القلق أحد أسباب تشوف الناس للمستقبل، والبحث عن أجوبة لما ينتظرهم من خير وشر, وهذا القلق إن كان فردياً فعلاجه بالأسباب الشرعية، وصناعة التفاؤل، والدعاء بما لا يخالف كتاباً ولا سنةً.
وأما إن كان عاماً يخص واقع الأمة ومصيرها فإنه يعالج بالإقبال على الله عامة، ثم من خلال مراكز الدراسات وقراءة المستقبل من الأدلة والأرقام والإحصاءات والمؤشرات, وهذا هو العلم الذي يطلب منا أن نقبل عليه، ونهتم به للخروج من حالتنا العامة، ومن العجب أنه يندر أن يوجد في العالم الإسلامي مركز واحد يعتمد على الطريقة العلمية لقراءة المستقبل بهذا الشأن, وكون القلق يحفز الناس لسؤال الكهنة والعرافين فهذا يرجع في نهايته إلى قناعة, والفصل بين القلق والقناعة فيه نظر كبير.
ومن انتشار الخرافة بين الناس تلك القنوات الفضائية التي تعنى بالسحر والشعوذة والدجل والاستخفاف بعقول الناس ومقدراتهم.
وبعض تلك القنوات كانت غنائية وتحولت إلى قناة سحر وتنجيم؛ لتغطي تكاليفها المادية التي عجزت عنها!
ومن يقدمون البرامج في هذه القنوات قد لا يحفظ آية واحدة، وخطؤه فيها أكثر من صوابه, ولا يستطيع إقامة جملة عربية سليمة، ولا يملك مؤهلاً معنوياً ولا مادياً للحديث فيما هو بصدده, فضلاً عن جرأة متناهية في تقحم المهالك والاستخفاف بالمتصلين، ومجابهتهم بمغيبات كأن اللوح المحفوظ فتح أمامه، فهو يقرأ ما يشاء؛ فيلقنهم طامات مستغربة، كأن يكتب سورة ويضعها في محل قاذورات أو يلفها بدمٍ.. موهماً إياه أنه لا ند له في الخبرة, ولا نظير يجاريه في المعرفة, وأن علاج المتصل عنده لا سواه, وأحياناً يأمره بألا يقرأ القرآن وألا يحج.. إلى غير ذلك مما لا يعجز عنه عقل خرافي أو نفس ساذجة.
ولو تأمل المتصل عليهم لوجد أن الأمر لا يعدو أن يكون لكل إنسان قدر مشترك -ولو ضئيل- مع غيره في المشاكل, سواء مع زوجته أو في عمله أو جيرانه, وما تجده عند فلان تجده عند غيره، زاد أو قلّ, فيخبره هذا المشعوذ ( ومن يطلقون عليه الشيخ أحياناً) بما قد يقع لأي إنسان ويتفاعل معه المتصل, والأغرب هو أن يأمره أحياناً بأن يطلق زوجته؛ لأن الأسماء لا تتفق، أو أن يغير اسمه, والناس يستجيبون بكل أريحية وبساطة, مما قد لا يستجيبون لمثله في الأمور الجادة والبناءة والمشاريع الإصلاحية لحياتهم.
وقس على ذلك قراءة الكف والفنجان والجبين, وما يطلق عليه في بعض المجتمعات بـ" الوَدَعَ"..
وهم في الغالب لا يخبرون بشيء ذي قيمة, بل من يسألهم هو أعرف بنفسه منهم, وقد لا يدرك أنه على خطورة من أمر دنياه ودينه، ففي الدنيا يخسر ماله ووقته ونفسه ويعرضها للاكتئاب، وهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
أما في الدين فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم، وفي رواية لأحمد (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ).
