رمضان شهر القيام، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: " يا أيُّها المُزَّمِلُ قُمْ الَّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً"[المزمل: 1-5 ].
ويقول سبحانه في صفة عباده المحسنين: " كَانُوا قَلِيلاً مِنَ الَّيْلِ مَا يَهُجَعُونَ وبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "[الذاريات: 17، 18].
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](1)[/sup][/url].
وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفَلَ[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](2)[/sup][/url] الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما اسْتَبَنْتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](3)[/sup][/url]، إذن، ففضل قيام الليل – عمومًا- فضل عظيم، بدلالة تلك النصوص.
وفي قيام رمضان خاصة يقول النبي صلى الله عليه وسلم،كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](4)[/sup][/url].
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان، كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا؛ فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهّد، ثم قال: ( أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](5)[/sup][/url].
وروى أهل السنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئًا منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل. فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](6)[/sup][/url] بقية ليلتنا هذه. فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ فإنه يعدل قيام ليلة، ثم كانت الرابعة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها، قال: فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئًا من بقية الشهر"[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](7)[/sup][/url]. وفي سند هذا الحديث ومتنه كلام طويل.
وحول قيام رمضان هناك عدة تنبيهات:
الأول: حول عدد صلاة التراويح:
فالناس مختلفون اختلافًا كبيرًا في عددها من إحدى عشرة ركعة إلى تسع وأربعين ركعة، وما بين هذين العددين، والذي يعنينا في هذا المقام أمور، منها:
أولاً: كم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أصح ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](8)[/sup][/url].
لكنه صلى الله عليه وسلم كان يطيلها ويحسنها، كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث نفسه.
— ثانياً: ما الذي فعله الصحابة ؟
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم زال الخوف أن تفرض صلاة التراويح؛ فأمر عمر رضي الله عنه المسلمين أن يجتمعوا على الصلاة، حيث دخل المسجد فوجدهم أوزاعًا[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](9)[/sup][/url]: يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرجل والرجلان والرهط..؛ فرأى عمر أن يجمعهم على إمام واحد، فأمر أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري رضي الله عنهما أن يصليا بالناس. فكم- يا ترى- صليا بالناس؟
ورد في ذلك روايتان كلتاهما صحيحة، وهما من طريق السائب بن يزيد.
الرواية الأولى: أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة.
والرواية الثانية: أن تميم بن أوس الداري وأبي بن كعب -رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين، وفي رواية ثلاثًا وعشرين ركعة.
أما رواية إحدى عشرة فهي في موطأ مالك[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](10)[/sup][/url]، وسندها صحيح.
وأما رواية إحدى وعشرين فهي في مصنف عبد الرزاق[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](11)[/sup][/url]، وسندها صحيح أيضًا. وفي النفس شيء من رواية عبد الرزاق رحمه الله هذه؛ لمخالفتها الثابت والأقوى، لا سيما والحادثة واحدة.
ويزيد بن رومان لم يدرك عمر، فكيف تكون الرواية صحيحة، لا سيما وأنها خالفت الثابت الذي لا مطعن فيه كما عند مالك.
وأما رواية ثلاث وعشرين فهي في سنن البيهقي[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](12)[/sup][/url]، وسندها صحيح كذلك.
فما الموقف من ذلك؟
بعض أهل العلم حكموا على رواية إحدى وعشرين وثلاث وعشرين بالشذوذ.
وبعضهم جمعوا بينها؛ كما فعل الحافظ ابن حجر - رحمه الله- حيث قال: "إنه يحمل على التنوع والتعدد بحسب الأحوال وحاجة الناس، فأحيانًا كانوا يصلون إحدى عشرة، وأحيانًا إحدى وعشرين، وأحيانًا ثلاثا وعشرين، بحسب نشاط الناس وقوتهم. فإن صلوا إحدى عشرة أطالوا حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ".
وإن صلوا ثلاثًا وعشرين خففوها، بحيث لا يشق ذلك على الناس. وهذا جمع حسن.
