الوسائل الإعلامية عموماً تنقسم إلى قسمين:
الأول: وسائل سليمة المضمون، سواء كانت علمية، أو دعوية، أو تربوية..
وهذه الوسائل هدفها الرئيس هو دعوة الناس إلى دين الله، ونشر الوعي الشرعي, وتخصص أحياناً برامج ترفيهية لا تعارض الشريعة الإسلامية في أغلبها.
الثاني: وسائل غير خالصة المضمون، يغلب عليها اللهو غير البريء من عري وفساد وبدع وشبهات, إلا أنها قد تخصص على خارطتها برامج للفتيا.
وحيث إن هذه الوسائل حادثة في عصرنا، فالكلام فيها للمعاصرين, وقد اختلفوا على قولين، باستثناء مَن تحفظ لتكافؤ الأدلة عنده.
القول الأول: عدم الجواز، واستدلوا بأدلة منها:
1-أن ذلك بدعة في الدين, حيث إن الله عز وجل قد أتم دينه، وأكمل نعمته, والدعوة لا تكون إلا بما شرع, وهذا الصنف ليس من المنصوص عليه، ولا من المشروع.
ونوقش: بأنها دعوى ضعيفة مناقضة لأصول الشرع وقواعده, فتبليغ الدين بالدعوة والفتيا من جنس الجهاد والحسبة وغيرها, والأصل فيها النظر إلى المعنى لا أنها تعبدية محضة، فوسائلها لها أحكام المقاصد, فهي مشروعة لتأديتها مقصداً مشروعاً.
كما أن الشريعة حثت على العلم وتبليغه، ولم تربطه بطريقة معينة، وإنما هو حسب الوسع والطاقة، (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) البخاري.
قال الشاطبي في الاعتصام: التبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة لأنه من قبيل المعقول المعنى فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة وغيرها، كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفية دون أخرى إذا لم يعد على الأصل بإبطال، كمسألة المصحف، ولذلك أجمع عليه السلف الصالح، وأما ما سوى المصحف فالأمر فيه أسهل.
2-قالوا إن برامج الفضائيات مشتملة على التصوير، وهو محرم.
ونوقش: بأن التصوير المنهي عنه في الأحاديث لا يشمل مقصودنا بالكلام, وما يظهر في الفضائيات إنما هو حبس ظل الأجسام المنعكسة على الآلة, فهو كالمرآة، فلا تنطبق عليه كلمة "صورة".
ثم لو سلمنا بالتحريم, فإنه يناقش بأن تبليغ الرسالة على الوجه الأكمل متوقف على ذلك, وتركه إضعاف للبلاغ, فهو من باب ارتكاب أخف الضررين ودرء أعلى المفسدتين, ووسائل الإعلام أصبحت أهم محاور الاتصال في عصرنا, والشريعة لا تبطل كل ما أعان على تبليغها بلاغاً صحيحاً، (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) الترمذي.
3-قالوا: إن المفتي يصانع من أجل طبيعة الفضائيات.
ونوقش: بأن ذلك لا يُسلَّم, فلو لم يخرج المفتي في الفضائيات لكان ذلك من كتم العلم, وهو مناقض لأمر الشريعة بالتبليغ بكل طريق مع انتشار المسلمين في الأرض، وقلة المفتين المؤهلين.
ثم لو سلمنا بكتمان المفتي لبعض الحق, فليس ذلك قادحاً في أصل المشاركة, إذ المطلوب هو البلاغ قدر الوسع والطاقة, وما لا يقال في فضائية يقال في غيرها, والمقصود ألا ينطق بالباطل لغرض أو لآخر, وما يقال في الفضائيات من المصانعة يقال في غيرها، كالمنبر أو سواه, وقدر من ذلك مطلوب لتحصيل المصلحة.
4-قالوا إن خروج المفتين في الفضائيات يضطر الناس إلى المحرم, وهو اقتناء الأجهزة الخاصة بها, ومشاهدة النساء صور الرجال.
ويجاب عنه: بأنه قد عُلم لكل أحد أنه قلّ بيت إلا ودخلته هذه الأجهزة, والقول بغير هذا مجازفة, وأن مصلحة هذه البرامج غالبة على مفسدتها.
القول الثاني: الجواز, وهو المذهب المعروف عند الكافة من أهل المعرفة والفقه بالشريعة, حتى لا يكاد يعرف سواه، واستدلوا بـ:
1-أن نصوص الشريعة متضافرة على البيان والبلاغ, دون تقييد بوسيلة، "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ"[آل عمران:187].
2-أن الفتوى من الدعوة إلى الله, والأصل في وسائل هذا الباب الإباحة لا التوقيف، فكل وسيلة أفضت إلى تبليغ خير دون مفسدة راجحة, فهي مشروعة, ومن هذا الباب أفتى الشيخ السعدي بجواز العمل بالبرقية، وأصوات المدافع في ثبوت الصوم والفطر.
ومثل هذا لا يحتاج إلى فتوى، لكن لغرابته ووهل بعض النفوس منه فزعوا إلى فتاوى العلماء وبياناتهم.
والذي نراه القول الثاني, وهو الجواز، وذلك لضعف مباني ومسالك القائلين بالمنع, فعدم ورود النص لا يدل على المنع, خاصة لعدم الدليل الصريح, وأن المقصود يفضي إلى مصلحة معتبرة، بل الأمر يرتقي إلى الوجوب، خاصة لمن تمكن من الأئمة وتحصلت له القدرة, وتميز في هذا الميدان, فهي من ضرورات الحياة والحال والدعوة التي لا مجال للجدل حولها أو الاختلاف.