فعلينا أن نزيد في وعي تعاملنا مع تلك القنوات بمنع مشاهدتنا لها، أو الاستماع إليها لا فضولاً ولا تقصدا, ورفضها ريثما تذبل وتنتهي، وقديماً قيل:
[center]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=450 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']فَسامِعُ الشَرِّ شَريكٌ لَهُ [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
وَمُطعِمُ المَأكولِ كَالآكِلِ [/font][/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
مَقالَةُ السوءِ إِلى أَهلِها [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
أَسرَعُ مِن مُنحَدَرٍ سائِلِ [/font][/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
وَمَن دَعا الناسَ إِلى ذَمِّهِ [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
ذَمّوهُ بِالحَقِّ وَبِالباطِلِ [/font][/td][/tr][/table][/center]
[justify]وثمت نداء للمدن الإعلامية التي تضع شروطاً لما يسمى بالقنوات الدينية، وتتحفظ على الترخيص لها أن تفعل ذلك مع قنوات العبث بالدين والعقل الإنساني والخلق القويم.
ثم إن أمثال هؤلاء يصدق عليهم القول المشهور: كذب المنجمون ولو صدقوا.
وهو إن لم يكن حديثاً إلا أن معناه صحيح، وعند أصحاب السنن وأحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ)، أي: كلما زاد من علم النجوم زاد له من الإثم مثل إثم الساحر..
والقضايا العامة بعضها يكون سبق شيء من ذكره في الكتب السماوية السابقة, فربما اطلع عليها بعض هؤلاء, ونسبوها لأنفسهم، وكثير منهم له تعاملات شيطانية مع الجن, كما كان في الجاهلية قبل البعثة، يقعدون مقاعد يسترقون السمع, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ترصدتهم الشهب، ومن تفلت منهم واسترق شيئاً ووضعه في أذن صاحبه أضاف إليه مائة كذبة، كما وردت الأخبار بذلك.
وفرق بين هذا وبين الإلهام أو الحدس القوي الذي يمنحه الله لبعض المؤمنين، كما كان عمر رضي الله عنه، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) البخاري ومسلم. وهذه تكون لصدق الإيمان والتقوى، وقد يقع شيء من الحدس لغير المؤمن، كما في قصة يوسف ورؤيا الملك, لكن هذا لون وأن تكون تلك بضاعة يسوقها المنجمون والعرافون والمشعوذون لون آخر.
والملاحظ أن مثل هذه الأمور لا تظهر بعنف إلا في فترات أزمات الأمة، ولو افترضنا مائة منجم وتنبأ كل واحد في حادثة بشيء لأتوا على جميع الاحتمالات وزيادة, وسوف يصيب أحدهم لا محالة, فالعجيب ممن يترك خطأ التسعة والتسعين وينبهر ويروج لصواب واحد وقع اتفاقاً، وهو تخمين وتكهن ليس أكثر من ذلك, فيشاع عنه صدق تنبوءاته وإبداع تكهناته, والمفترض أن تعالج الأمور كل بحسبها, سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك.
وكم ادعى المنجمون وغيرهم وقوع كثير من الحوادث والكوارث ثم لا شيء منها يحدث, وكم وقع من الكوارث والفتن ولم يتوقعوا أو يرجموا بها، كالأسهم مثلاً، وقد كانت نكبةً في شتى النواحي، ولها تأثير على الصعيد الشخصي، لكن التسليم لقضاء الله والإيمان به ملجأ آمن، وسبيل هداية، يقول الله سبحانه: "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ"[التغابن:11].