وثمت احتمال آخر، وهو أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة - وهذا لم تختلف فيه الروايات-، ولكن أبيًّا وتميمًا - رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين أو ثلاثًا وعشرين؛ فالأمر من عمر بإحدى عشرة، والفعل منهما كان بإحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وذلك قد يكون بناء على أمر عرض لهما، رَأَيَا فيه أن المصلحة أن يصليا إحدى وعشرين أو ثلاثا وعشرين؛ لحاجة الناس إلى ذلك، كأن يكون الناس يستطيلون القيام والركوع والسجود وغيره حينما يصلون إحدى عشرة ركعة، فرأوا أن تكون الصلاة إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين ركعة، يخففون فيها القيام، والركوع، والسجود؛ ليكون أمكنَ لهم في العبادة. وهذا الجمع ممكن أيضًا، والأقرب هو أن الصحيح رواية إحدى عشرة، وأن رواية إحدى وعشرين وثلاثاً وعشرين شاذة فلا ينطبق عليها شرط الصحيح.
وسواء صلَّى الناس إحدى عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين؛ فإن الأمر الذي ينبغي التنبيه إليه أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أنه لا تجوز الزيادة في التراويح على إحدى عشرة ركعة؛ قول ضعيف جدًا، لا ينبغي الالتفات إليه، لسببين:
الأول: لأن الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن صلاة الليل؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (مثنى مثنى...)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](13)[/sup][/url] وهذا الأعرابي ما كان يعرف صفة صلاة الليل ولم يكن يعلم كم كان -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ فأطلق صلى الله عليه وسلم ولم يقيد بعدد، فضلاً عن أن يعرف عددها، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك: (مثنى مثنى...)(13) أي: تسلم من كل ركعتين، ولم يحدد له في ذلك عددًا محدودًا؛ بل أطلق الأمر.
الثاني: أن النوافل المطلقة جائزة على الإطلاق ليلاً ونهارًا، إلا في أوقات النهي، فلو صلى الإنسان قبل الظهر، أو بعد الظهر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء، أو في الضحى ما تيسر له: ركعتين، أو أربعًا، أو عشرًا، أو عشرين؛ فلا بأس، فهذه نوافل مطلقة، وجماهير الأمة - بما فيهم الأئمة الأربعة- على أنها لا تُحدَّ بعدد لا يزاد، وإن كان منهم من يقول: إن هناك عددًا أفضل من عدد آخر.
ويقول سبحانه في صفة عباده المحسنين: " كَانُوا قَلِيلاً مِنَ الَّيْلِ مَا يَهُجَعُونَ وبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "[الذاريات: 17، 18].
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](1)[/sup][/url].
وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفَلَ[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](2)[/sup][/url] الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما اسْتَبَنْتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](3)[/sup][/url]، إذن، ففضل قيام الليل – عمومًا- فضل عظيم، بدلالة تلك النصوص.
وفي قيام رمضان خاصة يقول النبي صلى الله عليه وسلم،كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](4)[/sup][/url].
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان، كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا؛ فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهّد، ثم قال: ( أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](5)[/sup][/url].
وروى أهل السنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئًا منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل. فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](6)[/sup][/url] بقية ليلتنا هذه. فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ فإنه يعدل قيام ليلة، ثم كانت الرابعة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها، قال: فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئًا من بقية الشهر"[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](7)[/sup][/url]. وفي سند هذا الحديث ومتنه كلام طويل.
وحول قيام رمضان هناك عدة تنبيهات:
الأول: حول عدد صلاة التراويح:
فالناس مختلفون اختلافًا كبيرًا في عددها من إحدى عشرة ركعة إلى تسع وأربعين ركعة، وما بين هذين العددين، والذي يعنينا في هذا المقام أمور، منها:
أولاً: كم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أصح ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](8)[/sup][/url].
لكنه صلى الله عليه وسلم كان يطيلها ويحسنها، كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث نفسه.
— ثانياً: ما الذي فعله الصحابة ؟
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم زال الخوف أن تفرض صلاة التراويح؛ فأمر عمر رضي الله عنه المسلمين أن يجتمعوا على الصلاة، حيث دخل المسجد فوجدهم أوزاعًا[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](9)[/sup][/url]: يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرجل والرجلان والرهط..؛ فرأى عمر أن يجمعهم على إمام واحد، فأمر أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري رضي الله عنهما أن يصليا بالناس. فكم- يا ترى- صليا بالناس؟
ورد في ذلك روايتان كلتاهما صحيحة، وهما من طريق السائب بن يزيد.
