وفيما يتعلق بالجانب الأول ( الحياتي أو المعاملاتي ) ففي العديد من الحالات يصبح المسلمون استثناءً سلبياً داخل مجتمعات أكثر رقياً وتطوراً ، وهذا أمر في غاية الخطورة ؛ لأنه يعطي الآخرين انطباعاً مباشراً بأن سبب هذا التخلف يعود إلى تعاليم الدين ذاته " رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "[الممتحنة:5] .
والمشكلة تعود في بعض أجزائها إلى اغترار بعض المسلمين بانتسابهم ، ووقوفهم عنده يظن أن مجرد الحصول على الصفة أو اللقب يعيضهم من الالتزام والتقيد بمقتضى الشريعة .
أو أن حصوله على جانب من الصلاح يعفيه عن استكمال النقص أو قبول النصيحة .
ولقد نعى الله –سبحانه وتعالى-على أهل الكتاب مثل هذا المعنى " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ "[المائدة:18]. يقول حذيفة- رضي الله عنه- : [ نِعمَ الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لهم المر ولكم الحلو ] يعني أن الأشياء التي حكاها الله- سبحانه وتعالى -عن اليهود أو النصارى ، وحذر منها ، وعابهم عليها ، هي حق عليهم وحق عليكم ، وإلا لما حكاها لنا ، وإنما ذكرها الله لنا للاعتبار ، ولهذا قال – سبحانه وتعالى- بعدما ذكر قصة بني النظير:" فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار"[الحشر: 2] ، والاعتبار هو: القياس ، والنظر ، وربط الشيء بمثله ؛ فإذا كان الله – سبحانه وتعالى-يعيب على أهل الكتاب من قبلنا ألواناً من المخالفات والانحرافات ؛ فما ذلك إلا لنتجنبها، ولهـذا كان مما يقرؤه المسلم في كل صلاة ، بل في كل ركعة " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ "[ الفاتحة:6-7] ، يقول العلماء: المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالون هم النصارى ، وهذا ليس قصراً للآية على هؤلاء ، وإنما هو من التفسير بالمثال أي من كان عنده علم ، وعنده صدق في تصوراته ، ولكن لم يكن عنده عمل ؛ فهذا فيه نسبة من المغضوب عليهم ، ومن لم يكن عنده تصور ، وإنما عنده عمل على غير هدى وبصيرة ؛ فإنه يلحق بالضالين .
فمن قصّر في جانب التصورات والعلوم ، أو أخل بها ففيه شبه من النصارى للجهل الموجود عندهم ، ومن قصر في جانب العمل ففيه شبه من اليهود ، ولهذا المسلم يدعو ربه أن يجنبه طريق هؤلاء وهؤلاء .
والمتأمل يجد أن الله –سبحانه وتعالى-جعل اسم هذا الدين : الإسلام وكلمة (الإسلام) تدل على العمل والتحصيل بمعنى: الاستسلام لله –سبحانه وتعالى- ؛ فالإسلام علم ، وعبادة ، وتوحيد لله –سبحانه وتعالى- وهو خلق وسلوك ، وهو أداء وإتقان للعمل ورعاية للأمانة ، ولهذا بوب البُخاري في صحيحه :
- الصلاة من الإيمان "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم "[البقرة: من الآية143] يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس .
- أداء الخمس من الإيمان .
- أداء الزكاة من الإيمان .
- صيام رمضان من الإيمان .
- قيام ليلة القدر من الإيمان وهكذا .
ففي الإسلام مزج وتشابك قوي بين العلم الصحيح والعمل الصحيح ، وكلها إيمان وكلها إسلام ، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان هي تدل بذاتها على هذه المعاني ، ولهذا سمى الله – سبحانه وتعالى- المسلمين ( مسلمين ) ، وقال: " هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل "[الحج:78] بينما تجد اليهودية ليس في هذا المعنى ، وإنما اليهودية نسبة إلى يهوذا وهو شخص، وكذلك النصرانية ليس في هذا المعنى ، وإنما قد تكون نسبة إلى بلد وهي النصرانة أو الناصرة التي يقال: إن عيسى – عليه السلام- ولد فيها أو تكون نسبة إلى عيسى الناصري ، والبوذية نسبة إلى بوذا ، فالإسلام يتميز عن الديانات السماوية السابقة ، وعن المذاهب الأرضية بأنه دين يقوم على العمل ليس وراثة ، ولا أماني ، ولا ادعاءات، ولم يسم أتباعه بالمحمديين ولا بالمكيين حتى لا يظن الناس أن الإسلام هو عبارة عن قومية أو جنسية أو نسب. كلا بل الإسلام عمل والناس الذين كان آباؤهم وأجدادهم من الوثنيين ، وسدنة الأصنام ، ومحاربي الدعوة صار كثير منهم من السابقين الأولين للإسلام، وأولاد الصلحاء الأتقياء الأنقياء ربما صار أبعد ما يكون عن الخير والهدى والإسلام ، وفي القرآن الكريم تجد فيما تجد قصة نوح وابنه وقصة إبراهيم وأبيه ، وقصة امرأة نوح وامرأة لوط وقصة امرأة فرعون ...