ومما يدخل في ذلك الأبراج الاثنا عشر، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثماني وثمانين برجاً في السماء, كالدلو والحوت والعقرب والعذراء والقوس, وهي تخيلية حسب تشكل مجموعات النجوم بأشكال معينة في خيال الرائي, وفرق بينها وبين علم الفلك الذي ينتفع به المسلمون وغيرهم، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ"، "وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً"، فالفَلَك علم قائم مستفاد منه, والتنجيم خرافة متخيلة, وقد أقر علماء الفلك أنه لا يوجد رابط البتة بين هذه النجوم وبين حياة الناس, وأن وصف الأبراج ومن ينتمون إليها من الناس بأنها عاطفية أو حالمة أو غضبية.. مما ينشر في الصحف والمجلات هو من باب الخرافة, إذ بيننا وبين هذه الأبراج مفاوز من آلاف السنين الضوئية مما يجعل أثرها على الناس معدوماً, بخلاف الشمس والقمر، فلكل منها تأثير مادي على الإنسان والحيوان والنبات والبحار, وهي مسخرة لذلك، وليست أبراجاً تخييلية، بل أجرام ذات حقيقة واقعية قال الله تعالى: "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"، ولعل ما يدخل في أمور الغيب التي تناولها الناس بشيء من الإفراط في معانيها وتنزيلاتها أحاديث الفتن.
وهذه الأحاديث أولاً: يقبلها أقوام دون تمحيص، ويغيب عنهم أن الضعيف فيها والمكذوب أضعاف الصحيح.
ثانياً: شهوة الكثير من الناس في تنزيل تلك الأحاديث على أوضاع معينة، كالعراق أو فلسطين أو فلان من الناس، كحديث (منعت العراق قفيزها ودرهمها) وحديث (تصالحون الروم صلحاً آمناً)، أو حديث السفياني أو القحطاني أو أحاديث المهدي، وكم وقع من أزمات في الأمة عبر التاريخ منذ عهد بني أمية وبني العباس إلى ابن تومرت إلى مهدي السودان إلى مهدي فتنة الحرم... نتيجة تنزيل الأحاديث في غير مواقعها.
ثالثاً: نحن متعبدون بالشريعة, أما القعود والتكاسل وانتظار الخوارق فلم نتعبد به يوماً من الدهر, بل في مسند أحمد (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)، والحديث يشجع على الزراعة والتعامل مع النبات, ويرشد إلى خلق الهدوء في التعاطي مع الأشياء, فمن يغرس الفسيلة في حالة الارتباك والتوتر سيكون هادئاً في الأزمات, ثم هو يحفز على العمل والإنجاز والإنتاج، وليس الهدر والاقتصار على ترديد المخاوف، وما لا يغني من جوع. [/justify]
وأما إن كان عاماً يخص واقع الأمة ومصيرها فإنه يعالج بالإقبال على الله عامة، ثم من خلال مراكز الدراسات وقراءة المستقبل من الأدلة والأرقام والإحصاءات والمؤشرات, وهذا هو العلم الذي يطلب منا أن نقبل عليه، ونهتم به للخروج من حالتنا العامة، ومن العجب أنه يندر أن يوجد في العالم الإسلامي مركز واحد يعتمد على الطريقة العلمية لقراءة المستقبل بهذا الشأن, وكون القلق يحفز الناس لسؤال الكهنة والعرافين فهذا يرجع في نهايته إلى قناعة, والفصل بين القلق والقناعة فيه نظر كبير.
ومن انتشار الخرافة بين الناس تلك القنوات الفضائية التي تعنى بالسحر والشعوذة والدجل والاستخفاف بعقول الناس ومقدراتهم.
وبعض تلك القنوات كانت غنائية وتحولت إلى قناة سحر وتنجيم؛ لتغطي تكاليفها المادية التي عجزت عنها!
ومن يقدمون البرامج في هذه القنوات قد لا يحفظ آية واحدة، وخطؤه فيها أكثر من صوابه, ولا يستطيع إقامة جملة عربية سليمة، ولا يملك مؤهلاً معنوياً ولا مادياً للحديث فيما هو بصدده, فضلاً عن جرأة متناهية في تقحم المهالك والاستخفاف بالمتصلين، ومجابهتهم بمغيبات كأن اللوح المحفوظ فتح أمامه، فهو يقرأ ما يشاء؛ فيلقنهم طامات مستغربة، كأن يكتب سورة ويضعها في محل قاذورات أو يلفها بدمٍ.. موهماً إياه أنه لا ند له في الخبرة, ولا نظير يجاريه في المعرفة, وأن علاج المتصل عنده لا سواه, وأحياناً يأمره بألا يقرأ القرآن وألا يحج.. إلى غير ذلك مما لا يعجز عنه عقل خرافي أو نفس ساذجة.
