إن الحياة إذا خلت من هدف نبيل صارت حياة بلا معنى ، فلكي يكون لحياتنا معنى علينا أن نحدد أهدافنا :
[color=blue]أولاً : [/color]هدف خاص ، فلا تثريب عليك فيه ولا عيب ، بل الشريعة جاءت لتحقيق هذا الهدف ، كالتفوق في الدراسة أو في العمل أو في الرزق أو في الزواج أو في المصالح المباحة من مصالح الدنيا، وهذا الخير الذي يتحقق لك شخصياً هو في النهاية خير للأمة كلها فالأمة مجموعة أفراد ، والعاقل إذا وجد الحلال لم يلجأ إلى الحرام، والأمة مجموعة نجاحات أنت أحد تجلياتها ومظاهرها.
الكثيرون والكثيرات من الناس يسألون عن دورهم في الأزمات والمواقف وفي الملمات ، مع أنه يجب أن يكون دورنا ليس مجرد رد فعل لما يقع ، وإن كان رد الفعل المتزن المدروس مطلوباً ولا بد منه، ولكن نطمع أن يكون دورنا ديمومة واستمراراً ونضجاً ، وإن كان بطيئاً على حد المثل الغربي الذي يقول : بطيء ولكنه فعَّال .
والحذر .. الحذر من أن يكون أحدنا كثير الجلبة والضجيج كما العربة الفارغة .
[color=blue]ثانياً : [/color]هدف عام لخدمة الأمة ، والدفاع عن قضاياها ، ومتابعة أحداثها ، والتألم لألمها والكلمة الطيبة صدقة ، والموقف النبيل، والمساندة والمساعدة، والدعم بالمال، والدعم بالنصيحة والرأي ، مما يجب للمسلم على أخيه المسلم حتى لو كان أخوه مفرطاً أو مقصراً عرفه أو لم يعرفه ، ولا يلزم أن تكون هذه المواقف النبيلة التي نحن مطالبون بأدائها من قضايا أمتنا من العراق أو فلسطين أو أي مكان من الأرض ، لا يلزم أن تكون هذه المواقف رفعاً نهائياً لمعاناة الأمة ، فهذا ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، لكن يجب أن نقنع أنفسنا بأننا نستطيع أن نصنع شيئاً ، ودعنا نورث لأولادنا وأحفادنا من بعدنا بداية جيدة تمكنهم من مواصلة البناء عليها.
[color=red]ثالثاً .. العمل :[/color]
وقد جمع الله تبارك وتعالى أصول العمل ونهاية الكمال العلمي والعملي اللازم للشخص والمتعدي للآخرين في أربع خصال :
- الإيمان .
- والعمل الصالح .
- والتواصي بالحق .
- والتواصي بالصبر.
[color=blue]أولاً : [/color]الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، يقول الله جل وعلا:"ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"[البقرة:285] .
فإن هذا الإيمان الذي يعتمل في قلب الإنسان هو شرط النجاة ، فإن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة ، والإيمان يأتي في القرآن غالباً بصيغة الجمع يقول تعالى :"الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"[يونس:63] "، إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا"[الشعراء:227]، " إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا"[سبأ:37] إشارة إلى روح الجماعة والفريق والتخلص من الأنانيات ، ومن الدوران حول الذات والمصالح الشخصية ، فإن كثيراً من الأمم ومن أهل الكفر الذين لا يؤمنون بالله ، عندهم قدر كبير من الإحساس بأهمية الاجتماع فنجد دولة كالصين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة هي دولة واحدة فحسب ، بينما تجد عند المسلمين ولعاً ورغبة بالاختلاف والتفرق والتشرذم حتى إنك تتخيل أن التمزق جزء من طبيعتنا ، لو لم نجده لاخترعناه ، وهذا ولّد ضعف الإيمان وضياع الجهود ، وصنع الشقاء في حياتنا ، والقسوة في قلوبنا والعنف في لغتنا ، بينما الدين جاء رحمة حتى للبهائم والطيور والجمادات ، ورحمة للعالمين فضلاً عن المسلمين.
[color=blue]ثانياً : [/color]العمل الصالح ، فهو قرين الإيمان في كتاب الله عز وجل ، بل هو منه فالإيمان قول وعمل كما هو مذهب السلف والأئمة ، قال الحسن رحمه الله : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. انظر مصنف ابن أبي شيبة (35211) وشعب الإيمان للبيهقي (65).
