ناصر صالح الصرامي
الشهيد ، الشهادة، هكذا أصبحت ضرورة لا بد أن يطرحها الإعلام ويقدمها كوصف للضحايا في الصراعات الدموية السياسية، واعتبار الوصف وتداوله مقياسا للهوية والولاء للأمة وقضاياها، إلا أن الفرضية والمعيار لا يثبتا كثيراً أمام الفحص المهني والشرعي وجدليتهما.
فالشهادة أولا، حقٌ رباني، ولا تملك وسيلة إعلامية - مهما تكن - شرف توزيعها على الناس، ومنحها، فالإعلام ينقل الأحداث كما هي على الأرض، ولا يجوز أن يتفرغ لتوزيع صكوك الشهادة والغفران، مع كل خبر عاجل أو عنوان صحفي.
ولو تابعنا الخطاب الإعلامي العربي من الخليج إلى المحيط لأصابنا الدوار، والصداع من عدد الشهداء على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وخلفياتهم!
ناهيك عن (شهداء) تاريخ عربي طويل من القضايا القومية الخاسرة، محصلتها دم كثير سُكب، وأرواح عديدة أُزهقت، لصالح شعارات سياسية تلاشت!
قد تمنح الدول أو الأحزاب هذه الصفة، كما لها اختيار الطريقة التي تمجد بها قتلاها، وتقيم لهم المناسبات والاحتفالات الترويجية، والتسميات والتذكارات، وللإعلام أن ينقل - فقط - عنهم كل المنح والنعوتات، هذا من جانب مهني بحت.
من الجانب الشرعي، نسمع توضيحات مهمة، فقد ورد عن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، قوله في سلسلة لقاء (الباب المفتوح): (المقتول في الجهاد لا نقول: إنه شهيد، حتى ولو كان بين المسلمين والكفار، لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) فقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يعني: أنه لا علم لنا، لكن نرجو أن يكون شهيداً)، وقال: (ثم إن قولنا شهيد بالنسبة لهذا المقتول لا يستفيد منه، لأنه إن كان شهيداً عند الله فهو شهيد، سواء قلنا أو لم نقل، وإن لم يكن شهيداً فإنه لا ينفعه قولنا إنه شهيد)، وكذلك توقف الشيخ في جواز قول استشهد فلان، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (144) سورة آل عمران، ولم يقل استشهد، { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} (74) سورة النساء، لم يقل يستشهد. وقد حفظنا عدم الجزم بالشهادة: ( «نحسبه شهيدا» ولا نزكي على الله أحدا).
يبقى الإنسان غير محايد بطبعه، لكن بالإمكان أن يكون مهنيا جادا، كما أن الإعلام ليس مثاليا بالضرورة، إلا أنه يحاول الوصول إلى لغة متفوقة عند معالجته للواقع، باتجاه الاقتراب من الحقيقة، والمعرفة والإنسان، وعي بحقيقة واقعه الجغرافي والسياسي وتجاذباته.
إلى لقاء..
*نقلاً عن صحيفة "الجزيرة" السعودية
الشهيد ، الشهادة، هكذا أصبحت ضرورة لا بد أن يطرحها الإعلام ويقدمها كوصف للضحايا في الصراعات الدموية السياسية، واعتبار الوصف وتداوله مقياسا للهوية والولاء للأمة وقضاياها، إلا أن الفرضية والمعيار لا يثبتا كثيراً أمام الفحص المهني والشرعي وجدليتهما.
فالشهادة أولا، حقٌ رباني، ولا تملك وسيلة إعلامية - مهما تكن - شرف توزيعها على الناس، ومنحها، فالإعلام ينقل الأحداث كما هي على الأرض، ولا يجوز أن يتفرغ لتوزيع صكوك الشهادة والغفران، مع كل خبر عاجل أو عنوان صحفي.
ولو تابعنا الخطاب الإعلامي العربي من الخليج إلى المحيط لأصابنا الدوار، والصداع من عدد الشهداء على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وخلفياتهم!
ناهيك عن (شهداء) تاريخ عربي طويل من القضايا القومية الخاسرة، محصلتها دم كثير سُكب، وأرواح عديدة أُزهقت، لصالح شعارات سياسية تلاشت!
قد تمنح الدول أو الأحزاب هذه الصفة، كما لها اختيار الطريقة التي تمجد بها قتلاها، وتقيم لهم المناسبات والاحتفالات الترويجية، والتسميات والتذكارات، وللإعلام أن ينقل - فقط - عنهم كل المنح والنعوتات، هذا من جانب مهني بحت.
من الجانب الشرعي، نسمع توضيحات مهمة، فقد ورد عن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، قوله في سلسلة لقاء (الباب المفتوح): (المقتول في الجهاد لا نقول: إنه شهيد، حتى ولو كان بين المسلمين والكفار، لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) فقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يعني: أنه لا علم لنا، لكن نرجو أن يكون شهيداً)، وقال: (ثم إن قولنا شهيد بالنسبة لهذا المقتول لا يستفيد منه، لأنه إن كان شهيداً عند الله فهو شهيد، سواء قلنا أو لم نقل، وإن لم يكن شهيداً فإنه لا ينفعه قولنا إنه شهيد)، وكذلك توقف الشيخ في جواز قول استشهد فلان، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (144) سورة آل عمران، ولم يقل استشهد، { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} (74) سورة النساء، لم يقل يستشهد. وقد حفظنا عدم الجزم بالشهادة: ( «نحسبه شهيدا» ولا نزكي على الله أحدا).
يبقى الإنسان غير محايد بطبعه، لكن بالإمكان أن يكون مهنيا جادا، كما أن الإعلام ليس مثاليا بالضرورة، إلا أنه يحاول الوصول إلى لغة متفوقة عند معالجته للواقع، باتجاه الاقتراب من الحقيقة، والمعرفة والإنسان، وعي بحقيقة واقعه الجغرافي والسياسي وتجاذباته.
إلى لقاء..
*نقلاً عن صحيفة "الجزيرة" السعودية