[justify]الاعتدال قيمة إنسانية وشرعية شريفة، يتفق العقلاء على تطلبها ونشدانها, والثناء بها على الأفراد والأفكار والمواقف.
ولم يقع في تاريخ البشر خلاف حقيقي حول أهمية الاعتدال وضرورته، وإنما يقع الخلف في تحديده وماهيته، وما يعتبر اعتدالاً وما لا يعتبر.
ومثله الوسطية فهي تعبير عن التوازن والخيرية والعدل.
إن إطباق الناس على الثناء على هذا المعنى؛ لهو دلالة عميقة على جدارته بالبحث والاهتمام، وعلى أهمية الوصول إلى محددات واضحة لا التباس فيها حول معناه وما يقصد به.
وابتداءً يجب أن يكون الاعتدال قيمة موضوعية حقيقية نبيلة، ولا يجوز أن يتحول إلى معنى سلبي؛ يتسارع الباحثون والكتاب إلى نفيه عن فلان أو فلان، ولا أن يكون موقعاً جغرافياً, ليتحدد بحسب ما يأخذه الآخرون من مواقع، فهذا يمين، وهذا يسار، وهذا وسط، ولا أن يكون أداةً لتكريس الأنانية وتمجيد الذات، فكلنا نقدم أنفسنا على أننا نمثل الاعتدال والوسط، وللآخرين من هذا الشرف بحسب قربهم أو بعدهم منا!
إن هذا يمثل جوراً وعدواناً على القيمة النبيلة التي يفترض أن تحكم الحياة البشرية، وأن تؤسس للالتزام الشرعي.
حين نفترض أن الآخرين تجاوزوا الاعتدال، وعليهم أن يعودوا إلينا ليكونوا معتدلين؛ فهذا يعني أننا رسّمنا أنفسنا كمعيار لا يحيد، وهذا خطأ.
ويدأب قوم على إطلاق مثل هذه التزكيات أو حجبها؛ تعبيراً عن الرضا أو الغضب، وهذا خطأ آخر.
تستطيع أن تبدي موافقتك أو اعتراضك على ما يقوله أو يكتبه هذا أو ذاك، وعلى هذا الموقف أو الرأي، أو المسلك، وأن تحشد الأدلة المعززة لرؤيتك, ولا تثريب في هذا.
بيد أن تَقحّم التصنيف بغير تروٍ؛ ينمّ عن ضعف لا يجدر بمن يكون من رجال الفكر والعلم والمعرفة.
حين يكون موقفي صحيحاً، وموقف الآخر خطأ؛ فإن هذا لا يعني فقدان الاعتدال أو الوسطية.
الوسطية ليست لوناً واحداً، ولعل افتراض الأحادية في الرأي والموقف لا يتفق مع مبدأ الاعتدال؛ الذي يقتضي أن يستوعب العديد من المسالك والدروب والمدارس والوجهات والمستويات.
وهذا مما يومئ إليه كلام النبي ? حين يقول في حديث أبي هريرة في البخاري:"سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ. وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا".
من الوفاء للمبادئ الصادقة أن تظل متسامية قاصدة، وأن نؤمن بها طريقاً لا عوج فيه ولا أَمْتَا.. يسعنا ويسع الآخرين غيرنا ممن نتفق معهم حيناً، ونختلف معهم حيناً آخر، وليس اتفاقهم أو خلافهم معنا هو المعنى الأساسي الجوهري الذي يحاكمون إليه، فنحن وهم نحتكم إلى أصول وقواعد ومبادئ مشتركة.
في تقرير "راند" لهذا العام نعي على "الوسطية الإسلامية" التي لا تتفق والمعايير الأمريكية، وهو يحدد الاعتدال بضرورة سؤال أدعيائه عن موقفهم من الردة عن الإسلام، ومن الزواج المثلي، ومن المساواة المطلَقة بين الرجل والمرأة، ومن شرب الخمر!
هذه معايير الاعتدال وموازينه لدى معدي التقرير.
هي معايير مرفوضة لأنها معايير سياسية، ومرفوضة لأنها تعتمد على مرجعية غير إسلامية أصلاً، فهي تقيّم المسلم وفق اعتبارات لا علاقة لها بالإسلام.
لكن من الصدق أن نقول:إن الكثير منا، إسلاميين أو ليبراليين، مفكرين أو سياسيين، نحاكم الآخرين وفق رؤيتنا الخاصة, وندمغهم بمجافاة الاعتدال إذا لم يعجبونا!
هذا ليس شيئاً أكثر من التعصب والإعجاب بالنفس.
ليكن الاعتدال قيمة سامية نحاولها جميعاً، ونصمد إليها ونقترب منها، وليس "طابعاً بريدياً" نلصقه بمن نشاء، وننزعه عمن نشاء، كما حكى ربنا عن أهل الكتاب: [color=#800000]"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ"[/color] [البقرة:113].
