كتب إليّ بعض الإخوة يسألون عن بعض الأمور المهمة و التي نُسِبَ بعضها إلي، و هي من الأمور الحساسة على الفرد و المجتمع :
هل يجوز القيام ببعض العمليات التي تؤدي إلى التنكيل بالمجتمع من أعمال عنف في الدول الإسلامية التي لا يوجد فيها حروب معلنة ، وما رأيكم في العمليات التي تنفَّذ بحجة نصرة الدين في بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية ؟
وهذه المسائل وما كان من بابتها فهو -لاشك- من القضايا المهمة التي تحتاج إلى وضوح في العمل الإسلامي اليوم، وهنا ينبغي الاعتناء بالتأصيل العلمي لهذه القضايا، واستصحاب قواعد الشريعة ومقاصدها، فإن الشريعة مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ ولهذا كانت مسائل الشرائع الإلهية تُحصِّل مصلحة كلية راجحة ، أو تدفع مفسدة كلية أو مفسدة راجحة ، فهذا هو شأن سائر الأمر والنهي في القرآن والحديث ، وهو يتنوع باختلاف قدر المسائل كما قرره الإمام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما ، وثمة تعليقات على جهة الإشارة لا التفصيل أُجْمِلُ أَحْرُفها بالتالي :
1-الدول المسلمة بأهلها وواقعها تبقى لها أحكام دول الإسلام ولو تسلَّط على الحكم والسلطان فيها من عُرِف بالنفاق ومعاندة الدعوة ، فهذا كله لا يذهب العصمة الإسلامية التي تمارس في الواقع العملي مع أهلها ومجتمعها ، وعلى هذا التقدير لا يجوز ممارسة أعمال العنف -كما تسمى في داخل هذه الدول والمجتمعات بحجة الضغط على السلطة أو التنكيل بها-فإن الإسلام عصم دماء المسلمين وأموالهم وحقوقهم ، والإجماع منعقد على حرمة حقوق المسلمين حتى لو اضطروا للبقاء في دول كافرة ومجتمعات كافرة ، وكنتيجة أخرى للوضع الذي تمارسه سلطة ما خرجت عن المنهج الإسلامي، واتخذت منهجاً مضاداً للإسلام، فهذه السلطة لا تزيل عن المسلمين -في هذه الدولة- حرمة ديارهم فتصير ديار حرب لها أحكام ديار الحرب ، بل هي دار إسلام لها حرمتها .
2-من المهم أن يكون دعاة الإسلام وشباب الصحوة والدعوة على وضوح في منهج الدعوة ومعرفة مقاصد الإسلام الكبرى، وهذا يشار به إلى الانعتاق من سلطة النفس، ومحدودية التفكير ، والوعي بحقيقة الدعوة، وطرائق معالجة الأوضاع المتردية - أحيانًا - في بعض المجتمعات ، ومراعاة السنن الشرعية والكونية في منهج التغيير والإصلاح .
3-من المهم –كثيراً- أن ندرك الإمكان الشرعي والواقعي الذي نعيش فيه ، ونعمل على إيجاد تطبيق للمعاني الإسلامية في المجتمعات الإسلامية خاصة التي يُمَارَسُ ضدَّها تغييبٌ شديد يحاول طمس هويتها ، فبعض المجتمعات التي بهذه الصورة يفترض أن يكون القدر -الذي يحاول أهل الدعوة تحقيقه معهم- متناسباً في الإمكان مع الواقع الذي عاشوه ، لقد كان النجاشي في الحبشة ملكاً صالحاً ومؤمناً صلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ، وأثنى عليه خيراً مع أنه لم يكن يحكم بين النصارى بالقرآن ، ولا يقيم كثيراً من شعائر الإسلام -كما ذكر ذلك ابن تيمية- فهذا مبلغه من الإمكان .
