوياتها غير الرسمية، وهي ردود فعل غير مسبوقة من حيث حجم الإدانة للعدوان والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وانتشار الفعاليات المساندة لكفاح الشعب الفلسطيني على امتداد المعمورة، دفع أيضاً إضافة لمجموعات الأنتلجنسيا، العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية داخل الدولة العبرية وعدد من المعلقين والمراقبين الإسرائيليين، ومنهم المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي لإطلاق التحذيرات من تواصل النشاط الجوي الإسرائيلي، ومن تعمق العملية البرية، التي قد تعقد الفرصة لإنهاء سريع للحملة العسكرية، وفي دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى قطف ثمار "الإنجاز" العسكري وترجمته باتفاق سياسي.
وحذروا أيضا من مغبة توسيع العملية البرية والوقوع في كمائن المقاومة واستدراج الجيش المحتل إلى قلب المناطق السكنية بغية قنص جنوده واستهداف دباباته بالصواريخ المضادة للدروع والمراهنة على كسر إرادة حركة حماس ودفعها لرفع الراية البيضاء.
كما وفي الحديث عن تحول واقعي يؤكد شرعية حركة حماس الآخذة في التعمق، وحدوث تحول بحدود ما في الرأي العام في المجتمع الدولي في ثبات إسرائيل في صورة الأزعر الإقليمي.
ومطالبين القيادة الإسرائيلية بالتجاوب مع المبادرات الدولية خصوصاً لجهة فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الدولية من غذاء ووقود إلى قطاع غزة، وهو أمر لن ينقص من "قدرة إسرائيل العسكرية والسياسية" على حد تعبير أصحاب الرأي المشار إليه، وفي الوقت يوفر لإسرائيل لحظة الانتقال من طاولة الرمل إلى الطاولة السياسية.
ــــــــــ
كاتب فلسطيني
"
ووصل الأمر ببعض المثقفين الإسرائيليين للقول "ملزمون بأن يوقفوا للحظة آلة القصف ويسألوا عن أي إسرائيل هي هذه؟ ماذا سيكون عن مكانتنا في العالم، الذي ينظر الآن إلى غزة؟ ما الذي نفعله بالمنظمة العربية المعتدلة؟ وماذا بشأن الكراهية الشعبية التي نزرعها من الهند وحتى أفريقيا؟
"
في هذا الوقت جاءت مسيرات ومظاهرات مثقفي وأنتلجنسيا "اليسار الصهيوني" في تل أبيب وهم من المحسوبين على أصحاب الاتجاه الأول بقيادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتي يشكل الحزب الشيوعي الإسرائيلي (حزب راكاح) عمادها الرئيسي، وهو حزب مختلط (يهودي عربي) ويمتلك أربعة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي ويضم في صفوفه بعض أهم رموز العمل الثقافي داخل إسرائيل، لتثير المزيد من أجواء التفاعلات الداخلية من جدوى العملية العسكرية على قطاع غزة ومن جدوى استخدام القوة لخلق وقائع وترتيبات معينة على الجبهة الفلسطينية.
معتبرين (وفقاً لتصريحات عضو الكنيست دوف حنين وهو على رأس المتظاهرين) أن العملية العسكرية لن تجدي نفعاً، وأن من المشكوك به القضاء على حركة حماس في هذه "الحرب البائسة" بينما وجه "الدولة بات مقضيا عليه"، حيث "قضي على النخب المدنية، فهي لا مبالية وخائفة" وقضي على "معسكر السلام" الذي من المشكوك به أن "يستمر وأن يدعم مسيرة التسوية".
وترافق مع مظاهرة تل أبيب لقاء عمل تنادى إليه مفكرون وكتاب وسياسيون من بينهم مسؤولون سابقون في حزب العمل بهدف إقامة حركة يسارية تنضم إلى حركة ميرتس لتعزيزها في الانتخابات القادمة بعد أن تراجع رئيس الحركة حاييم رامون عن تأييد العملية العسكرية على قطاع غزة، ومن بين المنظمين لهذا اللقاء الوزير السابق، عوزي برعام، وعضو الكنيست السابق لوفا إلياف، والكاتب عاموس عوز، وتسالي ريشيف (من المبادرين لإقامة حركة السلام الآن)، والبروفيسور موردخاي كارمنتسر، ونير برعام، وممثلون عن حركة الخضر، ورئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ، الذي كتب يوم (5/1/2009) على صفحات هآرتس "أعتقد أنه لم يعد ممكناً الانتصار في الحروب، ولم يعد ممكناً إبادة شعوب، والزعامة الإسرائيلية في حرب غزة مآلها أن تفشل باسمنا".
