4/ أيها الإخوة يجب أن نتجاوز الخطاب الخاص الموجه إلى التجمعات الخاصة ذات الطابع الموحد باسم ( جماعة ) ، أو ( منهج ) أو ( حزب ) ، أو ( علاقة ) أو نحو ذلك ، وليس معنى هذا ضرورة رفض التجمع الذي يقع به خير كثير أو تقتضيه أسباب مختلفة . إن وجود التجمع لا يلزم منه الاقتصار عليه .
إن العالم الغربي - ضمن مشروع ( العولمة ) – واضح في مخاطبة كل فرد أياً كانت ظروفه وأياً كان واقعه ، ونحن أحق بها وأهلها ، يجب أن نخاطب إخواننا المسلمين أياً كانت ظروفهم الواقعية في التربية والأخلاق والثقافة ، وغير ذلك .
إننا نمضي كثيراً من الوقت والجهد في ترتيب تسابقنا الخاص ، وتصنيف بعضنا بعضاً، وهذه فيما أحسب سذاجةٌ يعاني منها كثيرون . نعم ! إننا حين نضع الرؤية الخاصة بنا ميزاناً لنفوسنا ولغيرنا , فإننا نكون سذّجاً ؛ لأننا نعيش تقابلية غير ممكنة الاستيعاب , ومن هنا كان المفترض أن نخضع جميعاً للإسلام ولحكمه وميزانه ، وأن ندرك واقعنا الخاص بشكله البشري المعقول , وأن من غير العدل قصر دين الله ورسالة الإسلام أو حصرها في رؤية أو محاولة خاصة , ولو كانت تتمتع بمشاعر ومقاصد فاضلة ، ونيات حسنة ، وأهداف نبيلة .
وفي تقديري أن من الإشكاليات اليوم تلخيص الإسلام برؤية يرسمها شخص أو أشخاص ربما لم يصلوا رتبة الفتوى , فضلاً عن الاجتهاد !
أيها الإخوة والأخوات! يفترض أن نتخلص من النظرة الجاهلية لمجتمعاتنا ، وأن ندرك أن في مجتمعاتنا خيراً كثيراً ، وقابلية للتصحيح ، وأنها محل الدعوة والمجاهدة والصبر على التواصي بالبر والتقوى والحق والصبر ، وأن نهدّئ من الطرح الخاص الذي يرسخ الحدود والفواصل بين فئات الأمة لمصلحة الخطاب العام الذي يعيد الثقة بالأمة الواحدة كما يسمها الله سبحانه في كتابه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92] .
من الصعب أن ينقلب الإسلام إلى مفهوم حزبي واحد , أو رؤية لجماعة إسلامية واحدة ، فيكون مشروعها بتمام صياغته هو الإسلام أو أرقى رؤية للإسلام .
إن كثيراً من إخواننا قد يعترضون كثيراً بالحقيقة النبوية ( الفرقة الناجية , أو الطائفة المنصورة ) صحيح أنه تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين ، لكن هذه الطائفة يجب أن تعرف من منهاج النبوة نفسه أنها الطائفة القائمة بأمر الله ، كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم أي القائمة بالإسلام كما جاء من عند الله المتمثل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة .
وهذا يتطلب قدراً من الفقه للإسلام ، ومعرفة الحقائق الشرعية على وجهها الصحيح ، ولئن كان علماء الأمة وأئمتها الأوائل وضعوا قواعد الاعتقاد ، وقواعد الشريعة ؛ فإن صور التطبيق في الحكم على الأحوال الطارئة لا يزال بحاجة إلى فقه ورؤية شرعية .
إن إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الفرقة الناجية لم يكن من أجل أن تتخذ شعاراً يصادر به المسلم أخاه المسلم ، أو يجتاح عرضه ، وربما دمه أحياناً ، أو ليكون ذريعة للقطيعة مع الأمة التي تحقق لها وصف الإسلام ، وإن أخلّت بكثير من أحكامه وواجباته ومقوماته .
لقد كان من أُسُسِه - عليه الصلاة والسلام - ( المسلم أخو المسلم ) ، (كل المسلم على المسلم حرام ) ، ( وكونوا عباد الله إخواناً ) وعليه يجب أن ندرك أنها من أسس الفرقة الناجية .
يجب أن نفرق - كما جاءت الشريعة بذلك - بين ثوابت الإسلام ، والاجتهاد الخاص الذي يستعمله من هو أهل للاجتهاد ، فضلاً عمن هو دون ذلك .
إن الإشكالية تقع في كون بعضنا ينتج رؤية مبنية على جملة من الثوابت الشرعية ، مع جملة من الحركة المعرفية الاجتهادية التي تكون - في كثير من الأحيان - هي المنتج للصياغة المنهجية ، فيتمثل عند كثيرين أن المخالفة للحركة المنهجية ، أو لهذه الرؤية يمثل مخالفة للإسلام ؛ ولهذا يعيش كثيرون روح الجهاد الخاصة في مثل هذه الظروف ، وكأن الفرقة الناجية المخبر عنها في الأحاديث النبوية يجب أن تكون مجموعة دعوية خاصة ، أو جماعة ذات علاقة واقعية بشرية قائمة وارتباط ذاتي في التعامل .
أو كأنه يجب أن تكون - من خلال منهج اجتهادي خاص في التصحيح والتربية والدعوة - وحدها الممثل للفرقة الناجية ، وربما حاولنا ( عند ظهور من يحاكينا في الرؤية والفهم ) إضافة أو ترسيم مسائل اجتهادية جديدة بالطابع الثبوتي لنبقى أصحاب الاختصاص الشرعي الاصطفائي وحدنا ، حتى ليغدو التميز عن غيرنا هدفاً نسعى إليه ولو بالإلحاح على بعض الفروع والأحكام , أو حتى الفتاوى الفقهية الخاصة في مسائل يسيرة كصدقة الفطر , أو جلسة الاستراحة , أو استخدام لغة معينة في الفقه والصياغة ، مع أن التميز المحمود المشروع إنما هو عن غير المسلمين أو عن الفجار ، أما المسلم العدل فقد يفضي تقصّد التميز عنه إلى نوع من الشهرة .
كان في مقدمة رسالة الإمام ابن تيمية ( الواسطية ): ( أما بعد : فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ... ) .
وفي المناظرة قال له بعض علماء الفرق المخالفة لهذا المعتقد المفصل: يكون أئمتنا غير ناجين لمخالفتهم هذا المعتقد ؟! فقال الإمام ابن تيمية: أنا أقول: كل من اعتقد هذا المعتقد فهو ناج عند الله ؛ لكونه هو المذكور في النصوص الصريحة ، ومن خالفه فلا أحكم عليه بعدم النجاة في الآخرة ، بل هو وربه ، والله لا يعذب إلا من عصى من بعد ما تبين له الهدى .
إننا نؤمن تماماً بعقيدة أهل السنة والجماعة ، ونؤمن كذلك بمنهج أهل السنة والجماعة ، لكن يجب أن ندرك أن هذه العقيدة هي حقائق شرعية صريحة ، وكذلك قواعد المنهج ، هي حقائق شرعية صريحة وليس نظراً واجتهاداً تحاوله جماعة أو حركة .
لقد نعى الإمام ابن تيمية كثيراً على الذين يرسمون مذهب السلف بأوجه من نظرهم ، واجتهادهم ، وذكر أن هذه طريقة مخالفة لطريقة السلف أنفسهم ، بل هي من طرق مخالفيهم ، وأن طريقة السلف تكون بالتواتر ، والإجماع في الحقائق الشرعية المتمثلة في عقيدتهم ومنهجهم . هذه حقيقة علمية يجب أن ندركها .
نعم . إنك حين تقول عن مقالة أو فعل : إنها موافقة لمذهب السلف أو مخالفة له ، فيجب أن تكون المقالة أو الفعل موافقة أو مخالفة لأئمة السلف ، أو صريح النصوص .
ولم يكن من شأن أئمة الإسلام _ الصحابة ثم الأئمة بعدهم _ إدخال مسائل الخلاف والاجتهاد في الإضافة السلفية ، أو عصمة الصحة بأي شعار أو مفهوم ، أو حتى إيحاء ، ولا شك أن الاختصاص برؤية معينة قد لا يمثل معضلة كبرى ؛ إذا ما أدركنا الاختصاص والمحدودية في هذه الرؤية ، وإن كنا نفضل أن تكون رؤيتنا أكثر استيعاباً حتى تكون أكثر هداية .
5/ يجب أن نحدد الثوابت بشكل واضح ، وأن نتجاوز إشكالية الربط بين هذه الثوابت وبين الصور الإلحاقية لها التي هي إنتاج للاجتهاد والنظر ، وأن ندرك أن هذا الربط لا يمثل عصمة ضرورية لهذه الإلحاقات الاجتهادية .