فالعمل يكون بالقلب واللسان والجوارح ، العمل يكون عبادة ويكون خلقاً ، ويكون إعانة للناس في مصالحهم الدنيوية، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( في بضع أحدكم صدقة ) أخرجه مسلم (1006) من حديث أبي ذر – رضي الله عنه-، وقال عليه الصلاة والسلام:(حتى اللقمـة تجعلهـا في فيِّ امرأتــك ).أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه-
[color=blue]ثالثاً : [/color]التواصي بالحق : والتواصي يدل على الرحمة ويدل على الشفقة ، فأنت أمام شخص يحبك ويرحمك ويوصيك ، وأيضاً أنت تحبه وترحمه فتوصيه ، فالحاكم والمحكوم، والعالم والمتعلم ، والوالد والولد ، والشاب والشيخ ، والرجل والمرأة ، هذا معنى قوله تعالى : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] ليس هناك جهة معينة محددة توصي والباقون يستمعون وينفذون، بل كل أحد من أهل لا إله إلا الله هو موصٍ وموصى، ومعلم ومتعلم ، وآمر ومأمور ، وناصح ومنصوح ، ولهذا لم يقل: "أوصوا" ، بل قال : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] فهي مهمة يشترك فيها الجميع ، ومن هنا نرفض مصطلح "رجال الدين" بالمفهوم الكنسي الذي يفترض أن ثمة فئة من الناس لديها تفويض رباني في فهم الكتاب المقدس وفي الأمر به .. كلا .. ولكن لدينا متخصصون لهم اعتبار ، فهم يعرفون النصوص ، ويمحصون صحيحها من ضعيفها ويعرفون ناسخها من منسوخها ، ويجمعون بين ما هو ظاهر التعارض فيها ، ولكن لا عصمة لآحادهم .. إنما العصمة لما أجمعوا عليه وأما ما اختلفوا فيه فاختلافهم رحمة ، واتفاقهم حجة.
ولكل علم متخصصون ، فالطب له متخصصون يرجع إليهم والإدارة والاقتصاد كذلك ، ولهذا نقول في المسائل الدينية الشرعية والفقهية هناك مختصون ينبغي أن يكون لقولهم وزن واعتبار ، ولكن ليس لدينا رجال دين يحتكرون فهم الكتاب المقدس ، فهم جميعاً يتواصون بالحق وبالدعوة إلى الله وبالرحمة ، ويتواصون بالتواصي على ذلك، ولهذا جاءت وصايا القرآن الكريم الكثيرة "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"[الإسراء:23] "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا"[النساء:36] ، وكتب فيها كثير من العلماء من المتقدمين والمتأخرين كتباً معروفة.
وجاءت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم كالوصية بالنساء، والوصية بالصلاة، والوصية بالحزم .. إلى غير ذلك.
إن المسؤولية لا تخص أباً ولا حاكماً ولا عالماً ، بل الآية الكريمة تؤسس لقيام المسلم أو المسلمة بالدور المنشود في الإصلاح، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وأن نقول جميعاً للمحسن : أحسنت ، وأن نقول جميعاً للمسيء : أسأت ، كما قال عمر رضي الله عنه : لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها .
ولم يصل المسلمون إلى الهوة التي يعيشونها اليوم من انحدار وتراكم الأخطاء والسلبيات وعدم وجود العمل الجاد الصادق للتصحيح إلا لما قال قائلهم : لا يقول لي أحد منكم اتق الله إلا علوت رأسه بالسيف. "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"[البقرة:206] .
لكنها الكلمة المنبعثة من الرحمة والصدق والإشفاق .. ليست تشهيراً ولا تشفياً ولا معارضة لذات المعارضة ولا لاعتبارات شخصية ، بل سهراً على مصالح الأمة وحفاظاً على ثغورها ، ورعاية لحاضرها ، وتخطيطاً لمستقبلها وتعاوناً على البر والتقوى .
"وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر:3]، وهنا تبرز أهمية الحوار داخل المجتمع الإسلامي لإنضاج الرأي وتجنب الانشقاق .
والتواصي إنما يكون بالحق ، فالذي تراه أنت ليس بالضرورة أن يكون هو الحق ، وإنما الحق الذي نطق به القرآن الكريم أو صرح به النبي العظيم عليه الصلاة والسلام أو أجمعت عليه الأمة أما الرأي الذي تراه فقصاره أن يكون صواباً يحتمل الخطأ ، ويمكن أن يكون خطأ يحتمل الصواب ، فليس أحد يملك الحق ، أو يجزم به أو يخوّل أن يكون لديه الكلمة الأخيرة أو المقالة المطلقة.
