كانت العرب تقول : لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً ، فالكلف والتكلف قدرٌ زائد عن الطبيعي ، ونسبة تحوّل الفطرة إلى افتعال ، والصحة إلى اعتلال .
فالحب الكَلِف والبغض التلف يأتيان على صاحبهما ، وفي الترمذي مرفوعاً عن أبي هريرة والصواب وقفه على عليّ رضي الله عنه قال : أَحْبِبْ حبيبك هَوْنًا ما عسى أن يكون بَغِيضَكَ يومًا ما وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما "
وهذا إرشاد إلى الاعتدال في المحبة والبغض, وترك التكلف فيهما .
فالتكلف إذاً هو معاناة الإنسان, ومعالجته ما يشق عليه, مشقة خارجة عن المألوف والعادة..
التكلف .. امتحان اجتماعي يجعل العلاقات المتبادلة ضرباً من الأشكال الخاوية ، ونوعاً من المجاملات السلبية التي تسلب السكينة والهدوء والراحة ، وتحوّل التعامل البشري إلى مجموعة من المظاهر التي تفتقد الصلات الروحية والفهم المقاصدي للأخلاق بين المسلمين ، بل بين بني الإنسان, فرسولنا عليه السلام أمره ربه في التعامل حتى مع المشركين أن يقول ([color=#800000]قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ[/color]).
قال ابن المنذر :
آية المتكلف ثلاث : يتكلم فيما لا يعلم ، وينازل من فوقه ، ويتعاطى ما لا ينال.
ولذلك تبدو شخصية المتكلف "شخصية مسرحية" فهو سرعان ما يلمع في دور يرغبه فيؤديه لبعض الوقت, وسرعان ما يأفل ويتلاشى عند أول إشارة لإسدال الستائر ..ثم دور ثان وثالث ورابع فخُلقه مصنوع غير مطبوع ، يبنيه من قلاع الرمل التي تنهار لأول موج ، ويصنع ذاته من القش التي تخفق في أول اختبار ..
فالتكلف استصناع بشري مؤقت ، يبيع المرء فيه ذاته لأجل أن يصبغها بالمساحيق العابرة, وأن يغش في أخلاقه ليتكلف مالا يعرف ، ويستعمل ما لا يريد.
ولا جرم تجد المتكلف فارغ الجوهر عامر المظهر بأخلاق دخيلة على طبيعته وفطرته ...
في قوله سبحانه وتعالى : ([color=#800000]قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ[/color]) (صّ:86) ، أمر للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم بأنه لم يدّع منزلة ليست له, ولم يتكلف شيئاً لم يؤمر به؛ فهو نبي حق, بعث بالهدى ودين الحق, والقرآن الذي جاء به حق, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وقوله : (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) أبلغ دلالة وأقوى أسلوباً مما لو قال : ما أنا بمتكلف, ففيه نفي الانتساب إلى طائفة المتكلفين مطلقاً , وثمت فرق بين أن تقول : فلان من العلماء وأن تقول : فلان عالم , والأولى أبلغ وأنصع في جلاء المعنى .
ونفي التكلف في الآية دليل نبوته –صلى الله عليه وسلم- وصحة ما أخبر به, وأن القرآن كلام الله ,لم يتكلف شيئاً منه ؛ ولذا قال : (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) .
ونفي التكلف حجةً على أن ما دعاهم إليه ليس تكلفاً منه؛ فهو لم يطلب منهم أجراً دنيوياً ؛ كما يفعل صاحب الدنيا, الذي يتكلف من أجل سمعته, أو مكانته, أو وظيفته, أو لمال يحصل عليه؛ ولذا قال : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)..
ونفي التكلف رسم مسار هذا الدين في العيش في العلن ، والتحرك في الضوء ، فالتكلف صناعة لا يتقنها إلا العاجزون الذي يرقعون ذواتهم بكل ما يستر عوراتهم, حتى ولو كان بورقة التوت التي تسقط سريعاً .
ونفي التكلف يعني أن نحرص على تطهير حقائقنا وذواتنا؛ فالتكلف العلمي يحيل قواعد التفكير إلى جملة من النظريات المتكلفة ، والحوادث المفتعلة ، ويمسك بأيدينا بعيداً عن الواقع الفطري المعاش ، والحياة العامة البسيطة ، فهؤلاء الأنبياء ليسوا من المتكلفين؛ لأنهم يقولون ما يعتقدون ، ويعيشون حسبما يجدون ، ويأكلون حسبما يجوعون ، ويمشون حيث لا صخب ولا ادعاء ، فالضجيج الفظ لا يصنع إلا الصوت ، ولكن العمل الفطري الطبيعي يقرّب الإنسان من الحياة ومن فطرته المرتبطة بخالق هذا الكون –سبحانه وتعالى- ، فالأرض الطبيعية هي الحياة الاجتماعية ، والوحي هو نور الشمس الذي يخرج النبات بإذن الله( [color=#800000]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [/color]) [إبراهيم]
فالحب الكَلِف والبغض التلف يأتيان على صاحبهما ، وفي الترمذي مرفوعاً عن أبي هريرة والصواب وقفه على عليّ رضي الله عنه قال : أَحْبِبْ حبيبك هَوْنًا ما عسى أن يكون بَغِيضَكَ يومًا ما وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما "
وهذا إرشاد إلى الاعتدال في المحبة والبغض, وترك التكلف فيهما .