والتخريج على الثوابت أصبح اليوم يمثل معضلة علمية ، لقد استعمل الفقهاء في مذاهبهم التخريج الفقهي على القواعد ، أو حتى على قول الإمام , وطرأ في المعرفة السلفية المعاصرة عند بعض فضلاء الدعاة التخريج على الثوابت ، فأنتجوا فروعاً كثيرة ألحقت في القيمة المبدئية بالثوابت السلفية ، وهذا في الغالب هو سبب الانقسام اليوم في الرؤية السلفية ، بل وعدم وضوح الاتصال السلفي في عدد من المناهج المنتسبة للسلفية اليوم .
إن السلفية يفترض ألا تكون متجاوزة للهدي الإسلامي ، وهذه حقيقة شرعية وعقلية لازمة ، ويجب أن يبقى الأصل أصلاً ، والخلاف خلافاً ، والاجتهاد اجتهاداً .
ولئن كان بعض الإخوة اليوم ينقمون على من يريد أن يحوّل الأصل إلى اجتهاد ، فكذلك يقع اللوم على من يحول الاجتهاد والخلاف إلى أصل .
6/ أيها الإخوة يفترض أن تكون الدعوة قادرة على استيعاب كل إشكاليات العالم المعاصر , وليس غريباً أن نكون منقسمين تجاه هذه النظرة قبولاً أو رفضاً ، ولكن ربما كان من الخير أن نفكر في سببية انقسامنا أمام وجهات النظر ، والأطروحات المقدمة من داخلنا أو خارجنا .
إن الاختلاف ينبغي أن يكون مقبولاً ، نعم ! لكن ليس من الخطأ أن نعرف سبب اختلافنا ، بل هذا هو حقيقة الفهم للخلاف .
يتفق الإسلاميون على رفض المشروع العلماني فكراً أو تطبيقاً مع إدراك أن الرؤية العلمانية تعترف بدائرة مخصصة للدين ، ولكنها تفرغ الدوائر الأخرى من الأثر الديني وفي الرؤية الإسلامية: ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(الأنفال: من الآية39) وهذا الموقف الواضح يمثل رؤية شرعية مشرقة وعمقاً إسلامياً ، ولكن حينما تتحرك في داخل المشاريع الإسلامية تجد في كثير من الأحوال إشكالية البناء على وفق هذا الموقف ، وهنا ربما استعمل كثير من الإسلاميين محاولة جادة للهيمنة الشرعية على الدوائر التي تمثل شكلاً استقلالياً : الاقتصاد ، الإعلام ، المجتمع وحركته ، التربية ، النظم ، والتعامل ، تتمثل في الاقتصار على لغة الحكم على الأشياء , خاصة أحكام الرفض والمنع دون رسم واضح للبديل الشرعي, أو الصياغة الشمولية لهذه الدوائر القائمة التي تزاحم العلمانية عليها لفرض وجودها ، وقد نجحت في بعض الأحوال ، ومن أسباب فرض العلمانية وجودَها أو حتى تأثيرها الذي قد لا يدرك كثيرون من العامة مبادئه الأولى الفراغ الذي تركه الإسلاميون في هذه الدوائر .
إن إعطاء أحكام المنع والتحريم لصورة في الاقتصاد والاجتماع ونحوها ليس كافياً .
لتكن هناك مبادرات إسلامية يعيش الناس في ظلها اقتصادياً واجتماعياً ، وهذا شمولية الرسالة .
فالإسلام لم يأت ليلاحق أشكال التجاوز البشري فقط في أي مجال من مجالات الحركة البشرية ، والرسالة الإسلامية تضمن صياغة مشاريع النهضة الشمولية في أي دائرة .
يفترض - أيها الإخوة - أن نمتلك صياغة ذات قيمة عملية في كل الدوائر : الثقافية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، التربوية .
والحركات الإسلامية اليوم تعاني مشكلة في تبشيرها بالمشروع الإسلامي ، من حيث عجزها عن مواكبة التبشير العقدي بصياغة حياتية تقدم البديل الشرعي , بينما هي تواجه مشاريع علمانية متمكنة في الواقع ، وربما كان من أهم الأسباب هنا القصور في المرجعية العلمية القادرة على التعامل مع الحال القائمة .