ولهذا لو أن الإنسان دخل في الإسلام من غير إرادته وبغير إيمان واعتقاد ، بل نتيجة الإكراه والضغط عليه فإنه لا يكون مسلماً عند الله – سبحانه وتعالى-، ولهذا قال سبحانه وتعالى:" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "[البقرة: من الآية256] أما قول أبي هريرة – رضي الله عنه- لما قرأ : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ "[آل عمران: من الآية110] : تقودون الناس إلى الجنة بالسلاسل . فليس معناه أنكم تكرهون الناس على الدخول في الإسلام ، والتاريخ كله لم يشهد أن أحداً أكره على الدخول في الإسلام ، لا فرد ، ولا شعب ، ولا جماعة ؛ وإنما المقصود أن المسلمين بجهادهم ، وصبرهم أزالوا العقبات التي كانت تحول بين الناس وبين الاستماع إلى دعوة الإسلام ، فدخل من دخل من الناس في دين الله إيماناً وإعجاباً بعدله ، ومنهم من يدخل لرغبة أو رهبة ، ثم يحسن إسلامه بعد .
فالإسلام هو استسلام لله – سبحانه وتعالى- ، وهو عمل يقوم به الإنسان ، حتى الرسول نفسه – صلى الله عليه وسلم -كان يكلف بكل التكاليف ، ويطالب بكل المطالبات حتى يقول الله- سبحانه وتعالى-له: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ"[الأحزاب:1] ، ويقول سبحانه وتعالى :"وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "[الزمر:65] .
إن من شرائع الإسلام النصيحة للنفس وللغير .
وإن من الحواجز التي تحول بين الناس وبين قبول النصيحة أو قبـول التصحيح هو تزكية النفس ، وعدم رؤية العيوب . نعم! لقد ورد في القرآن الكريم فضل هذه الأمة والثناء عليها ، ولكن هذا الفضل ليس فضلاً يتوارثونه ؛ لأنهم عرب ، أو لأنهم عاشوا في الأمصار والبلاد العربية ، فالأرض لا تقدس أحداً ، والقبيلة لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس الإنسان عمله كما قال سلمان -رضي الله عنه- .
ولذا يقول الله -سبحانه وتعالى-: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"[آل عمران: من الآية110] ؛ فهذه الفضيلة لأمة، ليست لجنسية معينة ، وإنما لمن آمن بالله ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقام بأمر الله -عز وجل- ، وكذا قوله سبحانه وتعالى:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً"[البقرة:143] هذه الوسطية، والفضيلة " لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"[البقرة:143] ؛ فهي لا تكون إلا لمن قاموا بالشهادة ، وكانوا نموذجاً وقدوة في أمورهم الخاصة والعامة والفردية والجماعية ، ولهذا كان عمر – رضي الله عنه- يقول : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " كنتم فيما مضى . ويعني بهذا من سبق من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم- لأنهم كانوا هم المعلم والمنارة التي يقتدي بها الخالفون من بعدهم.
إن مئات الملايين من المسلمين اليوم يرون أن مجرد انتسابهم لهذا الدين يكفي في نجاتهم في الآخرة ، ويكفي في صلاحهم في الدنيا ، حتى لو لم يطبقوا حقيقته ، وقيمه ، وتعاليمه ، وربما تجد عند أحدهم من الثقة بالفوز والنجاة في الدار الآخرة أعظم من ثقة العشرة المبشرين بالجنة ، وأما ما يتعلق بالدنيا ؛ فربما تجد الواحد منهم يكدح فيها ليل نهار ، ويضني بدنه وجوارحه ، لكن دون جدوى ؛ لأنه لا يأخذ بالأسباب المادية المعتبرة ، والكثيرون قد يطلبون قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم ، وسداد ديونهم ، وتزويج عوانسهم ، و إزالة مشكلاتهم ، ورد غيابهم ، و نصرتهم على عدوهم عند الأولياء ، أو المشاهد وعند القبور ، أو يتوقعونها هدية رخيصة تأتي دون ثمن وعناء ، ولم لا..! أو ليسوا بالمسلمين ؟!
إن السنن والنواميس لا تحابي ولا تجامل أحداً ، والله – سبحانه وتعالى- يقول: " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً "[النساء:123-124] .