وبعد يومين من القتال انضم إليهم أيضاً، مثقفون وسياسيون إسرائيليون دعوا إلى وقف النار وإلى "الحديث مع حماس". معتبرين أن البزات العسكرية "بزات عسكرية مغلقة الحس وملطخة بالدماء، وتحت رعايتها مسموح تنفيذ كل جريمة" وأن "التجربة تدل بأن منطق القوة وحده لن يعطي لإسرائيل الهدوء، وأن اتفاقاً إقليميا دائماً سيلزم إسرائيل في نهاية المطاف مغادرة المونولوغ" (حديث مع الذات) و"الحديث مع حماس" ولو مواربة وعن طريق الوسطاء بعد أن ثبت أن القتل والدمار في لبنان صيف العام 2006 لم يحققاه أيضاً.
فعاموس عوز يدعو "لوقف النار الآن" ودافيد غروسمان يكتب "لنوقف النار"، ومئير شليف يكتب عن "صورتنا الأخلاقية المشوهة حتى أصبحنا وحوشا"، ووصل الأمر ببعض المثقفين الإسرائيليين للقول "ملزمون بأن يوقفوا للحظة آلة القصف ويسألوا عن أي إسرائيل هي هذه؟ ماذا سيكون عن مكانتنا في العالم، الذي ينظر الآن إلى غزة؟ ما الذي نفعله بالمنظمة العربية المعتدلة؟ وماذا بشأن الكراهية الشعبية التي نزرعها من الهند وحتى أفريقيا؟ أي خير سينشأ لنا من هذا القتل والدمار؟".
نتائج العملية.. حلم يقظة وكابوس لاحق
وعلى جانب أخر من المواقف التي بدأت تتفاعل داخل صفوف الأنتلجنسيا في إسرائيل، بدأت قطاعات منهم ترى أنه بات من الصعب تمييز النجاحات التي تحققت على ضوء الأهداف التي كان قد تم الإعلان عنها بداية القصف الهمجي للقطاع أو تشخيص وقوع انعطافة إستراتيجية بعد أيام من التوغل البري.
فبنك الأهداف الكبير لم يحقق حتى الآن مردوداً من الإنجازات العملية لجهة وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، ولم يتم وقف عملية التصدي الفعالة للقوات البرية الإسرائيلية من قبل المقاومين الفلسطينيين على مختلف المحاور التي تحاول قوات الاحتلال أن تتقدم عليها.
معتبرين في الوقت نفسه أن الحاجة إلى تحقيق إنجاز بعد حملة القصف الجوي العنيفة وانفراغ بنك الأهداف دفع القيادة السياسية الإسرائيلية إلى أن تضيف إلى الضربات الجوية خطوة برية أيضاً بدأت تنتقل بالوضع الإسرائيلي إلى حالة صعبة، وليتحول حلم من خطط وأدار العملية العسكرية بأسرها إلى "حلم يقظة" بل وقد يصبح الحلم كابوساً متواصلاً على حد تعبير مثقف إسرائيلي على صفحات معاريف.
"
بدأت قطاعات داخل الأنتلجنسيا ترى بأنه بات من الصعب تمييز النجاحات التي تحققت على ضوء الأهداف التي كان قد تم الإعلان عنها بداية القصف الهمجي للقطاع أو تشخيص وقوع انعطافة إستراتيجية بعد أيام من التوغل البري
"
في هذا السياق، فإن حجم ردود الفعل الدولية على مستوياتها غير الرسمية، وهي ردود فعل غير مسبوقة من حيث حجم الإدانة للعدوان والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وانتشار الفعاليات المساندة لكفاح الشعب الفلسطيني على امتداد المعمورة، دفع أيضاً إضافة لمجموعات الأنتلجنسيا، العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية داخل الدولة العبرية وعدد من المعلقين والمراقبين الإسرائيليين، ومنهم المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي لإطلاق التحذيرات من تواصل النشاط الجوي الإسرائيلي، ومن تعمق العملية البرية، التي قد تعقد الفرصة لإنهاء سريع للحملة العسكرية، وفي دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى قطف ثمار "الإنجاز" العسكري وترجمته باتفاق سياسي.
وحذروا أيضا من مغبة توسيع العملية البرية والوقوع في كمائن المقاومة واستدراج الجيش المحتل إلى قلب المناطق السكنية بغية قنص جنوده واستهداف دباباته بالصواريخ المضادة للدروع والمراهنة على كسر إرادة حركة حماس ودفعها لرفع الراية البيضاء.
كما وفي الحديث عن تحول واقعي يؤكد شرعية حركة حماس الآخذة في التعمق، وحدوث تحول بحدود ما في الرأي العام في المجتمع الدولي في ثبات إسرائيل في صورة الأزعر الإقليمي.
ومطالبين القيادة الإسرائيلية بالتجاوب مع المبادرات الدولية خصوصاً لجهة فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الدولية من غذاء ووقود إلى قطاع غزة، وهو أمر لن ينقص من "قدرة إسرائيل العسكرية والسياسية" على حد تعبير أصحاب الرأي المشار إليه، وفي الوقت يوفر لإسرائيل لحظة الانتقال من طاولة الرمل إلى الطاولة السياسية.
ــــــــــ
كاتب فلسطيني