4-يفترض على أهل الدعوة وشباب الصحوة أن يؤمنوا حقاً بأن هذه الشعوب الإسلامية ما تزال فيها الفطرة ، وعصمة الإسلام ومحبته ، ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى من انحرف في سلوكه بدرجة مُزْرية ، هذا في الجملة أمر مؤكد ، فمثل هذه العصم الكبار ، والمعاني الثابتة ، يجب أن تُحيا في صفوف سائر المسلمين حتى العصاة بل المجاهرين بكبائر الإثم ، فليس صحيحاً أن كثيراً من الخطاب الذي يقدمه شباب الدعوة إلى عوام الناس وسوادهم ليس فيه إلا لغة النهي عن المنكر .
إن لغة الأمر بالمعروف يجب أن تكون هي الأصل في الخطاب ، وبناء الإيمان في قلوب سواد الناس حتى لو بقي على بعض المعاصي ، فإن عنايته بأصول الإسلام وعِصَمِهِ الكبار هذا هو الأهم تحقيقه مع عباد الله ، وهو مقدمة ترك المعاصي .
5-يجب أن ندرك أننا حين نفكر بقلب المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات صحابية في الديانة والعلم فهذا يعني: أننا لم ندرك حقيقة السنن التي قدرها الله في هذه الأمة، صحيح أن الأمة فيها نُزّاع من الأخيار الأبرار ، وفيها -بحمد الله- طبقة واسعة من أصحاب العلم والدين والخلق والفضيلة ، لكن جمهورها فيه جهل وتقصير مع خير كثير ، فهذه الظاهرة يسعى لتخفيفها- وإن كان الأمر والنهي والدعوة يُقَال فيها- بترك المحرمات وفعل المشروعات ؛ لكن ندرك أن الناس كإبل مئة، كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ( الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة ) رواه مسلم عن ابن عمر. فهذا المعنى كما أنه على مستوى العمل فهو على مستوى التطبيق للأمر الشرعي أيضاً .
6-من المهم أن يتخلص بعض دعاة الإسلام من هيمنة التشاؤم على منهجهم ولغتهم وتعاملهم مع عوامّ وسواد المسلمين ، إنه حينما يكون الداعية وطالب العلم يدرك أنه لا يستعمل الأوراق الأخيرة والنَّفَس النهائي في محاولات الإصلاح والدعوة فهو - هنا - يتخلص من كثير من الأخطاء ، وربما صار الشعور باليأس من الإصلاح متأثراً بهذه التوقعات .
إن الأمة -اليوم- مع ما فيها على مستوى النخبة (أهل العلم ودعاة الإسلام) أو حتى على مستوى شباب الصحوة، أو حتى على مستوى سواد الأمة، كلّ هذه الفئات الثلاث مُهيَّأةٌ للعمل والقيام بدين الله ، ودفع السيئة بالحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، وأمر المؤمن خير كله في السراء والضراء ، كما في صحيح مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( عجباً لأمر المؤمن إنّ أمْرَه كلَّه له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سرّاءُ شكَرَ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاءُ صبَرَ فكان خيراً له ) .
7- من الحكمة الشرعية - فيما أرى - أن يتخلص الخطاب الإسلامي من التعامل بلغة واحدة ، حيث تجد بعض أهل الدعوة والعلم جَمَع أزمة الأمة في الواقع السياسي الذي تعيشه ، فتراه لا يمارس إلا هذه اللغة وأن الواقع السياسي هو قضية كل قضايا الأمة !! وتجد نمطاً آخر من الخطاب الإسلامي لا يخاطب إلا أهل الصلاح والبر والتقوى ، يؤدبهم بالمشروعات والفضائل حيث لا يتصور –هنا- الكلام في الأصول الواجبة ؛ لأن هذه النخبة متفاعلة معها ، وربما يكون هذا الخطاب أداة لفصل المجتمع الإسلامي إلى طبقات تعيش العزلة والصراع الشعوري - أحياناً - فيما بين أهل الصحوة وبقية طبقات المجتمع المسلم الذي قد لا يكون ذا طابع دعوي لكنه مسلم وفيه خير .