فالتكلف إذاً هو معاناة الإنسان, ومعالجته ما يشق عليه, مشقة خارجة عن المألوف والعادة..
التكلف .. امتحان اجتماعي يجعل العلاقات المتبادلة ضرباً من الأشكال الخاوية ، ونوعاً من المجاملات السلبية التي تسلب السكينة والهدوء والراحة ، وتحوّل التعامل البشري إلى مجموعة من المظاهر التي تفتقد الصلات الروحية والفهم المقاصدي للأخلاق بين المسلمين ، بل بين بني الإنسان, فرسولنا عليه السلام أمره ربه في التعامل حتى مع المشركين أن يقول ([color=#800000]قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ[/color]).
قال ابن المنذر :
آية المتكلف ثلاث : يتكلم فيما لا يعلم ، وينازل من فوقه ، ويتعاطى ما لا ينال.
ولذلك تبدو شخصية المتكلف "شخصية مسرحية" فهو سرعان ما يلمع في دور يرغبه فيؤديه لبعض الوقت, وسرعان ما يأفل ويتلاشى عند أول إشارة لإسدال الستائر ..ثم دور ثان وثالث ورابع فخُلقه مصنوع غير مطبوع ، يبنيه من قلاع الرمل التي تنهار لأول موج ، ويصنع ذاته من القش التي تخفق في أول اختبار ..
فالتكلف استصناع بشري مؤقت ، يبيع المرء فيه ذاته لأجل أن يصبغها بالمساحيق العابرة, وأن يغش في أخلاقه ليتكلف مالا يعرف ، ويستعمل ما لا يريد.
ولا جرم تجد المتكلف فارغ الجوهر عامر المظهر بأخلاق دخيلة على طبيعته وفطرته ...
في قوله سبحانه وتعالى : ([color=#800000]قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ[/color]) (صّ:86) ، أمر للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم بأنه لم يدّع منزلة ليست له, ولم يتكلف شيئاً لم يؤمر به؛ فهو نبي حق, بعث بالهدى ودين الحق, والقرآن الذي جاء به حق, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وقوله : (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) أبلغ دلالة وأقوى أسلوباً مما لو قال : ما أنا بمتكلف, ففيه نفي الانتساب إلى طائفة المتكلفين مطلقاً , وثمت فرق بين أن تقول : فلان من العلماء وأن تقول : فلان عالم , والأولى أبلغ وأنصع في جلاء المعنى .
ونفي التكلف في الآية دليل نبوته –صلى الله عليه وسلم- وصحة ما أخبر به, وأن القرآن كلام الله ,لم يتكلف شيئاً منه ؛ ولذا قال : (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) .
ونفي التكلف حجةً على أن ما دعاهم إليه ليس تكلفاً منه؛ فهو لم يطلب منهم أجراً دنيوياً ؛ كما يفعل صاحب الدنيا, الذي يتكلف من أجل سمعته, أو مكانته, أو وظيفته, أو لمال يحصل عليه؛ ولذا قال : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)..
ونفي التكلف رسم مسار هذا الدين في العيش في العلن ، والتحرك في الضوء ، فالتكلف صناعة لا يتقنها إلا العاجزون الذي يرقعون ذواتهم بكل ما يستر عوراتهم, حتى ولو كان بورقة التوت التي تسقط سريعاً .
ونفي التكلف يعني أن نحرص على تطهير حقائقنا وذواتنا؛ فالتكلف العلمي يحيل قواعد التفكير إلى جملة من النظريات المتكلفة ، والحوادث المفتعلة ، ويمسك بأيدينا بعيداً عن الواقع الفطري المعاش ، والحياة العامة البسيطة ، فهؤلاء الأنبياء ليسوا من المتكلفين؛ لأنهم يقولون ما يعتقدون ، ويعيشون حسبما يجدون ، ويأكلون حسبما يجوعون ، ويمشون حيث لا صخب ولا ادعاء ، فالضجيج الفظ لا يصنع إلا الصوت ، ولكن العمل الفطري الطبيعي يقرّب الإنسان من الحياة ومن فطرته المرتبطة بخالق هذا الكون –سبحانه وتعالى- ، فالأرض الطبيعية هي الحياة الاجتماعية ، والوحي هو نور الشمس الذي يخرج النبات بإذن الله( [color=#800000]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [/color]) [إبراهيم]