إن كوني من الصالحين لا يسمح لي أن أجعل الصلاح ترساً أرفعه في وجه كل من يريد نصحي ، أو الاستدراك علي أو تصحيح خطأ مظنون أو مقطوع .
وهل الصلاح إلا قبول النصيحة من الآخرين ؟!
والمشكلة تعود في بعض أجزائها إلى اغترار بعض المسلمين بانتسابهم ، ووقوفهم عنده يظن أن مجرد الحصول على الصفة أو اللقب يعيضهم من الالتزام والتقيد بمقتضى الشريعة .
أو أن حصوله على جانب من الصلاح يعفيه عن استكمال النقص أو قبول النصيحة .
ولقد نعى الله –سبحانه وتعالى-على أهل الكتاب مثل هذا المعنى " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ "[المائدة:18]. يقول حذيفة- رضي الله عنه- : [ نِعمَ الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لهم المر ولكم الحلو ] يعني أن الأشياء التي حكاها الله- سبحانه وتعالى -عن اليهود أو النصارى ، وحذر منها ، وعابهم عليها ، هي حق عليهم وحق عليكم ، وإلا لما حكاها لنا ، وإنما ذكرها الله لنا للاعتبار ، ولهذا قال – سبحانه وتعالى- بعدما ذكر قصة بني النظير:" فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار"[الحشر: 2] ، والاعتبار هو: القياس ، والنظر ، وربط الشيء بمثله ؛ فإذا كان الله – سبحانه وتعالى-يعيب على أهل الكتاب من قبلنا ألواناً من المخالفات والانحرافات ؛ فما ذلك إلا لنتجنبها، ولهـذا كان مما يقرؤه المسلم في كل صلاة ، بل في كل ركعة " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ "[ الفاتحة:6-7] ، يقول العلماء: المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالون هم النصارى ، وهذا ليس قصراً للآية على هؤلاء ، وإنما هو من التفسير بالمثال أي من كان عنده علم ، وعنده صدق في تصوراته ، ولكن لم يكن عنده عمل ؛ فهذا فيه نسبة من المغضوب عليهم ، ومن لم يكن عنده تصور ، وإنما عنده عمل على غير هدى وبصيرة ؛ فإنه يلحق بالضالين .
فمن قصّر في جانب التصورات والعلوم ، أو أخل بها ففيه شبه من النصارى للجهل الموجود عندهم ، ومن قصر في جانب العمل ففيه شبه من اليهود ، ولهذا المسلم يدعو ربه أن يجنبه طريق هؤلاء وهؤلاء .
والمتأمل يجد أن الله –سبحانه وتعالى-جعل اسم هذا الدين : الإسلام وكلمة (الإسلام) تدل على العمل والتحصيل بمعنى: الاستسلام لله –سبحانه وتعالى- ؛ فالإسلام علم ، وعبادة ، وتوحيد لله –سبحانه وتعالى- وهو خلق وسلوك ، وهو أداء وإتقان للعمل ورعاية للأمانة ، ولهذا بوب البُخاري في صحيحه :
- الصلاة من الإيمان "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم "[البقرة: من الآية143] يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس .
- أداء الخمس من الإيمان .
- أداء الزكاة من الإيمان .
- صيام رمضان من الإيمان .
- قيام ليلة القدر من الإيمان وهكذا .
ففي الإسلام مزج وتشابك قوي بين العلم الصحيح والعمل الصحيح ، وكلها إيمان وكلها إسلام ، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان هي تدل بذاتها على هذه المعاني ، ولهذا سمى الله – سبحانه وتعالى- المسلمين ( مسلمين ) ، وقال: " هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل "[الحج:78] بينما تجد اليهودية ليس في هذا المعنى ، وإنما اليهودية نسبة إلى يهوذا وهو شخص، وكذلك النصرانية ليس في هذا المعنى ، وإنما قد تكون نسبة إلى بلد وهي النصرانة أو الناصرة التي يقال: إن عيسى – عليه السلام- ولد فيها أو تكون نسبة إلى عيسى الناصري ، والبوذية نسبة إلى بوذا ، فالإسلام يتميز عن الديانات السماوية السابقة ، وعن المذاهب الأرضية بأنه دين يقوم على العمل ليس وراثة ، ولا أماني ، ولا ادعاءات، ولم يسم أتباعه بالمحمديين ولا بالمكيين حتى لا يظن الناس أن الإسلام هو عبارة عن قومية أو جنسية أو نسب. كلا بل الإسلام عمل والناس الذين كان آباؤهم وأجدادهم من الوثنيين ، وسدنة الأصنام ، ومحاربي الدعوة صار كثير منهم من السابقين الأولين للإسلام، وأولاد الصلحاء الأتقياء الأنقياء ربما صار أبعد ما يكون عن الخير والهدى والإسلام ، وفي القرآن الكريم تجد فيما تجد قصة نوح وابنه وقصة إبراهيم وأبيه ، وقصة امرأة نوح وامرأة لوط وقصة امرأة فرعون ...