إن الرسل بعثوا إلى قوم مشركين، وهكذا أتباعهم يجب أن يخاطبوا كل أحد، فإن جميع عباد الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ومن المهم –هنا- أن يعمل شباب الصحوة ودعاتها على كافة المواقع الدعوية، وأن يصبّر بعضهم بعضاً، ويصدّق بعضهم بعضاً، ويعذر بعضهم بعضاً فيما يقبل الاختلاف والتنوع والاجتهاد .
وهنا يجب أن يكون دعاة الإسلام أكثر تأصيلاً وواقعية، فإن تقدير دائرة ما يقبل الاجتهاد وما لا يسع فيه الخلاف وأمثال ذلك من أكبر مقاصد الشريعة ، وأدقّ مقامات العلم ، فهذا يستلزم أن تحكم هذه القضايا بالأدلة الشرعية من الكتاب، والسنة، والإجماع .
8-من المهم أن يُربَّى شباب الدعوة -وسواد المسلمين عموماً- على قواعد الشرع الصحيحة في التعامل ، والحكم على القضايا والمجتمعات والأعمال الإسلامية ، وحتى من الأعيان من أهل العلم، أو الدعوة، أو الحركة داخل الجماعات التي توجد في كثير من البلاد الإسلامية ، وهنا فإن كل من أهمّه هذا الدين والدعوة إليه، وقصد هَدْيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في دعوته حسب ما أمكنه، فهذا مما ينبغي أن يعظم قدره ويثنى عليه بخير، ويعان على طاعة الله والدعوة إلى دين الإسلام ، وما يكتنفه من الخطأ يصحّح بالدليل والرفق فإن الله - تعالى - قال عن الخضر : "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما" فهكذا أهل الدعوة إلى دين الإسلام عليهم أن يُرَبُّوا أنفسهم على الرحمة والعلم ، فإن الداعي لا بدّ له من جمعهما، وكل يؤخذ من قوله ويرد فهذه من القواعد المهمة، فليس ممكناً أن يكون الدعاة وأهل العلم لا يقولون إلا صواباً ، فإنهم ليسوا معصومين، بل منهم من يخطئ فيصيب غيره ، ولا يجمع الله الأمة على الخطأ ، وعليه فينبغي أن نعلم أن من أكبر مقاصد الشريعة جمع القلوب على الدين والهدى، والرفق في البيان والدعوة ، وهنا ينبغي أن يتربى الناس على أن الصواب صواب ، والخطأ خطأ لكن الخطأ الواحد ليس يقتضي ضرورة مصادرة الآخرين أو الرمي بالشَّين ، ومما يؤسف كثيراً أن طائفة من الأمة ممن هم على الإسلام ويقتدون بالكتاب والسنة في دعوتهم قد تفرغ بعضهم لبعض ، واتخذ نوع من هؤلاء العلم بغياً بينهم كما اتخذه أهل الكتاب من قبل ، وهذا من أخلاق الأمم الكافرة التي دخلت على بعض فضلاء المسلمين ، وصار كثير منهم لا يحسب غيره ـ من دعاة الإسلام ـ على شيء ، كما أن اليهود والنصارى كان هذا خلقهم "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء " وهنا يذكر الإمام ابن تيمية أن هذه الصور من التشبه العلمي بأحوال وأخلاق أهل الكتاب التي دخلت على بعض أهل العلم والشريعة في هذه الأمة .
إن كثيراً من الشباب - وربما بعض الدعاة - يشتد في محاربة صورة من صور التشبه في اللباس –مثلاً- على مستوى الأطفال ، وهذا نظر جيد، لكنه ربما يمارس أو يغفل عن معالجة صور أخرى للتشبه بالكفار ضررها متعدٍّ إلى مستوى التأثير على حركة الدعوة والإصلاح .
