مجلة " الماريان " الأسبوعية الفرنسية نشرت مقالاً في عدد هذا الأسبوع (25-31 مارس 2002) في الصفحة السابعة عشرة يقول :
" خمس عشرة طالبة أحرقن أحياءً لأنهن لم يرتدين الحجاب !
في المملكة العربية السعودية حريق في مدرسة نجت منه المبادئ الأخلاقية فماتت الطالبات .
عندما شب حريق في مدرسة للبنات في مدينة مكة استعد رجال الإنقاذ والدفاع المدني للتدخل ، ولكن بالنسبة لممثلي الشرطة الدينية المكلفين بالمحافظة على احترام نظام الأخلاق في المملكة كان فصل الرجال عن النساء يأتي في المقام الأول ، وقبل كل شيء ، مهما كانت الظروف ، حتى لو كلف الأمر حياة الأبرياء .
وفي مواجهة ألسنة اللهب منعت هذه الشرطة المشؤومة ( الهيئة ) المتيقظة جداً حول هذا الموضوع ، منعت الطالبات من الخروج من المدرسة التي تحترق ؛ لأنهن نسين في خضم المعمعة أن يرتدين الحجاب ، مع أنه لباس إسلامي إجباري في المملكة العربية السعودية .
وبنفس التفكير منع هؤلاء الغيورون وحماة الأخلاق الحميدة أفراد الدفاع المدني من الذكور من دخول هذه المدرسة لإنقاذ الطالبات خوفاً من أن يحدث اختلاط بين الرجال والنساء .
الحصيلة : وفاة خمس عشرة طالبة ، وجرح خمسين ، وحتى يكون هناك نوع من الطمأنينة أمر الملك فهد بتكوين لجنة تحقيق وتوعد بعقاب رادع لمن تسبب بهذا الحدث " انتهى الخبر .
إن مجانبة الحقيقة في هذا الخبر لم تكن مع الأسف من الصحيفة الفرنسية التي تدخلت بخبث معهود و أضافت من خيالها الحاقد قدراً معقولاً .
إن المجانبة ـ و ياللأسف ـ تمت صياغتها في عدد من مطبوعاتنا المحلية التي لا تلتزم الموضوعية والحياد ، بل تتدخل في صميم الخبر لتعبر عن انفعالاتها الخاصة ضد شريحة من شرائح المجتمع ، وضد مؤسستين كبيرتين : رئاسة البنات ، ورئاسة الهيئات .
ونحن نسمع كثيراً عن تحري الدقة والموضوعية ، وعن احترام الرأي الآخر ، وعن الحرص على وحدة المجتمع والحذر من تشققه وانفراط ألفته ، ولكننا نجد في مثل هذا شيئاً آخر مختلفاً عما يقال .
إن هذه المؤسسات قامت منذ عهد متقدم تحت إشراف ورعاية العلماء وضبطهم ، وهي كغيرها من أجهزة الدولة تخفق وتنجح ، لكن ليس شأنها مغايراً لأي مؤسسة أخرى مهما كان لها من الخصوصية والدعم .
وعلى رغم النظام الأخلاقي الذي نفتخر به ، ويعد إحدى خصوصيات تجربة التعليم النسائي في المملكة ، والقائم على فصل الجنسين ، وإحاطة العملية التعليمية النسائية بسور من الحفظ والصون ، إلا أن المرأة وصلت إلى أعلى الرتب العلمية في كافة حقول المعرفة ، وتدنت نسبة الأمية بشكل غير عادي .
وما نجح تعليم المرأة إلا لهذا ، فلم يكن الناس ليسلموا فلذات أكبادهم وزهرات حياتهم إلا لمن وثقوا بعلمه ودينه وتقواه.
وبقدر دهشة الكثيرين من التناول المتحيز لهذه القضية الحساسة المحزنة ، إلا أن الدهشة اتسعت حينما تسامعوا بقرار دمج الرئاسة بالوزارة ، والذي كان مفاجئاً وغير متوقع .
إن مخاوف الناس من أن يأخذ التعليم النسائي خطاً مختلفاً عما كان عليه لا تزال قائمة ، وقد جاء هذا القرار ليغذيها و ينميها ، ثم عادت بعض وسائل الإعلام المطبوعة لتتناول هذا القرار بطريقتها الخاصة ، وتنقله إلى أبعد مدى فتتحدث عن اختلاط التعليم ، وعن تغيرات جوهرية في مسألة المرأة ، بل في مسألة الضبط الأخلاقي في المجتمع كله ... فلمصلحة من يقع هذا ؟
ومما زاد من ردة الفعل أن هذا القرار جاء في توقيت صعب لا تخفى ملابساته مما دفع الكثير إلى الاستنتاج وبسهولة أن الأمر مرتبط بالأحداث العالمية الأخيرة ، وبدوامة تقديم التنازلات في حياتنا الإسلامية وأنظمتنا التعليمية ، مما أعاد الخوف والقلق القديم .