إن امتلاك مشروع تطبيقي يعني كثيراً من الواقعية في الطرح الإسلامي ، وأنت لم تفعل شيئاً كثيراً بمجرد الحكم على الواقع بالتجاوز أو النقص ، أو حتى بتجاهل الواقع الثقافي والاجتماعي والتربوي .
إن العالم الغربي - ضمن مشروع ( العولمة ) – واضح في مخاطبة كل فرد أياً كانت ظروفه وأياً كان واقعه ، ونحن أحق بها وأهلها ، يجب أن نخاطب إخواننا المسلمين أياً كانت ظروفهم الواقعية في التربية والأخلاق والثقافة ، وغير ذلك .
إننا نمضي كثيراً من الوقت والجهد في ترتيب تسابقنا الخاص ، وتصنيف بعضنا بعضاً، وهذه فيما أحسب سذاجةٌ يعاني منها كثيرون . نعم ! إننا حين نضع الرؤية الخاصة بنا ميزاناً لنفوسنا ولغيرنا , فإننا نكون سذّجاً ؛ لأننا نعيش تقابلية غير ممكنة الاستيعاب , ومن هنا كان المفترض أن نخضع جميعاً للإسلام ولحكمه وميزانه ، وأن ندرك واقعنا الخاص بشكله البشري المعقول , وأن من غير العدل قصر دين الله ورسالة الإسلام أو حصرها في رؤية أو محاولة خاصة , ولو كانت تتمتع بمشاعر ومقاصد فاضلة ، ونيات حسنة ، وأهداف نبيلة .
وفي تقديري أن من الإشكاليات اليوم تلخيص الإسلام برؤية يرسمها شخص أو أشخاص ربما لم يصلوا رتبة الفتوى , فضلاً عن الاجتهاد !
أيها الإخوة والأخوات! يفترض أن نتخلص من النظرة الجاهلية لمجتمعاتنا ، وأن ندرك أن في مجتمعاتنا خيراً كثيراً ، وقابلية للتصحيح ، وأنها محل الدعوة والمجاهدة والصبر على التواصي بالبر والتقوى والحق والصبر ، وأن نهدّئ من الطرح الخاص الذي يرسخ الحدود والفواصل بين فئات الأمة لمصلحة الخطاب العام الذي يعيد الثقة بالأمة الواحدة كما يسمها الله سبحانه في كتابه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92] .
من الصعب أن ينقلب الإسلام إلى مفهوم حزبي واحد , أو رؤية لجماعة إسلامية واحدة ، فيكون مشروعها بتمام صياغته هو الإسلام أو أرقى رؤية للإسلام .
إن كثيراً من إخواننا قد يعترضون كثيراً بالحقيقة النبوية ( الفرقة الناجية , أو الطائفة المنصورة ) صحيح أنه تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين ، لكن هذه الطائفة يجب أن تعرف من منهاج النبوة نفسه أنها الطائفة القائمة بأمر الله ، كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم أي القائمة بالإسلام كما جاء من عند الله المتمثل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة .
وهذا يتطلب قدراً من الفقه للإسلام ، ومعرفة الحقائق الشرعية على وجهها الصحيح ، ولئن كان علماء الأمة وأئمتها الأوائل وضعوا قواعد الاعتقاد ، وقواعد الشريعة ؛ فإن صور التطبيق في الحكم على الأحوال الطارئة لا يزال بحاجة إلى فقه ورؤية شرعية .
إن إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الفرقة الناجية لم يكن من أجل أن تتخذ شعاراً يصادر به المسلم أخاه المسلم ، أو يجتاح عرضه ، وربما دمه أحياناً ، أو ليكون ذريعة للقطيعة مع الأمة التي تحقق لها وصف الإسلام ، وإن أخلّت بكثير من أحكامه وواجباته ومقوماته .
لقد كان من أُسُسِه - عليه الصلاة والسلام - ( المسلم أخو المسلم ) ، (كل المسلم على المسلم حرام ) ، ( وكونوا عباد الله إخواناً ) وعليه يجب أن ندرك أنها من أسس الفرقة الناجية .
يجب أن نفرق - كما جاءت الشريعة بذلك - بين ثوابت الإسلام ، والاجتهاد الخاص الذي يستعمله من هو أهل للاجتهاد ، فضلاً عمن هو دون ذلك .