[color=blue]رابعاً : [/color]التواصي بالصبر : وهو مطية لا تكبوا .. كما قال علي رضي الله عنه ، وهو من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له فلا إيمان له ، الإيمان يحتاج إلى صبر ، والعمل الصالح يحتاجه ، والحق والدعوة تحتاجه ، والصبر أيضاً يحتاج إلى صبر. [center]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=500 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
سأصــــــــبر حتى يحكم الله في أمري[/font] [/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
سأصــــــبر حتـــــى يعلم الصبر أنني[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
صبرت على شيء أمـــر من الــصـبر[/font] [/td][/tr][/table][/center]
[justify]والدين يحتاجه والدنيا تحتاجه ، الصبر هو أساس الفضائل ورأس الأخلاق ، به تصفو الحياة ويطيب العيش ، قال عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء تلفت يميناً وشمالاً ثم قال : سحابة صيف عن قليل تقشعُّ.
وقال سفيان في تفسير قوله تعالى :"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"[السجدة:24] قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوساً.
فالصبر يحافظ على ا لاعتدال في شخصية الإنسان وفي رأيه وفي علمه وعمله وفي دعوته وفي دنياه وفي آخره.
أيتها المرأة الشاكية من صلف زوجها وسوء حالها وشراسة خلقه وقلة اهتمامه...
أيها المريض الذي تحير فيه الأطباء...
أيها المدين الذي أثقلت كاهله المطالب...
أيها المهموم الذي باكره الهم وغابت البسمة عن شفتيه، وعاجله الحزن قبل الأوان...
علاجكم الناجع هو الصبر ، فهو علاج الحالات المستعصية الذي ينتظر فيها فرج الله تبارك وتعالى .
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الصباح ؟
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتجزع إن لم يجدها الغمام؟
كتب إلي أحد الإخوة قصته مع الفقر والدَّين والجوع ، وقال في آخر المطاف : هممت أن أكتب قصيدة التمس فيها المعونة من تاجر أو أمير أو وزير ، فإذا بهاتف في أعماقي يقول : هؤلاء هم الآخرون مخلوقون مثلنا وفقراء إلى الله تعالى ، فقدرت أن أنظم قصيدة فيمن خلقني وخلقهم ، وكتبت القصيدة.
وكانت هذه نهاية المعانات مع الفراغ والبطالة والدَّين خلال شهور .[/justify]
[color=blue]أولاً : [/color]هدف خاص ، فلا تثريب عليك فيه ولا عيب ، بل الشريعة جاءت لتحقيق هذا الهدف ، كالتفوق في الدراسة أو في العمل أو في الرزق أو في الزواج أو في المصالح المباحة من مصالح الدنيا، وهذا الخير الذي يتحقق لك شخصياً هو في النهاية خير للأمة كلها فالأمة مجموعة أفراد ، والعاقل إذا وجد الحلال لم يلجأ إلى الحرام، والأمة مجموعة نجاحات أنت أحد تجلياتها ومظاهرها.
الكثيرون والكثيرات من الناس يسألون عن دورهم في الأزمات والمواقف وفي الملمات ، مع أنه يجب أن يكون دورنا ليس مجرد رد فعل لما يقع ، وإن كان رد الفعل المتزن المدروس مطلوباً ولا بد منه، ولكن نطمع أن يكون دورنا ديمومة واستمراراً ونضجاً ، وإن كان بطيئاً على حد المثل الغربي الذي يقول : بطيء ولكنه فعَّال .
والحذر .. الحذر من أن يكون أحدنا كثير الجلبة والضجيج كما العربة الفارغة .
[color=blue]ثانياً : [/color]هدف عام لخدمة الأمة ، والدفاع عن قضاياها ، ومتابعة أحداثها ، والتألم لألمها والكلمة الطيبة صدقة ، والموقف النبيل، والمساندة والمساعدة، والدعم بالمال، والدعم بالنصيحة والرأي ، مما يجب للمسلم على أخيه المسلم حتى لو كان أخوه مفرطاً أو مقصراً عرفه أو لم يعرفه ، ولا يلزم أن تكون هذه المواقف النبيلة التي نحن مطالبون بأدائها من قضايا أمتنا من العراق أو فلسطين أو أي مكان من الأرض ، لا يلزم أن تكون هذه المواقف رفعاً نهائياً لمعاناة الأمة ، فهذا ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، لكن يجب أن نقنع أنفسنا بأننا نستطيع أن نصنع شيئاً ، ودعنا نورث لأولادنا وأحفادنا من بعدنا بداية جيدة تمكنهم من مواصلة البناء عليها.
