ميسر الشمري
أفهم جيداً السبب في امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت على مشروع القرار 1860 الصادر عن مجلس الأمن، والذي يقضي بوقف ملزم لإطلاق النار على غزة، وإن لم يحدد سقفاً زمنياً للوقف، وأفهم أيضاً، سبب طرح واشنطن لعطاء عاجل لنقل ثلاثة آلاف طن من الذخائر من أحد الموانئ اليونانية إلى ميناء اسدود في الكيان الصهيوني وبشكل عاجل، لكن ما لا أفهمه أن يصرح "سباك" أمريكي بأنه سيذهب إلى الضفة الغربية وتحديداً بيت لحم "للتحقيق في ظروف حياة المسيحيين المقيمين هناك".
هذا التصريح صدر عن "السباك جو" من ولاية أوهايو الذي ذاع صيته أثناء الانتخابات الأمريكية الأخيرة، عندما احتج على خطة باراك أوباما الضريبية، واحتضنه بعدها المرشح الجمهوري جون ماكين. السباك جو تحول اليوم إلى مراسل حرب لأحد المواقع الإلكترونية الأمريكية، ومع أنه اعترف أنه لا يقل غباءً عن المرشح الذي احتضنه، عندما قال سيرافقني إلى الضفة فريق تصوير سيقرر بنفسه الأماكن التي يريد تصويرها، إلا أنه أذهلني عندما صرح بأنه يريد تقصّي أحوال المسيحيين المقيمين في بيت لحم.
أيها السباك هؤلاء المسيحيون الذين تتحدث عنهم، ليسوا مقيمين في بيت لحم، بل هم السكان الأصليون. مسيحيو بيت لحم الأصل وأنت ومن خلفك أميركا والغرب بأكمله الفرع. كان حرياً بك أن تتفقّد الكنائس التي طاولتها القذائف الإسرائيلية المصنّعة في أميركا. كان الأولى بك أن تطالب ساسة بلدك أن يلبوا نداء مسيحيي بيت لحم والخليل، وهم يطالبون بوقف الحرب على المساجد والكنائس في فلسطين. ألهذا الحد وصلت الوضاعة بالإعلام الأمريكي أن يرسل "سباكاً" ليتفقّد أحوال المسيحيين في بيت لحم.
لا أريد أن أنزل الى المستوى نفسه التي نزل إليها الإعلام الأمريكي ممثلاً بـ "جو السباك"، لذا سأخاطبه بلغة التاريخ، لأقول له: إن أكثر من حافظ على كنيسة القيامة في القدس هم المسلمون (من العرب والأتراك). أتعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب لما تسلم مفاتيح بيت المقدس من البطريرك "صفرونيوس"، بماذا خاطب أهل بيت المقدس؟ لقد قال لهم عمر: "يا أهل ايلياء لكم ما لنا وعليكم ما علينا"، ولما أدركته الصلاة صلى أمام الكنيسة، في المكان المقام عليه الآن مسجد عمر.
أريد أن أسأل هذا السباك إن كان يعرف تاريخ كنيسة المهد، أحد أهم معالم مدينة بيت لحم التي ينوي زيارتها؟! وهل يعرف أن المسلمين حافظوا عليها كما حافظوا على مساجدهم الى أن انتزعها الصليبيون من يد المسلمين أثناء الحروب الصليبية، ليس للمحافظة عليها لأنها المكان الذي ولد فيه المسيح عليه السلام، بل لأنهم وجدوا في عمارتها ما يشبه القلاع والحصون، فاتخذوها مكاناً لإدارة معاركهم ضد من حافظوا عليها. لتعلم أن المسيحيين في بيت لحم هم عرب فلسطينيون وأجدادهم هم الذين حافظوا على كنيسة المهد بعد أن هجرها الرومان الذين بنوها. أيها السباك، من الذي أعطاك الحق أن تتحدث باسم مسيحيي بيت لحم وكنائس بيت لحم؟ عندما بنى الامبراطور الروماني قسطنطين الأول كنيسة المهد، كان أجدادك ينامون على أغصان الأشجار في غابات الأمازون وضفتي نهر المسيسيبي.
أخيراً، أتمنى ألا يربط السباك جو بين عنوان المقال وقصة "يوليوس قيصر" وصديقه "بروتس" الذي طعنه ونظر إليه قيصر وهو في الرمق الأخير، وقال له: "حتى أنت يا بروتس"، وهي المقولة التي راحت مثلاً عالمياً. فأنا لم أعتبر أميركا صديقاً لقضايا أمتي، وبالتالي من غير الممكن أن أخاطب أمريكياً وإن كان سباكاً كما هي حال جو، على أنه صديق لي، وأنا أرى بلاده ترسل الذخائر لإسرائيل وتمتنع عن التصويت على قرار يحمي أطفال ونساء الشعب الفلسطيني في غزة.
* نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
أفهم جيداً السبب في امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت على مشروع القرار 1860 الصادر عن مجلس الأمن، والذي يقضي بوقف ملزم لإطلاق النار على غزة، وإن لم يحدد سقفاً زمنياً للوقف، وأفهم أيضاً، سبب طرح واشنطن لعطاء عاجل لنقل ثلاثة آلاف طن من الذخائر من أحد الموانئ اليونانية إلى ميناء اسدود في الكيان الصهيوني وبشكل عاجل، لكن ما لا أفهمه أن يصرح "سباك" أمريكي بأنه سيذهب إلى الضفة الغربية وتحديداً بيت لحم "للتحقيق في ظروف حياة المسيحيين المقيمين هناك".
هذا التصريح صدر عن "السباك جو" من ولاية أوهايو الذي ذاع صيته أثناء الانتخابات الأمريكية الأخيرة، عندما احتج على خطة باراك أوباما الضريبية، واحتضنه بعدها المرشح الجمهوري جون ماكين. السباك جو تحول اليوم إلى مراسل حرب لأحد المواقع الإلكترونية الأمريكية، ومع أنه اعترف أنه لا يقل غباءً عن المرشح الذي احتضنه، عندما قال سيرافقني إلى الضفة فريق تصوير سيقرر بنفسه الأماكن التي يريد تصويرها، إلا أنه أذهلني عندما صرح بأنه يريد تقصّي أحوال المسيحيين المقيمين في بيت لحم.
أيها السباك هؤلاء المسيحيون الذين تتحدث عنهم، ليسوا مقيمين في بيت لحم، بل هم السكان الأصليون. مسيحيو بيت لحم الأصل وأنت ومن خلفك أميركا والغرب بأكمله الفرع. كان حرياً بك أن تتفقّد الكنائس التي طاولتها القذائف الإسرائيلية المصنّعة في أميركا. كان الأولى بك أن تطالب ساسة بلدك أن يلبوا نداء مسيحيي بيت لحم والخليل، وهم يطالبون بوقف الحرب على المساجد والكنائس في فلسطين. ألهذا الحد وصلت الوضاعة بالإعلام الأمريكي أن يرسل "سباكاً" ليتفقّد أحوال المسيحيين في بيت لحم.
لا أريد أن أنزل الى المستوى نفسه التي نزل إليها الإعلام الأمريكي ممثلاً بـ "جو السباك"، لذا سأخاطبه بلغة التاريخ، لأقول له: إن أكثر من حافظ على كنيسة القيامة في القدس هم المسلمون (من العرب والأتراك). أتعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب لما تسلم مفاتيح بيت المقدس من البطريرك "صفرونيوس"، بماذا خاطب أهل بيت المقدس؟ لقد قال لهم عمر: "يا أهل ايلياء لكم ما لنا وعليكم ما علينا"، ولما أدركته الصلاة صلى أمام الكنيسة، في المكان المقام عليه الآن مسجد عمر.
أريد أن أسأل هذا السباك إن كان يعرف تاريخ كنيسة المهد، أحد أهم معالم مدينة بيت لحم التي ينوي زيارتها؟! وهل يعرف أن المسلمين حافظوا عليها كما حافظوا على مساجدهم الى أن انتزعها الصليبيون من يد المسلمين أثناء الحروب الصليبية، ليس للمحافظة عليها لأنها المكان الذي ولد فيه المسيح عليه السلام، بل لأنهم وجدوا في عمارتها ما يشبه القلاع والحصون، فاتخذوها مكاناً لإدارة معاركهم ضد من حافظوا عليها. لتعلم أن المسيحيين في بيت لحم هم عرب فلسطينيون وأجدادهم هم الذين حافظوا على كنيسة المهد بعد أن هجرها الرومان الذين بنوها. أيها السباك، من الذي أعطاك الحق أن تتحدث باسم مسيحيي بيت لحم وكنائس بيت لحم؟ عندما بنى الامبراطور الروماني قسطنطين الأول كنيسة المهد، كان أجدادك ينامون على أغصان الأشجار في غابات الأمازون وضفتي نهر المسيسيبي.
أخيراً، أتمنى ألا يربط السباك جو بين عنوان المقال وقصة "يوليوس قيصر" وصديقه "بروتس" الذي طعنه ونظر إليه قيصر وهو في الرمق الأخير، وقال له: "حتى أنت يا بروتس"، وهي المقولة التي راحت مثلاً عالمياً. فأنا لم أعتبر أميركا صديقاً لقضايا أمتي، وبالتالي من غير الممكن أن أخاطب أمريكياً وإن كان سباكاً كما هي حال جو، على أنه صديق لي، وأنا أرى بلاده ترسل الذخائر لإسرائيل وتمتنع عن التصويت على قرار يحمي أطفال ونساء الشعب الفلسطيني في غزة.
* نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية