وهذا الانشغال بالأمة يحدث انصهاراً وتوافقاً مع همومها ومشكلاتها وتطلعاتها، ويمنع من الانخزال والاعتزال عنها ، الذي يؤدي بدوره إلى رشقها بالكفر تارةً وبالضلالة تارةً أخرى ، وهذا يؤدي بدوره إلى تصويب أسلحتنا إلى نحرها بحجة جهاد موهوم.
فنحن إذاً نقدم خيار الدعوة على خيار الجهاد، وإن كان الجهاد القائم على مدافعة العدو الخارجي في صلب همومنا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الفتح بدعوة الناس قبل قتالهم.
ومن و جهة النظر الخاصة، فإن الدوائر الثلاث الآنفة الذكر ـ دائرة المجموعة التربوية الخاصة، ثم دائرة الصحوة الواسعة، ثم دائرة الأمة بشموليتها وسعتها وتنوعها ـ هي دوائر تتكامل ولا تتقاطع وتتعاضد ولا تتعاند، أو هكذا يجب.
ولابد من وعي منضبط يمكن به معالجة الأخطاء والمعايب الراسخة والمتجددة وإعلان النكير عليها دون أن يفضي بنا الأمر إلى نبذ وحدة الأمة وضرورة جمع شملها في مواجهة التحديات التي لا قبل للأفراد المتفرقين أو المجموعات المتناحرة بمواجهتها ، ولا أقل من برامج مشتركة على مستوى الأمة.
وإن الإحساس بالموقع، وبالمرحلة التاريخية، وتنوع التحديات الدولية والمحلية تملي علينا قائمة متجددة من الإلحاح والعناية بالقضايا والموضوعات والمحاور والبرامج، لا يفترض أن تكون متطابقة في كل وقت، بل يتم تحديثها ومراجعتها كلما دعت الحاجة.
ومن الضرورة بمكان أن تكون آلية المعالجة ولغة الخطاب منسجمة مع الموضوع المطروح، ومع الشريحة المستهدفة.
فإن الخطيب ـ مثلا ً ـ يختار الموضوع الملائم للحال والمقام، ثم يختار الزاوية التي سيطرقه من خلالها، ثم يختار الأسلوب المناسب، فمن مسألة علمية هادئة، إلى وعظ مؤثر، إلى تحذير مندفع، إلى مزيج من هذا وذاك.
ولا يفترض أن يكرر الخطيب نفسه إن كان مبدعاً متجدداً، بل يعمد إلى التنويع المحبب، الذي هو قاعدة كونية وسنة شرعية، والمؤكد أن نوع الاهتمام الذي يمنحه الإنسان لقضية قد يزيد وينقص، ويؤثر هذا في معالجته للقضية سلباً وإيجاباً.
وكلما تعددت الموضوعات وتنوعت توزع الاهتمام بينها، والطاقة تظل محدودة.
وقد يحملنا الخوف على الإحجام عن اكتساب طرق، أو وسائل جديدة للدعوة والخوف دافع فطري غريزي، لكنه لابد أن يمزج بغيره ويرشد حتى يعتدل وينضبط .
ولو قيل لفرد من جيل سابق عن السيارة وتوسع استخدامها كما يقع وحجم ضحاياها ومخاطرها الآن، أو عن الكهرباء التي دخلت كل غرفة وزاوية على خطورتها القاتلة ... لما تردد في رفضها ومجانبتها، وربما التمس سبيلاً شرعياً لتحريمها وبالذات أنه لم يدرك الثمرات الإيجابية التي لا مست الواقع حتى غدت في حكم الضرورات التي لا مخلص منها ولا غنى عنها، وقديما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : يجدُّ للناس من الأقضية بقدر ما يجدُّ لهم من الفجور .
وإذا كان الاجتهاد الصحيح المنضبط الذي لم يتردد فيجمد، ولم يندفع فينفلت هو من أهم الثوابت الشرعية، فهو أيضاً أساس المتغيرات.
ولقد كانت حرب الخليج الثانية دقاً لطبول مرحلةٍ جديدة الملامح والسمات والآليات سموها النظام العالمي الجديد، القائم على أنقاض الحرب الباردة، وكان من الواضح لكل ذي عينين أن هذا النظام الجديد سيوفر شيئاً من الحريات المتنوعة ويدعو إلى حقوق الإنسان، إلى حقوق المرأة، إلى عولمة الاقتصاد، وأنماط السلوك.
وكان جديراً أن يتحقق شيء من المبادأة الإسلامية التي تكسر الروتين المعتاد بالتفوق العلماني الذي يقدم نفسه، وكأنه نصير حرية التعبير، وحرية الفكر وحرية الإبداع.