هل يجوز القيام ببعض العمليات التي تؤدي إلى التنكيل بالمجتمع من أعمال عنف في الدول الإسلامية التي لا يوجد فيها حروب معلنة ، وما رأيكم في العمليات التي تنفَّذ بحجة نصرة الدين في بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية ؟
وهذه المسائل وما كان من بابتها فهو -لاشك- من القضايا المهمة التي تحتاج إلى وضوح في العمل الإسلامي اليوم، وهنا ينبغي الاعتناء بالتأصيل العلمي لهذه القضايا، واستصحاب قواعد الشريعة ومقاصدها، فإن الشريعة مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ ولهذا كانت مسائل الشرائع الإلهية تُحصِّل مصلحة كلية راجحة ، أو تدفع مفسدة كلية أو مفسدة راجحة ، فهذا هو شأن سائر الأمر والنهي في القرآن والحديث ، وهو يتنوع باختلاف قدر المسائل كما قرره الإمام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما ، وثمة تعليقات على جهة الإشارة لا التفصيل أُجْمِلُ أَحْرُفها بالتالي :
1-الدول المسلمة بأهلها وواقعها تبقى لها أحكام دول الإسلام ولو تسلَّط على الحكم والسلطان فيها من عُرِف بالنفاق ومعاندة الدعوة ، فهذا كله لا يذهب العصمة الإسلامية التي تمارس في الواقع العملي مع أهلها ومجتمعها ، وعلى هذا التقدير لا يجوز ممارسة أعمال العنف -كما تسمى في داخل هذه الدول والمجتمعات بحجة الضغط على السلطة أو التنكيل بها-فإن الإسلام عصم دماء المسلمين وأموالهم وحقوقهم ، والإجماع منعقد على حرمة حقوق المسلمين حتى لو اضطروا للبقاء في دول كافرة ومجتمعات كافرة ، وكنتيجة أخرى للوضع الذي تمارسه سلطة ما خرجت عن المنهج الإسلامي، واتخذت منهجاً مضاداً للإسلام، فهذه السلطة لا تزيل عن المسلمين -في هذه الدولة- حرمة ديارهم فتصير ديار حرب لها أحكام ديار الحرب ، بل هي دار إسلام لها حرمتها .
2-من المهم أن يكون دعاة الإسلام وشباب الصحوة والدعوة على وضوح في منهج الدعوة ومعرفة مقاصد الإسلام الكبرى، وهذا يشار به إلى الانعتاق من سلطة النفس، ومحدودية التفكير ، والوعي بحقيقة الدعوة، وطرائق معالجة الأوضاع المتردية - أحيانًا - في بعض المجتمعات ، ومراعاة السنن الشرعية والكونية في منهج التغيير والإصلاح .
3-من المهم –كثيراً- أن ندرك الإمكان الشرعي والواقعي الذي نعيش فيه ، ونعمل على إيجاد تطبيق للمعاني الإسلامية في المجتمعات الإسلامية خاصة التي يُمَارَسُ ضدَّها تغييبٌ شديد يحاول طمس هويتها ، فبعض المجتمعات التي بهذه الصورة يفترض أن يكون القدر -الذي يحاول أهل الدعوة تحقيقه معهم- متناسباً في الإمكان مع الواقع الذي عاشوه ، لقد كان النجاشي في الحبشة ملكاً صالحاً ومؤمناً صلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ، وأثنى عليه خيراً مع أنه لم يكن يحكم بين النصارى بالقرآن ، ولا يقيم كثيراً من شعائر الإسلام -كما ذكر ذلك ابن تيمية- فهذا مبلغه من الإمكان .
4-يفترض على أهل الدعوة وشباب الصحوة أن يؤمنوا حقاً بأن هذه الشعوب الإسلامية ما تزال فيها الفطرة ، وعصمة الإسلام ومحبته ، ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى من انحرف في سلوكه بدرجة مُزْرية ، هذا في الجملة أمر مؤكد ، فمثل هذه العصم الكبار ، والمعاني الثابتة ، يجب أن تُحيا في صفوف سائر المسلمين حتى العصاة بل المجاهرين بكبائر الإثم ، فليس صحيحاً أن كثيراً من الخطاب الذي يقدمه شباب الدعوة إلى عوام الناس وسوادهم ليس فيه إلا لغة النهي عن المنكر .
إن لغة الأمر بالمعروف يجب أن تكون هي الأصل في الخطاب ، وبناء الإيمان في قلوب سواد الناس حتى لو بقي على بعض المعاصي ، فإن عنايته بأصول الإسلام وعِصَمِهِ الكبار هذا هو الأهم تحقيقه مع عباد الله ، وهو مقدمة ترك المعاصي .
5-يجب أن ندرك أننا حين نفكر بقلب المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات صحابية في الديانة والعلم فهذا يعني: أننا لم ندرك حقيقة السنن التي قدرها الله في هذه الأمة، صحيح أن الأمة فيها نُزّاع من الأخيار الأبرار ، وفيها -بحمد الله- طبقة واسعة من أصحاب العلم والدين والخلق والفضيلة ، لكن جمهورها فيه جهل وتقصير مع خير كثير ، فهذه الظاهرة يسعى لتخفيفها- وإن كان الأمر والنهي والدعوة يُقَال فيها- بترك المحرمات وفعل المشروعات ؛ لكن ندرك أن الناس كإبل مئة، كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ( الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة ) رواه مسلم عن ابن عمر. فهذا المعنى كما أنه على مستوى العمل فهو على مستوى التطبيق للأمر الشرعي أيضاً .
6-من المهم أن يتخلص بعض دعاة الإسلام من هيمنة التشاؤم على منهجهم ولغتهم وتعاملهم مع عوامّ وسواد المسلمين ، إنه حينما يكون الداعية وطالب العلم يدرك أنه لا يستعمل الأوراق الأخيرة والنَّفَس النهائي في محاولات الإصلاح والدعوة فهو - هنا - يتخلص من كثير من الأخطاء ، وربما صار الشعور باليأس من الإصلاح متأثراً بهذه التوقعات .
إن الأمة -اليوم- مع ما فيها على مستوى النخبة (أهل العلم ودعاة الإسلام) أو حتى على مستوى شباب الصحوة، أو حتى على مستوى سواد الأمة، كلّ هذه الفئات الثلاث مُهيَّأةٌ للعمل والقيام بدين الله ، ودفع السيئة بالحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، وأمر المؤمن خير كله في السراء والضراء ، كما في صحيح مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( عجباً لأمر المؤمن إنّ أمْرَه كلَّه له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سرّاءُ شكَرَ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاءُ صبَرَ فكان خيراً له ) .
7- من الحكمة الشرعية - فيما أرى - أن يتخلص الخطاب الإسلامي من التعامل بلغة واحدة ، حيث تجد بعض أهل الدعوة والعلم جَمَع أزمة الأمة في الواقع السياسي الذي تعيشه ، فتراه لا يمارس إلا هذه اللغة وأن الواقع السياسي هو قضية كل قضايا الأمة !! وتجد نمطاً آخر من الخطاب الإسلامي لا يخاطب إلا أهل الصلاح والبر والتقوى ، يؤدبهم بالمشروعات والفضائل حيث لا يتصور –هنا- الكلام في الأصول الواجبة ؛ لأن هذه النخبة متفاعلة معها ، وربما يكون هذا الخطاب أداة لفصل المجتمع الإسلامي إلى طبقات تعيش العزلة والصراع الشعوري - أحياناً - فيما بين أهل الصحوة وبقية طبقات المجتمع المسلم الذي قد لا يكون ذا طابع دعوي لكنه مسلم وفيه خير .