الرواية الأولى: أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة.
والرواية الثانية: أن تميم بن أوس الداري وأبي بن كعب -رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين، وفي رواية ثلاثًا وعشرين ركعة.
أما رواية إحدى عشرة فهي في موطأ مالك[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](10)[/sup][/url]، وسندها صحيح.
وأما رواية إحدى وعشرين فهي في مصنف عبد الرزاق[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](11)[/sup][/url]، وسندها صحيح أيضًا. وفي النفس شيء من رواية عبد الرزاق رحمه الله هذه؛ لمخالفتها الثابت والأقوى، لا سيما والحادثة واحدة.
ويزيد بن رومان لم يدرك عمر، فكيف تكون الرواية صحيحة، لا سيما وأنها خالفت الثابت الذي لا مطعن فيه كما عند مالك.
وأما رواية ثلاث وعشرين فهي في سنن البيهقي[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](12)[/sup][/url]، وسندها صحيح كذلك.
فما الموقف من ذلك؟
بعض أهل العلم حكموا على رواية إحدى وعشرين وثلاث وعشرين بالشذوذ.
وبعضهم جمعوا بينها؛ كما فعل الحافظ ابن حجر - رحمه الله- حيث قال: "إنه يحمل على التنوع والتعدد بحسب الأحوال وحاجة الناس، فأحيانًا كانوا يصلون إحدى عشرة، وأحيانًا إحدى وعشرين، وأحيانًا ثلاثا وعشرين، بحسب نشاط الناس وقوتهم. فإن صلوا إحدى عشرة أطالوا حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ".
وإن صلوا ثلاثًا وعشرين خففوها، بحيث لا يشق ذلك على الناس. وهذا جمع حسن.
وثمت احتمال آخر، وهو أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة - وهذا لم تختلف فيه الروايات-، ولكن أبيًّا وتميمًا - رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين أو ثلاثًا وعشرين؛ فالأمر من عمر بإحدى عشرة، والفعل منهما كان بإحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وذلك قد يكون بناء على أمر عرض لهما، رَأَيَا فيه أن المصلحة أن يصليا إحدى وعشرين أو ثلاثا وعشرين؛ لحاجة الناس إلى ذلك، كأن يكون الناس يستطيلون القيام والركوع والسجود وغيره حينما يصلون إحدى عشرة ركعة، فرأوا أن تكون الصلاة إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين ركعة، يخففون فيها القيام، والركوع، والسجود؛ ليكون أمكنَ لهم في العبادة. وهذا الجمع ممكن أيضًا، والأقرب هو أن الصحيح رواية إحدى عشرة، وأن رواية إحدى وعشرين وثلاثاً وعشرين شاذة فلا ينطبق عليها شرط الصحيح.
وسواء صلَّى الناس إحدى عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين؛ فإن الأمر الذي ينبغي التنبيه إليه أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أنه لا تجوز الزيادة في التراويح على إحدى عشرة ركعة؛ قول ضعيف جدًا، لا ينبغي الالتفات إليه، لسببين:
الأول: لأن الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن صلاة الليل؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (مثنى مثنى...)[url=http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-6295.htm#1][sup](13)[/sup][/url] وهذا الأعرابي ما كان يعرف صفة صلاة الليل ولم يكن يعلم كم كان -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ فأطلق صلى الله عليه وسلم ولم يقيد بعدد، فضلاً عن أن يعرف عددها، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك: (مثنى مثنى...)(13) أي: تسلم من كل ركعتين، ولم يحدد له في ذلك عددًا محدودًا؛ بل أطلق الأمر.
الثاني: أن النوافل المطلقة جائزة على الإطلاق ليلاً ونهارًا، إلا في أوقات النهي، فلو صلى الإنسان قبل الظهر، أو بعد الظهر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء، أو في الضحى ما تيسر له: ركعتين، أو أربعًا، أو عشرًا، أو عشرين؛ فلا بأس، فهذه نوافل مطلقة، وجماهير الأمة - بما فيهم الأئمة الأربعة- على أنها لا تُحدَّ بعدد لا يزاد، وإن كان منهم من يقول: إن هناك عددًا أفضل من عدد آخر.