وإن مشاركة أولياء الإسلام وتسارعهم في عرض التصور الأمثل للحرية التعبيرية المنضبطة بضوابط الشرع البعيدة عن العدوان على النفس أو على الآخرين ... لا يعني بحال أنهم يجب أن يكونوا ضد السلم الاجتماعي الذي لا بقاء للأمة ولا للدعوة إلا به، وهكذا طرح شعار (الكلمة الحرة ضمان ...) وهذا لا يعنى بحال تجاهل الانضباط الشرعي الذي يوفر استقرارا للدعوة ، وقبله للأمة .
كما أن ثمة خطين أحمرين كنا ولا زلنا نعتقد بوجوب الحذر منهما في هذا السياق:
أولهما: الغلو في الدين، فإنما أهلك الناس الغلو في الدين، وفتنة الغلو هي أول فتنة حدثت في الإسلام، وترتب عليها شرخ هائل في كيان الأمة، واستحلال بعضهم دماء بعض وأموالهم.
فانجرار الأقدام إلى مزلق التسرع في التكفير والتشخيص سوف ينأى بهؤلاء عن جو الأمة الواحدة إلى الانخزال والانشطار والاستئثار بالحق وإلغاء الآخرين ومصادرتهم وإسقاطهم لو أمكن.
والثاني: هو نتيجة عن الأول وتفريع عليه، وهو اعتماد أساليب المواجهة والقوة في الدعوة والإصلاح في ظل ظروف وأوضاع لا تستدعي هذا، بل تجعل هذا الخيار إلغاء للفرص الضخمة الممكنة، وحرماناً من المشاركة في مؤسسات الأمة القائمة وإمكانياتها الهائلة للتواصل والتغيير والتأثير.
إن المكاسب التي تزخر بها بلاد الإسلام توجب على الدعاة طرح أسلوب المشاركة المتميزة في الواقع العملي، فهو المحك والميدان الحقيقي لاختبار القدرة على الإصلاح إذ الشعار المجرد لا يكفي، وقد يرفع أحياناً لمجرد التحدي وإثبات عجز الآخرين.
ولا شك أن حقن دماء المسلمين وحفظ حياتهم وأعراضهم وأموالهم وأديانهم من الضرورات التي جاء الشريعة بحفظها، وكان مدار جميع الأحكام عليها، والواقع لا يحتمل أي مخاطرة من هذا القبيل.
والفرق كبير وهائل بين نقد شرعي منضبط ملتزم بما ذكرنا، وبين دعوة إلى زلزلة الاستقرار الذي يعيشه المسلمون في أي قطر.
وإذا كان بعض المتلقين حاولوا ـ لشيءٍ في النفوس ـ أن يربطوا الأول بالثاني، فقد آن الأوان لأن يتمايز هذا عن ذاك، حفاظاً على فرص النقد النزيه الهادف، وحفاظاً في الوقت ذاته، على وحدة الأمة وطمأنينتها وسكينة عيشها .
فنحن إذاً نقدم خيار الدعوة على خيار الجهاد، وإن كان الجهاد القائم على مدافعة العدو الخارجي في صلب همومنا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الفتح بدعوة الناس قبل قتالهم.
ومن و جهة النظر الخاصة، فإن الدوائر الثلاث الآنفة الذكر ـ دائرة المجموعة التربوية الخاصة، ثم دائرة الصحوة الواسعة، ثم دائرة الأمة بشموليتها وسعتها وتنوعها ـ هي دوائر تتكامل ولا تتقاطع وتتعاضد ولا تتعاند، أو هكذا يجب.
ولابد من وعي منضبط يمكن به معالجة الأخطاء والمعايب الراسخة والمتجددة وإعلان النكير عليها دون أن يفضي بنا الأمر إلى نبذ وحدة الأمة وضرورة جمع شملها في مواجهة التحديات التي لا قبل للأفراد المتفرقين أو المجموعات المتناحرة بمواجهتها ، ولا أقل من برامج مشتركة على مستوى الأمة.
وإن الإحساس بالموقع، وبالمرحلة التاريخية، وتنوع التحديات الدولية والمحلية تملي علينا قائمة متجددة من الإلحاح والعناية بالقضايا والموضوعات والمحاور والبرامج، لا يفترض أن تكون متطابقة في كل وقت، بل يتم تحديثها ومراجعتها كلما دعت الحاجة.
ومن الضرورة بمكان أن تكون آلية المعالجة ولغة الخطاب منسجمة مع الموضوع المطروح، ومع الشريحة المستهدفة.
فإن الخطيب ـ مثلا ً ـ يختار الموضوع الملائم للحال والمقام، ثم يختار الزاوية التي سيطرقه من خلالها، ثم يختار الأسلوب المناسب، فمن مسألة علمية هادئة، إلى وعظ مؤثر، إلى تحذير مندفع، إلى مزيج من هذا وذاك.
ولا يفترض أن يكرر الخطيب نفسه إن كان مبدعاً متجدداً، بل يعمد إلى التنويع المحبب، الذي هو قاعدة كونية وسنة شرعية، والمؤكد أن نوع الاهتمام الذي يمنحه الإنسان لقضية قد يزيد وينقص، ويؤثر هذا في معالجته للقضية سلباً وإيجاباً.