[color=red]ثالثاً .. العمل :[/color]
وقد جمع الله تبارك وتعالى أصول العمل ونهاية الكمال العلمي والعملي اللازم للشخص والمتعدي للآخرين في أربع خصال :
- الإيمان .
- والعمل الصالح .
- والتواصي بالحق .
- والتواصي بالصبر.
[color=blue]أولاً : [/color]الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، يقول الله جل وعلا:"ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"[البقرة:285] .
فإن هذا الإيمان الذي يعتمل في قلب الإنسان هو شرط النجاة ، فإن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة ، والإيمان يأتي في القرآن غالباً بصيغة الجمع يقول تعالى :"الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"[يونس:63] "، إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا"[الشعراء:227]، " إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا"[سبأ:37] إشارة إلى روح الجماعة والفريق والتخلص من الأنانيات ، ومن الدوران حول الذات والمصالح الشخصية ، فإن كثيراً من الأمم ومن أهل الكفر الذين لا يؤمنون بالله ، عندهم قدر كبير من الإحساس بأهمية الاجتماع فنجد دولة كالصين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة هي دولة واحدة فحسب ، بينما تجد عند المسلمين ولعاً ورغبة بالاختلاف والتفرق والتشرذم حتى إنك تتخيل أن التمزق جزء من طبيعتنا ، لو لم نجده لاخترعناه ، وهذا ولّد ضعف الإيمان وضياع الجهود ، وصنع الشقاء في حياتنا ، والقسوة في قلوبنا والعنف في لغتنا ، بينما الدين جاء رحمة حتى للبهائم والطيور والجمادات ، ورحمة للعالمين فضلاً عن المسلمين.
[color=blue]ثانياً : [/color]العمل الصالح ، فهو قرين الإيمان في كتاب الله عز وجل ، بل هو منه فالإيمان قول وعمل كما هو مذهب السلف والأئمة ، قال الحسن رحمه الله : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. انظر مصنف ابن أبي شيبة (35211) وشعب الإيمان للبيهقي (65).
فالعمل يكون بالقلب واللسان والجوارح ، العمل يكون عبادة ويكون خلقاً ، ويكون إعانة للناس في مصالحهم الدنيوية، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( في بضع أحدكم صدقة ) أخرجه مسلم (1006) من حديث أبي ذر – رضي الله عنه-، وقال عليه الصلاة والسلام:(حتى اللقمـة تجعلهـا في فيِّ امرأتــك ).أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه-
[color=blue]ثالثاً : [/color]التواصي بالحق : والتواصي يدل على الرحمة ويدل على الشفقة ، فأنت أمام شخص يحبك ويرحمك ويوصيك ، وأيضاً أنت تحبه وترحمه فتوصيه ، فالحاكم والمحكوم، والعالم والمتعلم ، والوالد والولد ، والشاب والشيخ ، والرجل والمرأة ، هذا معنى قوله تعالى : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] ليس هناك جهة معينة محددة توصي والباقون يستمعون وينفذون، بل كل أحد من أهل لا إله إلا الله هو موصٍ وموصى، ومعلم ومتعلم ، وآمر ومأمور ، وناصح ومنصوح ، ولهذا لم يقل: "أوصوا" ، بل قال : "َتَوَاصَوْا "[العصر:3] فهي مهمة يشترك فيها الجميع ، ومن هنا نرفض مصطلح "رجال الدين" بالمفهوم الكنسي الذي يفترض أن ثمة فئة من الناس لديها تفويض رباني في فهم الكتاب المقدس وفي الأمر به .. كلا .. ولكن لدينا متخصصون لهم اعتبار ، فهم يعرفون النصوص ، ويمحصون صحيحها من ضعيفها ويعرفون ناسخها من منسوخها ، ويجمعون بين ما هو ظاهر التعارض فيها ، ولكن لا عصمة لآحادهم .. إنما العصمة لما أجمعوا عليه وأما ما اختلفوا فيه فاختلافهم رحمة ، واتفاقهم حجة.
ولكل علم متخصصون ، فالطب له متخصصون يرجع إليهم والإدارة والاقتصاد كذلك ، ولهذا نقول في المسائل الدينية الشرعية والفقهية هناك مختصون ينبغي أن يكون لقولهم وزن واعتبار ، ولكن ليس لدينا رجال دين يحتكرون فهم الكتاب المقدس ، فهم جميعاً يتواصون بالحق وبالدعوة إلى الله وبالرحمة ، ويتواصون بالتواصي على ذلك، ولهذا جاءت وصايا القرآن الكريم الكثيرة "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"[الإسراء:23] "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا"[النساء:36] ، وكتب فيها كثير من العلماء من المتقدمين والمتأخرين كتباً معروفة.