إن الإشكالية تقع في كون بعضنا ينتج رؤية مبنية على جملة من الثوابت الشرعية ، مع جملة من الحركة المعرفية الاجتهادية التي تكون - في كثير من الأحيان - هي المنتج للصياغة المنهجية ، فيتمثل عند كثيرين أن المخالفة للحركة المنهجية ، أو لهذه الرؤية يمثل مخالفة للإسلام ؛ ولهذا يعيش كثيرون روح الجهاد الخاصة في مثل هذه الظروف ، وكأن الفرقة الناجية المخبر عنها في الأحاديث النبوية يجب أن تكون مجموعة دعوية خاصة ، أو جماعة ذات علاقة واقعية بشرية قائمة وارتباط ذاتي في التعامل .
أو كأنه يجب أن تكون - من خلال منهج اجتهادي خاص في التصحيح والتربية والدعوة - وحدها الممثل للفرقة الناجية ، وربما حاولنا ( عند ظهور من يحاكينا في الرؤية والفهم ) إضافة أو ترسيم مسائل اجتهادية جديدة بالطابع الثبوتي لنبقى أصحاب الاختصاص الشرعي الاصطفائي وحدنا ، حتى ليغدو التميز عن غيرنا هدفاً نسعى إليه ولو بالإلحاح على بعض الفروع والأحكام , أو حتى الفتاوى الفقهية الخاصة في مسائل يسيرة كصدقة الفطر , أو جلسة الاستراحة , أو استخدام لغة معينة في الفقه والصياغة ، مع أن التميز المحمود المشروع إنما هو عن غير المسلمين أو عن الفجار ، أما المسلم العدل فقد يفضي تقصّد التميز عنه إلى نوع من الشهرة .
كان في مقدمة رسالة الإمام ابن تيمية ( الواسطية ): ( أما بعد : فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ... ) .
وفي المناظرة قال له بعض علماء الفرق المخالفة لهذا المعتقد المفصل: يكون أئمتنا غير ناجين لمخالفتهم هذا المعتقد ؟! فقال الإمام ابن تيمية: أنا أقول: كل من اعتقد هذا المعتقد فهو ناج عند الله ؛ لكونه هو المذكور في النصوص الصريحة ، ومن خالفه فلا أحكم عليه بعدم النجاة في الآخرة ، بل هو وربه ، والله لا يعذب إلا من عصى من بعد ما تبين له الهدى .
إننا نؤمن تماماً بعقيدة أهل السنة والجماعة ، ونؤمن كذلك بمنهج أهل السنة والجماعة ، لكن يجب أن ندرك أن هذه العقيدة هي حقائق شرعية صريحة ، وكذلك قواعد المنهج ، هي حقائق شرعية صريحة وليس نظراً واجتهاداً تحاوله جماعة أو حركة .
لقد نعى الإمام ابن تيمية كثيراً على الذين يرسمون مذهب السلف بأوجه من نظرهم ، واجتهادهم ، وذكر أن هذه طريقة مخالفة لطريقة السلف أنفسهم ، بل هي من طرق مخالفيهم ، وأن طريقة السلف تكون بالتواتر ، والإجماع في الحقائق الشرعية المتمثلة في عقيدتهم ومنهجهم . هذه حقيقة علمية يجب أن ندركها .
نعم . إنك حين تقول عن مقالة أو فعل : إنها موافقة لمذهب السلف أو مخالفة له ، فيجب أن تكون المقالة أو الفعل موافقة أو مخالفة لأئمة السلف ، أو صريح النصوص .
ولم يكن من شأن أئمة الإسلام _ الصحابة ثم الأئمة بعدهم _ إدخال مسائل الخلاف والاجتهاد في الإضافة السلفية ، أو عصمة الصحة بأي شعار أو مفهوم ، أو حتى إيحاء ، ولا شك أن الاختصاص برؤية معينة قد لا يمثل معضلة كبرى ؛ إذا ما أدركنا الاختصاص والمحدودية في هذه الرؤية ، وإن كنا نفضل أن تكون رؤيتنا أكثر استيعاباً حتى تكون أكثر هداية .
5/ يجب أن نحدد الثوابت بشكل واضح ، وأن نتجاوز إشكالية الربط بين هذه الثوابت وبين الصور الإلحاقية لها التي هي إنتاج للاجتهاد والنظر ، وأن ندرك أن هذا الربط لا يمثل عصمة ضرورية لهذه الإلحاقات الاجتهادية .