لنحاول أن نقيس قدر الاعتدال في عقولنا وأفكارنا ولغتنا، بدلاً من قياس بُعِد خصومنا عن الاعتدال.[/justify]
ولم يقع في تاريخ البشر خلاف حقيقي حول أهمية الاعتدال وضرورته، وإنما يقع الخلف في تحديده وماهيته، وما يعتبر اعتدالاً وما لا يعتبر.
ومثله الوسطية فهي تعبير عن التوازن والخيرية والعدل.
إن إطباق الناس على الثناء على هذا المعنى؛ لهو دلالة عميقة على جدارته بالبحث والاهتمام، وعلى أهمية الوصول إلى محددات واضحة لا التباس فيها حول معناه وما يقصد به.
وابتداءً يجب أن يكون الاعتدال قيمة موضوعية حقيقية نبيلة، ولا يجوز أن يتحول إلى معنى سلبي؛ يتسارع الباحثون والكتاب إلى نفيه عن فلان أو فلان، ولا أن يكون موقعاً جغرافياً, ليتحدد بحسب ما يأخذه الآخرون من مواقع، فهذا يمين، وهذا يسار، وهذا وسط، ولا أن يكون أداةً لتكريس الأنانية وتمجيد الذات، فكلنا نقدم أنفسنا على أننا نمثل الاعتدال والوسط، وللآخرين من هذا الشرف بحسب قربهم أو بعدهم منا!
إن هذا يمثل جوراً وعدواناً على القيمة النبيلة التي يفترض أن تحكم الحياة البشرية، وأن تؤسس للالتزام الشرعي.
حين نفترض أن الآخرين تجاوزوا الاعتدال، وعليهم أن يعودوا إلينا ليكونوا معتدلين؛ فهذا يعني أننا رسّمنا أنفسنا كمعيار لا يحيد، وهذا خطأ.
ويدأب قوم على إطلاق مثل هذه التزكيات أو حجبها؛ تعبيراً عن الرضا أو الغضب، وهذا خطأ آخر.
تستطيع أن تبدي موافقتك أو اعتراضك على ما يقوله أو يكتبه هذا أو ذاك، وعلى هذا الموقف أو الرأي، أو المسلك، وأن تحشد الأدلة المعززة لرؤيتك, ولا تثريب في هذا.
بيد أن تَقحّم التصنيف بغير تروٍ؛ ينمّ عن ضعف لا يجدر بمن يكون من رجال الفكر والعلم والمعرفة.
حين يكون موقفي صحيحاً، وموقف الآخر خطأ؛ فإن هذا لا يعني فقدان الاعتدال أو الوسطية.
الوسطية ليست لوناً واحداً، ولعل افتراض الأحادية في الرأي والموقف لا يتفق مع مبدأ الاعتدال؛ الذي يقتضي أن يستوعب العديد من المسالك والدروب والمدارس والوجهات والمستويات.
وهذا مما يومئ إليه كلام النبي ? حين يقول في حديث أبي هريرة في البخاري:"سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ. وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا".
من الوفاء للمبادئ الصادقة أن تظل متسامية قاصدة، وأن نؤمن بها طريقاً لا عوج فيه ولا أَمْتَا.. يسعنا ويسع الآخرين غيرنا ممن نتفق معهم حيناً، ونختلف معهم حيناً آخر، وليس اتفاقهم أو خلافهم معنا هو المعنى الأساسي الجوهري الذي يحاكمون إليه، فنحن وهم نحتكم إلى أصول وقواعد ومبادئ مشتركة.
في تقرير "راند" لهذا العام نعي على "الوسطية الإسلامية" التي لا تتفق والمعايير الأمريكية، وهو يحدد الاعتدال بضرورة سؤال أدعيائه عن موقفهم من الردة عن الإسلام، ومن الزواج المثلي، ومن المساواة المطلَقة بين الرجل والمرأة، ومن شرب الخمر!
هذه معايير الاعتدال وموازينه لدى معدي التقرير.
هي معايير مرفوضة لأنها معايير سياسية، ومرفوضة لأنها تعتمد على مرجعية غير إسلامية أصلاً، فهي تقيّم المسلم وفق اعتبارات لا علاقة لها بالإسلام.
لكن من الصدق أن نقول:إن الكثير منا، إسلاميين أو ليبراليين، مفكرين أو سياسيين، نحاكم الآخرين وفق رؤيتنا الخاصة, وندمغهم بمجافاة الاعتدال إذا لم يعجبونا!
هذا ليس شيئاً أكثر من التعصب والإعجاب بالنفس.
ليكن الاعتدال قيمة سامية نحاولها جميعاً، ونصمد إليها ونقترب منها، وليس "طابعاً بريدياً" نلصقه بمن نشاء، وننزعه عمن نشاء، كما حكى ربنا عن أهل الكتاب: [color=#800000]"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ"[/color] [البقرة:113].
لنحاول أن نقيس قدر الاعتدال في عقولنا وأفكارنا ولغتنا، بدلاً من قياس بُعِد خصومنا عن الاعتدال.[/justify]