ولو تأمل المتصل عليهم لوجد أن الأمر لا يعدو أن يكون لكل إنسان قدر مشترك -ولو ضئيل- مع غيره في المشاكل, سواء مع زوجته أو في عمله أو جيرانه, وما تجده عند فلان تجده عند غيره، زاد أو قلّ, فيخبره هذا المشعوذ ( ومن يطلقون عليه الشيخ أحياناً) بما قد يقع لأي إنسان ويتفاعل معه المتصل, والأغرب هو أن يأمره أحياناً بأن يطلق زوجته؛ لأن الأسماء لا تتفق، أو أن يغير اسمه, والناس يستجيبون بكل أريحية وبساطة, مما قد لا يستجيبون لمثله في الأمور الجادة والبناءة والمشاريع الإصلاحية لحياتهم.
وقس على ذلك قراءة الكف والفنجان والجبين, وما يطلق عليه في بعض المجتمعات بـ" الوَدَعَ"..
وهم في الغالب لا يخبرون بشيء ذي قيمة, بل من يسألهم هو أعرف بنفسه منهم, وقد لا يدرك أنه على خطورة من أمر دنياه ودينه، ففي الدنيا يخسر ماله ووقته ونفسه ويعرضها للاكتئاب، وهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
أما في الدين فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم، وفي رواية لأحمد (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ).
فعلينا أن نزيد في وعي تعاملنا مع تلك القنوات بمنع مشاهدتنا لها، أو الاستماع إليها لا فضولاً ولا تقصدا, ورفضها ريثما تذبل وتنتهي، وقديماً قيل:
[center]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=450 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']فَسامِعُ الشَرِّ شَريكٌ لَهُ [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
وَمُطعِمُ المَأكولِ كَالآكِلِ [/font][/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
مَقالَةُ السوءِ إِلى أَهلِها [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
أَسرَعُ مِن مُنحَدَرٍ سائِلِ [/font][/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
وَمَن دَعا الناسَ إِلى ذَمِّهِ [/font][/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"][/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
ذَمّوهُ بِالحَقِّ وَبِالباطِلِ [/font][/td][/tr][/table][/center]
[justify]وثمت نداء للمدن الإعلامية التي تضع شروطاً لما يسمى بالقنوات الدينية، وتتحفظ على الترخيص لها أن تفعل ذلك مع قنوات العبث بالدين والعقل الإنساني والخلق القويم.
ثم إن أمثال هؤلاء يصدق عليهم القول المشهور: كذب المنجمون ولو صدقوا.
وهو إن لم يكن حديثاً إلا أن معناه صحيح، وعند أصحاب السنن وأحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ)، أي: كلما زاد من علم النجوم زاد له من الإثم مثل إثم الساحر..
والقضايا العامة بعضها يكون سبق شيء من ذكره في الكتب السماوية السابقة, فربما اطلع عليها بعض هؤلاء, ونسبوها لأنفسهم، وكثير منهم له تعاملات شيطانية مع الجن, كما كان في الجاهلية قبل البعثة، يقعدون مقاعد يسترقون السمع, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ترصدتهم الشهب، ومن تفلت منهم واسترق شيئاً ووضعه في أذن صاحبه أضاف إليه مائة كذبة، كما وردت الأخبار بذلك.
وفرق بين هذا وبين الإلهام أو الحدس القوي الذي يمنحه الله لبعض المؤمنين، كما كان عمر رضي الله عنه، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) البخاري ومسلم. وهذه تكون لصدق الإيمان والتقوى، وقد يقع شيء من الحدس لغير المؤمن، كما في قصة يوسف ورؤيا الملك, لكن هذا لون وأن تكون تلك بضاعة يسوقها المنجمون والعرافون والمشعوذون لون آخر.