إنهم جميعاً يتابعون تجارب التعليم وتحولات قضية المرأة في بلدانٍ مجاورة ، والتي تمت بحجة مسايرة العصر وملاحقة الركب ، وكأن هذا لا يكون إلا بترك خصائصنا وشريعتنا وأخلاقنا ، ولننظر في أي بلد إسلامي ما هي الحقوق التي ظفرت بها المرأة ؟ بل وما هي الحقوق التي ظفر بها الرجل أيضاً ؟
والذي زاد من الألم مما جرى هو منع الشريحة الواسعة من المجتمع بتحفظاتها و مسوغاتها من الإدلاء بصوتها و حرمانها من حق التعبير الرشيد ، فلم نقرأ في مطبوعاتنا المحلية إلا رأياً واحداً وصوتاً واحداً ، وكأن كلاً يمارس الاستبداد بطريقته الخاصة .
وكثيرون لم يملكوا وسيلة تسمح لهم بالتعبير عن مخاوفهم وقلقهم ، بل وتطلعاتهم واحتجاجاتهم إلا عبر ساحات الإنترنت ، أو رسائل الجوال ، أو المساهمات الفردية ، خصوصاً وهم يقفون أمام أحداث ومتغيرات لها مساس مباشر بهم وبأسرهم وبناتهم و حاضرهم ومستقبلهم .
ورغم هذا أثبت هؤلاء الشباب قدراً جيداً من التوازن و الانضباط في تنقلهم بين العلماء ، وتواصلهم مع أولي الأمر ، وظل الأمر في دائرة التحرك المقبول الذي ينم عن وعي ويقظة واتزان يظل طابعاً عاماً بحمد الله لهذا المجتمع .
إن التعبير الرشيد عن مثل هذه القناعات ضروري لحفظ المجتمع ، وتحقق القدر المعتدل لكل أفراده ليجدوا أنفسهم و تنفسهم .
و مما يحمد كثيراً أننا حين نفزع أو نخاف نخاطب أنفسنا ، ونخاطب بعضنا بعيداً عن النجوى واليأس والاستبطان .
وإن من الضروري تماماً تهدئة هذه المشاعر المتأججة ، و تطمين هذه النفوس القلقة بما يحفظها ويريحها ، وذلك بما تتطلع إليه من استدراك هذا القرار، والتحول إلى الحل الأجدى، وهو معالجة السلبيات و الأخطاء في الرئاسة، مع بقاء على استقلاليته وتميزه، وليس هذا أول قرار يتدارك لتحقيق المصلحة الأهم والأعم، وسواء تم ذلك أم لم يتم فلابد من التأكيد على مايلي:
1- التأكيد الصارم على الاستمرارية و الديمومة في المحافظة على النظام الأخلاقي في الرئاسة و تعليم المرأة ، وتعزيز ذلك بالقرارات والتعميمات التي تمنع أن يفهم أحد من قرار الدمج رسالة خاطئة .
فالضبط الأخلاقي في التعليم ، وتعليم البنات ، بل والمجتمع هو جزء صلب من كيان هذا المجتمع ولحمته يجب ألا يسمح لأحد بالمساس به ، وإلا كان كالذي يخرق السفينة ليغرق أهلها .
2- تعزيز الضمانات القائمة بعدم حصول التخوفات المتداولة في الأوساط ، والمعبرة عن احتمالية تغيير نمط تعليم المرأة ، أو دمج التعليم ، أو التغيير في المناهج .
ومن حق الناس أن يطمئنوا على أولادهم ، على مستقبلهم .
3- الالتزام بالتقليد التاريخي القائم على خصوصية تعليم المرأة وإسناده للمشهود لهم بالدين والورع والتقوى والأمانة ، مع الخبرة والضبط الإداري .
فإن هذا أحد الأسس التي قام عليها تعليم المرأة منذ قام ، وقد كان أول المشرفين على هذا الجهاز هو سماحة المفتي العام الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى .
4- التفكير الجادّ في تنويع الوسائل الإعلامية التي تمكن الجميع من التعبير عن آمالهم وتطلعاتهم ومخاوفهم ، فإن من أعظم ضمانات وحدة المجتمع واستقراره أن تملك شرائحه وفئاته حق التعبير الرشيد عن وجهة نظرها بعيداً عن المصادرة والإقصاء .