ولهذا لو أن الإنسان دخل في الإسلام من غير إرادته وبغير إيمان واعتقاد ، بل نتيجة الإكراه والضغط عليه فإنه لا يكون مسلماً عند الله – سبحانه وتعالى-، ولهذا قال سبحانه وتعالى:" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "[البقرة: من الآية256] أما قول أبي هريرة – رضي الله عنه- لما قرأ : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ "[آل عمران: من الآية110] : تقودون الناس إلى الجنة بالسلاسل . فليس معناه أنكم تكرهون الناس على الدخول في الإسلام ، والتاريخ كله لم يشهد أن أحداً أكره على الدخول في الإسلام ، لا فرد ، ولا شعب ، ولا جماعة ؛ وإنما المقصود أن المسلمين بجهادهم ، وصبرهم أزالوا العقبات التي كانت تحول بين الناس وبين الاستماع إلى دعوة الإسلام ، فدخل من دخل من الناس في دين الله إيماناً وإعجاباً بعدله ، ومنهم من يدخل لرغبة أو رهبة ، ثم يحسن إسلامه بعد .
فالإسلام هو استسلام لله – سبحانه وتعالى- ، وهو عمل يقوم به الإنسان ، حتى الرسول نفسه – صلى الله عليه وسلم -كان يكلف بكل التكاليف ، ويطالب بكل المطالبات حتى يقول الله- سبحانه وتعالى-له: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ"[الأحزاب:1] ، ويقول سبحانه وتعالى :"وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "[الزمر:65] .
إن من شرائع الإسلام النصيحة للنفس وللغير .
وإن من الحواجز التي تحول بين الناس وبين قبول النصيحة أو قبـول التصحيح هو تزكية النفس ، وعدم رؤية العيوب . نعم! لقد ورد في القرآن الكريم فضل هذه الأمة والثناء عليها ، ولكن هذا الفضل ليس فضلاً يتوارثونه ؛ لأنهم عرب ، أو لأنهم عاشوا في الأمصار والبلاد العربية ، فالأرض لا تقدس أحداً ، والقبيلة لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس الإنسان عمله كما قال سلمان -رضي الله عنه- .
ولذا يقول الله -سبحانه وتعالى-: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"[آل عمران: من الآية110] ؛ فهذه الفضيلة لأمة، ليست لجنسية معينة ، وإنما لمن آمن بالله ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقام بأمر الله -عز وجل- ، وكذا قوله سبحانه وتعالى:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً"[البقرة:143] هذه الوسطية، والفضيلة " لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"[البقرة:143] ؛ فهي لا تكون إلا لمن قاموا بالشهادة ، وكانوا نموذجاً وقدوة في أمورهم الخاصة والعامة والفردية والجماعية ، ولهذا كان عمر – رضي الله عنه- يقول : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " كنتم فيما مضى . ويعني بهذا من سبق من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم- لأنهم كانوا هم المعلم والمنارة التي يقتدي بها الخالفون من بعدهم.
إن مئات الملايين من المسلمين اليوم يرون أن مجرد انتسابهم لهذا الدين يكفي في نجاتهم في الآخرة ، ويكفي في صلاحهم في الدنيا ، حتى لو لم يطبقوا حقيقته ، وقيمه ، وتعاليمه ، وربما تجد عند أحدهم من الثقة بالفوز والنجاة في الدار الآخرة أعظم من ثقة العشرة المبشرين بالجنة ، وأما ما يتعلق بالدنيا ؛ فربما تجد الواحد منهم يكدح فيها ليل نهار ، ويضني بدنه وجوارحه ، لكن دون جدوى ؛ لأنه لا يأخذ بالأسباب المادية المعتبرة ، والكثيرون قد يطلبون قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم ، وسداد ديونهم ، وتزويج عوانسهم ، و إزالة مشكلاتهم ، ورد غيابهم ، و نصرتهم على عدوهم عند الأولياء ، أو المشاهد وعند القبور ، أو يتوقعونها هدية رخيصة تأتي دون ثمن وعناء ، ولم لا..! أو ليسوا بالمسلمين ؟!
إن السنن والنواميس لا تحابي ولا تجامل أحداً ، والله – سبحانه وتعالى- يقول: " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً "[النساء:123-124] .
إن كوني من الصالحين لا يسمح لي أن أجعل الصلاح ترساً أرفعه في وجه كل من يريد نصحي ، أو الاستدراك علي أو تصحيح خطأ مظنون أو مقطوع .
وهل الصلاح إلا قبول النصيحة من الآخرين ؟!