والملاحظ أن مثل هذه الأمور لا تظهر بعنف إلا في فترات أزمات الأمة، ولو افترضنا مائة منجم وتنبأ كل واحد في حادثة بشيء لأتوا على جميع الاحتمالات وزيادة, وسوف يصيب أحدهم لا محالة, فالعجيب ممن يترك خطأ التسعة والتسعين وينبهر ويروج لصواب واحد وقع اتفاقاً، وهو تخمين وتكهن ليس أكثر من ذلك, فيشاع عنه صدق تنبوءاته وإبداع تكهناته, والمفترض أن تعالج الأمور كل بحسبها, سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك.
وكم ادعى المنجمون وغيرهم وقوع كثير من الحوادث والكوارث ثم لا شيء منها يحدث, وكم وقع من الكوارث والفتن ولم يتوقعوا أو يرجموا بها، كالأسهم مثلاً، وقد كانت نكبةً في شتى النواحي، ولها تأثير على الصعيد الشخصي، لكن التسليم لقضاء الله والإيمان به ملجأ آمن، وسبيل هداية، يقول الله سبحانه: "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ"[التغابن:11].
ومما يدخل في ذلك الأبراج الاثنا عشر، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثماني وثمانين برجاً في السماء, كالدلو والحوت والعقرب والعذراء والقوس, وهي تخيلية حسب تشكل مجموعات النجوم بأشكال معينة في خيال الرائي, وفرق بينها وبين علم الفلك الذي ينتفع به المسلمون وغيرهم، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ"، "وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً"، فالفَلَك علم قائم مستفاد منه, والتنجيم خرافة متخيلة, وقد أقر علماء الفلك أنه لا يوجد رابط البتة بين هذه النجوم وبين حياة الناس, وأن وصف الأبراج ومن ينتمون إليها من الناس بأنها عاطفية أو حالمة أو غضبية.. مما ينشر في الصحف والمجلات هو من باب الخرافة, إذ بيننا وبين هذه الأبراج مفاوز من آلاف السنين الضوئية مما يجعل أثرها على الناس معدوماً, بخلاف الشمس والقمر، فلكل منها تأثير مادي على الإنسان والحيوان والنبات والبحار, وهي مسخرة لذلك، وليست أبراجاً تخييلية، بل أجرام ذات حقيقة واقعية قال الله تعالى: "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"، ولعل ما يدخل في أمور الغيب التي تناولها الناس بشيء من الإفراط في معانيها وتنزيلاتها أحاديث الفتن.
وهذه الأحاديث أولاً: يقبلها أقوام دون تمحيص، ويغيب عنهم أن الضعيف فيها والمكذوب أضعاف الصحيح.
ثانياً: شهوة الكثير من الناس في تنزيل تلك الأحاديث على أوضاع معينة، كالعراق أو فلسطين أو فلان من الناس، كحديث (منعت العراق قفيزها ودرهمها) وحديث (تصالحون الروم صلحاً آمناً)، أو حديث السفياني أو القحطاني أو أحاديث المهدي، وكم وقع من أزمات في الأمة عبر التاريخ منذ عهد بني أمية وبني العباس إلى ابن تومرت إلى مهدي السودان إلى مهدي فتنة الحرم... نتيجة تنزيل الأحاديث في غير مواقعها.
ثالثاً: نحن متعبدون بالشريعة, أما القعود والتكاسل وانتظار الخوارق فلم نتعبد به يوماً من الدهر, بل في مسند أحمد (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)، والحديث يشجع على الزراعة والتعامل مع النبات, ويرشد إلى خلق الهدوء في التعاطي مع الأشياء, فمن يغرس الفسيلة في حالة الارتباك والتوتر سيكون هادئاً في الأزمات, ثم هو يحفز على العمل والإنجاز والإنتاج، وليس الهدر والاقتصار على ترديد المخاوف، وما لا يغني من جوع. [/justify]