نسأل الله أن يحفظ مجتمعنا و بلادنا و المسلمين من كل سوء ، وأن يجمع قلوبنا على طاعته و محبته إنه جواد كريم .
" خمس عشرة طالبة أحرقن أحياءً لأنهن لم يرتدين الحجاب !
في المملكة العربية السعودية حريق في مدرسة نجت منه المبادئ الأخلاقية فماتت الطالبات .
عندما شب حريق في مدرسة للبنات في مدينة مكة استعد رجال الإنقاذ والدفاع المدني للتدخل ، ولكن بالنسبة لممثلي الشرطة الدينية المكلفين بالمحافظة على احترام نظام الأخلاق في المملكة كان فصل الرجال عن النساء يأتي في المقام الأول ، وقبل كل شيء ، مهما كانت الظروف ، حتى لو كلف الأمر حياة الأبرياء .
وفي مواجهة ألسنة اللهب منعت هذه الشرطة المشؤومة ( الهيئة ) المتيقظة جداً حول هذا الموضوع ، منعت الطالبات من الخروج من المدرسة التي تحترق ؛ لأنهن نسين في خضم المعمعة أن يرتدين الحجاب ، مع أنه لباس إسلامي إجباري في المملكة العربية السعودية .
وبنفس التفكير منع هؤلاء الغيورون وحماة الأخلاق الحميدة أفراد الدفاع المدني من الذكور من دخول هذه المدرسة لإنقاذ الطالبات خوفاً من أن يحدث اختلاط بين الرجال والنساء .
الحصيلة : وفاة خمس عشرة طالبة ، وجرح خمسين ، وحتى يكون هناك نوع من الطمأنينة أمر الملك فهد بتكوين لجنة تحقيق وتوعد بعقاب رادع لمن تسبب بهذا الحدث " انتهى الخبر .
إن مجانبة الحقيقة في هذا الخبر لم تكن مع الأسف من الصحيفة الفرنسية التي تدخلت بخبث معهود و أضافت من خيالها الحاقد قدراً معقولاً .
إن المجانبة ـ و ياللأسف ـ تمت صياغتها في عدد من مطبوعاتنا المحلية التي لا تلتزم الموضوعية والحياد ، بل تتدخل في صميم الخبر لتعبر عن انفعالاتها الخاصة ضد شريحة من شرائح المجتمع ، وضد مؤسستين كبيرتين : رئاسة البنات ، ورئاسة الهيئات .
ونحن نسمع كثيراً عن تحري الدقة والموضوعية ، وعن احترام الرأي الآخر ، وعن الحرص على وحدة المجتمع والحذر من تشققه وانفراط ألفته ، ولكننا نجد في مثل هذا شيئاً آخر مختلفاً عما يقال .
إن هذه المؤسسات قامت منذ عهد متقدم تحت إشراف ورعاية العلماء وضبطهم ، وهي كغيرها من أجهزة الدولة تخفق وتنجح ، لكن ليس شأنها مغايراً لأي مؤسسة أخرى مهما كان لها من الخصوصية والدعم .
وعلى رغم النظام الأخلاقي الذي نفتخر به ، ويعد إحدى خصوصيات تجربة التعليم النسائي في المملكة ، والقائم على فصل الجنسين ، وإحاطة العملية التعليمية النسائية بسور من الحفظ والصون ، إلا أن المرأة وصلت إلى أعلى الرتب العلمية في كافة حقول المعرفة ، وتدنت نسبة الأمية بشكل غير عادي .
وما نجح تعليم المرأة إلا لهذا ، فلم يكن الناس ليسلموا فلذات أكبادهم وزهرات حياتهم إلا لمن وثقوا بعلمه ودينه وتقواه.
وبقدر دهشة الكثيرين من التناول المتحيز لهذه القضية الحساسة المحزنة ، إلا أن الدهشة اتسعت حينما تسامعوا بقرار دمج الرئاسة بالوزارة ، والذي كان مفاجئاً وغير متوقع .
إن مخاوف الناس من أن يأخذ التعليم النسائي خطاً مختلفاً عما كان عليه لا تزال قائمة ، وقد جاء هذا القرار ليغذيها و ينميها ، ثم عادت بعض وسائل الإعلام المطبوعة لتتناول هذا القرار بطريقتها الخاصة ، وتنقله إلى أبعد مدى فتتحدث عن اختلاط التعليم ، وعن تغيرات جوهرية في مسألة المرأة ، بل في مسألة الضبط الأخلاقي في المجتمع كله ... فلمصلحة من يقع هذا ؟
ومما زاد من ردة الفعل أن هذا القرار جاء في توقيت صعب لا تخفى ملابساته مما دفع الكثير إلى الاستنتاج وبسهولة أن الأمر مرتبط بالأحداث العالمية الأخيرة ، وبدوامة تقديم التنازلات في حياتنا الإسلامية وأنظمتنا التعليمية ، مما أعاد الخوف والقلق القديم .