والتخريج على الثوابت أصبح اليوم يمثل معضلة علمية ، لقد استعمل الفقهاء في مذاهبهم التخريج الفقهي على القواعد ، أو حتى على قول الإمام , وطرأ في المعرفة السلفية المعاصرة عند بعض فضلاء الدعاة التخريج على الثوابت ، فأنتجوا فروعاً كثيرة ألحقت في القيمة المبدئية بالثوابت السلفية ، وهذا في الغالب هو سبب الانقسام اليوم في الرؤية السلفية ، بل وعدم وضوح الاتصال السلفي في عدد من المناهج المنتسبة للسلفية اليوم .
إن السلفية يفترض ألا تكون متجاوزة للهدي الإسلامي ، وهذه حقيقة شرعية وعقلية لازمة ، ويجب أن يبقى الأصل أصلاً ، والخلاف خلافاً ، والاجتهاد اجتهاداً .
ولئن كان بعض الإخوة اليوم ينقمون على من يريد أن يحوّل الأصل إلى اجتهاد ، فكذلك يقع اللوم على من يحول الاجتهاد والخلاف إلى أصل .
6/ أيها الإخوة يفترض أن تكون الدعوة قادرة على استيعاب كل إشكاليات العالم المعاصر , وليس غريباً أن نكون منقسمين تجاه هذه النظرة قبولاً أو رفضاً ، ولكن ربما كان من الخير أن نفكر في سببية انقسامنا أمام وجهات النظر ، والأطروحات المقدمة من داخلنا أو خارجنا .
إن الاختلاف ينبغي أن يكون مقبولاً ، نعم ! لكن ليس من الخطأ أن نعرف سبب اختلافنا ، بل هذا هو حقيقة الفهم للخلاف .
يتفق الإسلاميون على رفض المشروع العلماني فكراً أو تطبيقاً مع إدراك أن الرؤية العلمانية تعترف بدائرة مخصصة للدين ، ولكنها تفرغ الدوائر الأخرى من الأثر الديني وفي الرؤية الإسلامية: ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(الأنفال: من الآية39) وهذا الموقف الواضح يمثل رؤية شرعية مشرقة وعمقاً إسلامياً ، ولكن حينما تتحرك في داخل المشاريع الإسلامية تجد في كثير من الأحوال إشكالية البناء على وفق هذا الموقف ، وهنا ربما استعمل كثير من الإسلاميين محاولة جادة للهيمنة الشرعية على الدوائر التي تمثل شكلاً استقلالياً : الاقتصاد ، الإعلام ، المجتمع وحركته ، التربية ، النظم ، والتعامل ، تتمثل في الاقتصار على لغة الحكم على الأشياء , خاصة أحكام الرفض والمنع دون رسم واضح للبديل الشرعي, أو الصياغة الشمولية لهذه الدوائر القائمة التي تزاحم العلمانية عليها لفرض وجودها ، وقد نجحت في بعض الأحوال ، ومن أسباب فرض العلمانية وجودَها أو حتى تأثيرها الذي قد لا يدرك كثيرون من العامة مبادئه الأولى الفراغ الذي تركه الإسلاميون في هذه الدوائر .
إن إعطاء أحكام المنع والتحريم لصورة في الاقتصاد والاجتماع ونحوها ليس كافياً .
لتكن هناك مبادرات إسلامية يعيش الناس في ظلها اقتصادياً واجتماعياً ، وهذا شمولية الرسالة .
فالإسلام لم يأت ليلاحق أشكال التجاوز البشري فقط في أي مجال من مجالات الحركة البشرية ، والرسالة الإسلامية تضمن صياغة مشاريع النهضة الشمولية في أي دائرة .
يفترض - أيها الإخوة - أن نمتلك صياغة ذات قيمة عملية في كل الدوائر : الثقافية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، التربوية .
والحركات الإسلامية اليوم تعاني مشكلة في تبشيرها بالمشروع الإسلامي ، من حيث عجزها عن مواكبة التبشير العقدي بصياغة حياتية تقدم البديل الشرعي , بينما هي تواجه مشاريع علمانية متمكنة في الواقع ، وربما كان من أهم الأسباب هنا القصور في المرجعية العلمية القادرة على التعامل مع الحال القائمة .
إن امتلاك مشروع تطبيقي يعني كثيراً من الواقعية في الطرح الإسلامي ، وأنت لم تفعل شيئاً كثيراً بمجرد الحكم على الواقع بالتجاوز أو النقص ، أو حتى بتجاهل الواقع الثقافي والاجتماعي والتربوي .