إن الرسل بعثوا إلى قوم مشركين، وهكذا أتباعهم يجب أن يخاطبوا كل أحد، فإن جميع عباد الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ومن المهم –هنا- أن يعمل شباب الصحوة ودعاتها على كافة المواقع الدعوية، وأن يصبّر بعضهم بعضاً، ويصدّق بعضهم بعضاً، ويعذر بعضهم بعضاً فيما يقبل الاختلاف والتنوع والاجتهاد .
وهنا يجب أن يكون دعاة الإسلام أكثر تأصيلاً وواقعية، فإن تقدير دائرة ما يقبل الاجتهاد وما لا يسع فيه الخلاف وأمثال ذلك من أكبر مقاصد الشريعة ، وأدقّ مقامات العلم ، فهذا يستلزم أن تحكم هذه القضايا بالأدلة الشرعية من الكتاب، والسنة، والإجماع .
8-من المهم أن يُربَّى شباب الدعوة -وسواد المسلمين عموماً- على قواعد الشرع الصحيحة في التعامل ، والحكم على القضايا والمجتمعات والأعمال الإسلامية ، وحتى من الأعيان من أهل العلم، أو الدعوة، أو الحركة داخل الجماعات التي توجد في كثير من البلاد الإسلامية ، وهنا فإن كل من أهمّه هذا الدين والدعوة إليه، وقصد هَدْيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في دعوته حسب ما أمكنه، فهذا مما ينبغي أن يعظم قدره ويثنى عليه بخير، ويعان على طاعة الله والدعوة إلى دين الإسلام ، وما يكتنفه من الخطأ يصحّح بالدليل والرفق فإن الله - تعالى - قال عن الخضر : "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما" فهكذا أهل الدعوة إلى دين الإسلام عليهم أن يُرَبُّوا أنفسهم على الرحمة والعلم ، فإن الداعي لا بدّ له من جمعهما، وكل يؤخذ من قوله ويرد فهذه من القواعد المهمة، فليس ممكناً أن يكون الدعاة وأهل العلم لا يقولون إلا صواباً ، فإنهم ليسوا معصومين، بل منهم من يخطئ فيصيب غيره ، ولا يجمع الله الأمة على الخطأ ، وعليه فينبغي أن نعلم أن من أكبر مقاصد الشريعة جمع القلوب على الدين والهدى، والرفق في البيان والدعوة ، وهنا ينبغي أن يتربى الناس على أن الصواب صواب ، والخطأ خطأ لكن الخطأ الواحد ليس يقتضي ضرورة مصادرة الآخرين أو الرمي بالشَّين ، ومما يؤسف كثيراً أن طائفة من الأمة ممن هم على الإسلام ويقتدون بالكتاب والسنة في دعوتهم قد تفرغ بعضهم لبعض ، واتخذ نوع من هؤلاء العلم بغياً بينهم كما اتخذه أهل الكتاب من قبل ، وهذا من أخلاق الأمم الكافرة التي دخلت على بعض فضلاء المسلمين ، وصار كثير منهم لا يحسب غيره ـ من دعاة الإسلام ـ على شيء ، كما أن اليهود والنصارى كان هذا خلقهم "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء " وهنا يذكر الإمام ابن تيمية أن هذه الصور من التشبه العلمي بأحوال وأخلاق أهل الكتاب التي دخلت على بعض أهل العلم والشريعة في هذه الأمة .
إن كثيراً من الشباب - وربما بعض الدعاة - يشتد في محاربة صورة من صور التشبه في اللباس –مثلاً- على مستوى الأطفال ، وهذا نظر جيد، لكنه ربما يمارس أو يغفل عن معالجة صور أخرى للتشبه بالكفار ضررها متعدٍّ إلى مستوى التأثير على حركة الدعوة والإصلاح .