وجاءت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم كالوصية بالنساء، والوصية بالصلاة، والوصية بالحزم .. إلى غير ذلك.
إن المسؤولية لا تخص أباً ولا حاكماً ولا عالماً ، بل الآية الكريمة تؤسس لقيام المسلم أو المسلمة بالدور المنشود في الإصلاح، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وأن نقول جميعاً للمحسن : أحسنت ، وأن نقول جميعاً للمسيء : أسأت ، كما قال عمر رضي الله عنه : لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها .
ولم يصل المسلمون إلى الهوة التي يعيشونها اليوم من انحدار وتراكم الأخطاء والسلبيات وعدم وجود العمل الجاد الصادق للتصحيح إلا لما قال قائلهم : لا يقول لي أحد منكم اتق الله إلا علوت رأسه بالسيف. "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"[البقرة:206] .
لكنها الكلمة المنبعثة من الرحمة والصدق والإشفاق .. ليست تشهيراً ولا تشفياً ولا معارضة لذات المعارضة ولا لاعتبارات شخصية ، بل سهراً على مصالح الأمة وحفاظاً على ثغورها ، ورعاية لحاضرها ، وتخطيطاً لمستقبلها وتعاوناً على البر والتقوى .
"وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر:3]، وهنا تبرز أهمية الحوار داخل المجتمع الإسلامي لإنضاج الرأي وتجنب الانشقاق .
والتواصي إنما يكون بالحق ، فالذي تراه أنت ليس بالضرورة أن يكون هو الحق ، وإنما الحق الذي نطق به القرآن الكريم أو صرح به النبي العظيم عليه الصلاة والسلام أو أجمعت عليه الأمة أما الرأي الذي تراه فقصاره أن يكون صواباً يحتمل الخطأ ، ويمكن أن يكون خطأ يحتمل الصواب ، فليس أحد يملك الحق ، أو يجزم به أو يخوّل أن يكون لديه الكلمة الأخيرة أو المقالة المطلقة.
[color=blue]رابعاً : [/color]التواصي بالصبر : وهو مطية لا تكبوا .. كما قال علي رضي الله عنه ، وهو من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له فلا إيمان له ، الإيمان يحتاج إلى صبر ، والعمل الصالح يحتاجه ، والحق والدعوة تحتاجه ، والصبر أيضاً يحتاج إلى صبر. [center]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=500 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
سأصــــــــبر حتى يحكم الله في أمري[/font] [/td][/tr]
[tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']
سأصــــــبر حتـــــى يعلم الصبر أنني[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
صبرت على شيء أمـــر من الــصـبر[/font] [/td][/tr][/table][/center]
[justify]والدين يحتاجه والدنيا تحتاجه ، الصبر هو أساس الفضائل ورأس الأخلاق ، به تصفو الحياة ويطيب العيش ، قال عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء تلفت يميناً وشمالاً ثم قال : سحابة صيف عن قليل تقشعُّ.
وقال سفيان في تفسير قوله تعالى :"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"[السجدة:24] قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوساً.
فالصبر يحافظ على ا لاعتدال في شخصية الإنسان وفي رأيه وفي علمه وعمله وفي دعوته وفي دنياه وفي آخره.
أيتها المرأة الشاكية من صلف زوجها وسوء حالها وشراسة خلقه وقلة اهتمامه...
أيها المريض الذي تحير فيه الأطباء...
أيها المدين الذي أثقلت كاهله المطالب...
أيها المهموم الذي باكره الهم وغابت البسمة عن شفتيه، وعاجله الحزن قبل الأوان...
علاجكم الناجع هو الصبر ، فهو علاج الحالات المستعصية الذي ينتظر فيها فرج الله تبارك وتعالى .
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الصباح ؟
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتجزع إن لم يجدها الغمام؟
كتب إلي أحد الإخوة قصته مع الفقر والدَّين والجوع ، وقال في آخر المطاف : هممت أن أكتب قصيدة التمس فيها المعونة من تاجر أو أمير أو وزير ، فإذا بهاتف في أعماقي يقول : هؤلاء هم الآخرون مخلوقون مثلنا وفقراء إلى الله تعالى ، فقدرت أن أنظم قصيدة فيمن خلقني وخلقهم ، وكتبت القصيدة.
وكانت هذه نهاية المعانات مع الفراغ والبطالة والدَّين خلال شهور .[/justify]