إنهم جميعاً يتابعون تجارب التعليم وتحولات قضية المرأة في بلدانٍ مجاورة ، والتي تمت بحجة مسايرة العصر وملاحقة الركب ، وكأن هذا لا يكون إلا بترك خصائصنا وشريعتنا وأخلاقنا ، ولننظر في أي بلد إسلامي ما هي الحقوق التي ظفرت بها المرأة ؟ بل وما هي الحقوق التي ظفر بها الرجل أيضاً ؟
والذي زاد من الألم مما جرى هو منع الشريحة الواسعة من المجتمع بتحفظاتها و مسوغاتها من الإدلاء بصوتها و حرمانها من حق التعبير الرشيد ، فلم نقرأ في مطبوعاتنا المحلية إلا رأياً واحداً وصوتاً واحداً ، وكأن كلاً يمارس الاستبداد بطريقته الخاصة .
وكثيرون لم يملكوا وسيلة تسمح لهم بالتعبير عن مخاوفهم وقلقهم ، بل وتطلعاتهم واحتجاجاتهم إلا عبر ساحات الإنترنت ، أو رسائل الجوال ، أو المساهمات الفردية ، خصوصاً وهم يقفون أمام أحداث ومتغيرات لها مساس مباشر بهم وبأسرهم وبناتهم و حاضرهم ومستقبلهم .
ورغم هذا أثبت هؤلاء الشباب قدراً جيداً من التوازن و الانضباط في تنقلهم بين العلماء ، وتواصلهم مع أولي الأمر ، وظل الأمر في دائرة التحرك المقبول الذي ينم عن وعي ويقظة واتزان يظل طابعاً عاماً بحمد الله لهذا المجتمع .
إن التعبير الرشيد عن مثل هذه القناعات ضروري لحفظ المجتمع ، وتحقق القدر المعتدل لكل أفراده ليجدوا أنفسهم و تنفسهم .
و مما يحمد كثيراً أننا حين نفزع أو نخاف نخاطب أنفسنا ، ونخاطب بعضنا بعيداً عن النجوى واليأس والاستبطان .
وإن من الضروري تماماً تهدئة هذه المشاعر المتأججة ، و تطمين هذه النفوس القلقة بما يحفظها ويريحها ، وذلك بما تتطلع إليه من استدراك هذا القرار، والتحول إلى الحل الأجدى، وهو معالجة السلبيات و الأخطاء في الرئاسة، مع بقاء على استقلاليته وتميزه، وليس هذا أول قرار يتدارك لتحقيق المصلحة الأهم والأعم، وسواء تم ذلك أم لم يتم فلابد من التأكيد على مايلي:
1- التأكيد الصارم على الاستمرارية و الديمومة في المحافظة على النظام الأخلاقي في الرئاسة و تعليم المرأة ، وتعزيز ذلك بالقرارات والتعميمات التي تمنع أن يفهم أحد من قرار الدمج رسالة خاطئة .
فالضبط الأخلاقي في التعليم ، وتعليم البنات ، بل والمجتمع هو جزء صلب من كيان هذا المجتمع ولحمته يجب ألا يسمح لأحد بالمساس به ، وإلا كان كالذي يخرق السفينة ليغرق أهلها .
2- تعزيز الضمانات القائمة بعدم حصول التخوفات المتداولة في الأوساط ، والمعبرة عن احتمالية تغيير نمط تعليم المرأة ، أو دمج التعليم ، أو التغيير في المناهج .
ومن حق الناس أن يطمئنوا على أولادهم ، على مستقبلهم .
3- الالتزام بالتقليد التاريخي القائم على خصوصية تعليم المرأة وإسناده للمشهود لهم بالدين والورع والتقوى والأمانة ، مع الخبرة والضبط الإداري .
فإن هذا أحد الأسس التي قام عليها تعليم المرأة منذ قام ، وقد كان أول المشرفين على هذا الجهاز هو سماحة المفتي العام الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى .
4- التفكير الجادّ في تنويع الوسائل الإعلامية التي تمكن الجميع من التعبير عن آمالهم وتطلعاتهم ومخاوفهم ، فإن من أعظم ضمانات وحدة المجتمع واستقراره أن تملك شرائحه وفئاته حق التعبير الرشيد عن وجهة نظرها بعيداً عن المصادرة والإقصاء .
نسأل الله أن يحفظ مجتمعنا و بلادنا و المسلمين من كل سوء ، وأن يجمع قلوبنا على طاعته و محبته إنه جواد كريم .