وكلما تعددت الموضوعات وتنوعت توزع الاهتمام بينها، والطاقة تظل محدودة.
وقد يحملنا الخوف على الإحجام عن اكتساب طرق، أو وسائل جديدة للدعوة والخوف دافع فطري غريزي، لكنه لابد أن يمزج بغيره ويرشد حتى يعتدل وينضبط .
ولو قيل لفرد من جيل سابق عن السيارة وتوسع استخدامها كما يقع وحجم ضحاياها ومخاطرها الآن، أو عن الكهرباء التي دخلت كل غرفة وزاوية على خطورتها القاتلة ... لما تردد في رفضها ومجانبتها، وربما التمس سبيلاً شرعياً لتحريمها وبالذات أنه لم يدرك الثمرات الإيجابية التي لا مست الواقع حتى غدت في حكم الضرورات التي لا مخلص منها ولا غنى عنها، وقديما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : يجدُّ للناس من الأقضية بقدر ما يجدُّ لهم من الفجور .
وإذا كان الاجتهاد الصحيح المنضبط الذي لم يتردد فيجمد، ولم يندفع فينفلت هو من أهم الثوابت الشرعية، فهو أيضاً أساس المتغيرات.
ولقد كانت حرب الخليج الثانية دقاً لطبول مرحلةٍ جديدة الملامح والسمات والآليات سموها النظام العالمي الجديد، القائم على أنقاض الحرب الباردة، وكان من الواضح لكل ذي عينين أن هذا النظام الجديد سيوفر شيئاً من الحريات المتنوعة ويدعو إلى حقوق الإنسان، إلى حقوق المرأة، إلى عولمة الاقتصاد، وأنماط السلوك.
وكان جديراً أن يتحقق شيء من المبادأة الإسلامية التي تكسر الروتين المعتاد بالتفوق العلماني الذي يقدم نفسه، وكأنه نصير حرية التعبير، وحرية الفكر وحرية الإبداع.
وإن مشاركة أولياء الإسلام وتسارعهم في عرض التصور الأمثل للحرية التعبيرية المنضبطة بضوابط الشرع البعيدة عن العدوان على النفس أو على الآخرين ... لا يعني بحال أنهم يجب أن يكونوا ضد السلم الاجتماعي الذي لا بقاء للأمة ولا للدعوة إلا به، وهكذا طرح شعار (الكلمة الحرة ضمان ...) وهذا لا يعنى بحال تجاهل الانضباط الشرعي الذي يوفر استقرارا للدعوة ، وقبله للأمة .
كما أن ثمة خطين أحمرين كنا ولا زلنا نعتقد بوجوب الحذر منهما في هذا السياق:
أولهما: الغلو في الدين، فإنما أهلك الناس الغلو في الدين، وفتنة الغلو هي أول فتنة حدثت في الإسلام، وترتب عليها شرخ هائل في كيان الأمة، واستحلال بعضهم دماء بعض وأموالهم.
فانجرار الأقدام إلى مزلق التسرع في التكفير والتشخيص سوف ينأى بهؤلاء عن جو الأمة الواحدة إلى الانخزال والانشطار والاستئثار بالحق وإلغاء الآخرين ومصادرتهم وإسقاطهم لو أمكن.
والثاني: هو نتيجة عن الأول وتفريع عليه، وهو اعتماد أساليب المواجهة والقوة في الدعوة والإصلاح في ظل ظروف وأوضاع لا تستدعي هذا، بل تجعل هذا الخيار إلغاء للفرص الضخمة الممكنة، وحرماناً من المشاركة في مؤسسات الأمة القائمة وإمكانياتها الهائلة للتواصل والتغيير والتأثير.
إن المكاسب التي تزخر بها بلاد الإسلام توجب على الدعاة طرح أسلوب المشاركة المتميزة في الواقع العملي، فهو المحك والميدان الحقيقي لاختبار القدرة على الإصلاح إذ الشعار المجرد لا يكفي، وقد يرفع أحياناً لمجرد التحدي وإثبات عجز الآخرين.
ولا شك أن حقن دماء المسلمين وحفظ حياتهم وأعراضهم وأموالهم وأديانهم من الضرورات التي جاء الشريعة بحفظها، وكان مدار جميع الأحكام عليها، والواقع لا يحتمل أي مخاطرة من هذا القبيل.
والفرق كبير وهائل بين نقد شرعي منضبط ملتزم بما ذكرنا، وبين دعوة إلى زلزلة الاستقرار الذي يعيشه المسلمون في أي قطر.
وإذا كان بعض المتلقين حاولوا ـ لشيءٍ في النفوس ـ أن يربطوا الأول بالثاني، فقد آن الأوان لأن يتمايز هذا عن ذاك، حفاظاً على فرص النقد النزيه الهادف، وحفاظاً في الوقت ذاته، على وحدة الأمة وطمأنينتها وسكينة عيشها .