إن تخلف الرأي الفقهي وحصول الجدل الأولي كان سبباً في ضعف أداء الدعاة وتأخر مشاركتهم وترددهم وسبق غيرهم لهم.
أما المشاركة في وسائل الإعلام غير خالصة المضمون، والتي تشتمل على محرم، فالقول في هذه المسألة كالقول في الأولى منعاً وجوازاً, إلا أن المفسدة في هذه القسم أظهر من الحالة الأولى.
القول الأول: عدم الجواز، وحجج القائلين بعدم جواز المشاركة في هذا الصنف من الوسائل ما يلي:
-استدلوا بما قال به أصحاب القسم الأول في المنع، وأضافوا:
1-أن هذه الوسائل وضعت لتفضي إلى محرم، وليس لمباح.
2-ظهور المرأة سافرة فيها.
3-عدم اشتمال برامجها على هدف سامٍِ يحض على القيم الخلق.
4-ينطبق عليها قول الله عزل وجل: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ".
5-تندرج تحت قوله –صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ)، الترمذي والنسائي.
6-ظهور بعض الدعاة فيها هو من قبيل الحق القليل في الباطل الكثير، فهو سخرية بالدين، وتقليل من شأنه.
7-ظهور الدعاة فيها يعطيها صبغة شرعية.
القول الثاني: الجواز، وجوابهم على حجج المانعين مايلي:
1-القول بالتحريم لا يسلم, لأنه من باب تحريم الوسائل لا المقاصد, والوسائل تباح لمصلحة راجحة، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة, كما أبيحت العرايا من ربا الفضل, وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر, وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم.
2- قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناءً على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مال لرجل يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك. ووسائل الإعلام من هذا الباب. انظر القرافي (ج3/ص47).
3-المشهور من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم- حضور مواسم الجاهلية على ما فيها من سخرية بالدين وشرك وغيره، تبليغاً للحق, وهو واقع وسائل الإعلام الآن, ومزاحمة أهل الحق لأهل الباطل من هذا القبيل.
4-ما جاء عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبيٍّّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ..)، البخاري.
فإن جاز مخالطة المشركين مع ما يصاحبها من الباطل والسخرية فالمشاركة في تلك الوسائل أولى.
5-ظهور الدعاة والمعنيين في تلك الوسائل هو تقديم للإسلام بصورته العالمية.
6-أن كل مذهب ونحلة تتبارى مع الأخرى في تجلية نفسها، وعرض ما لديها أمام الناس, ونكول أهل الفقه عن ذلك ليس في محله, فهم أولى الناس بميدان الفضائيات.
7-الإفتاء في محافل الفضائيات يشبه إلى حد كبير الإفتاء في المحافل العامة قديماً, والتي كان السلف يعقدون لها المجالس العامة تعليماً وإفتاءً.
8-أن القول بقاعدة سد الذرائع لن يطبقه إلا المخلصون من العلماء، وسيترك الميدان للمبتدعة وأصحاب الأهواء.
9-أن معظم من يبحث المسألة ينظر إلى المفاسد العائدة على أفراد الأمة, وآحادها دون النظر لمصلحة عموم الأدلة.
وبعد ذلك أرى جواز مشاركة أهل العلم في تلك الوسائل، مع محاولة جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
والأمر أقرب إلى تعيّن الوجوب على المتأهلين القادرين, فضلا عن أن الكثير من القنوات والإذاعات غلب عليها مادة رديئة، بسبب ضعف المادة النافعة، أو عدم وجود من يقدمها بمهنية واحتراف وذكاء, فضلا عن ميل المتلقين للهزل والترفيه، ورغبتهم عن المواد الجادة.
الأول: وسائل سليمة المضمون، سواء كانت علمية، أو دعوية، أو تربوية..
وهذه الوسائل هدفها الرئيس هو دعوة الناس إلى دين الله، ونشر الوعي الشرعي, وتخصص أحياناً برامج ترفيهية لا تعارض الشريعة الإسلامية في أغلبها.
الثاني: وسائل غير خالصة المضمون، يغلب عليها اللهو غير البريء من عري وفساد وبدع وشبهات, إلا أنها قد تخصص على خارطتها برامج للفتيا.
وحيث إن هذه الوسائل حادثة في عصرنا، فالكلام فيها للمعاصرين, وقد اختلفوا على قولين، باستثناء مَن تحفظ لتكافؤ الأدلة عنده.
القول الأول: عدم الجواز، واستدلوا بأدلة منها:
1-أن ذلك بدعة في الدين, حيث إن الله عز وجل قد أتم دينه، وأكمل نعمته, والدعوة لا تكون إلا بما شرع, وهذا الصنف ليس من المنصوص عليه، ولا من المشروع.
ونوقش: بأنها دعوى ضعيفة مناقضة لأصول الشرع وقواعده, فتبليغ الدين بالدعوة والفتيا من جنس الجهاد والحسبة وغيرها, والأصل فيها النظر إلى المعنى لا أنها تعبدية محضة، فوسائلها لها أحكام المقاصد, فهي مشروعة لتأديتها مقصداً مشروعاً.
كما أن الشريعة حثت على العلم وتبليغه، ولم تربطه بطريقة معينة، وإنما هو حسب الوسع والطاقة، (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) البخاري.
قال الشاطبي في الاعتصام: التبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة لأنه من قبيل المعقول المعنى فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة وغيرها، كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفية دون أخرى إذا لم يعد على الأصل بإبطال، كمسألة المصحف، ولذلك أجمع عليه السلف الصالح، وأما ما سوى المصحف فالأمر فيه أسهل.
2-قالوا إن برامج الفضائيات مشتملة على التصوير، وهو محرم.
ونوقش: بأن التصوير المنهي عنه في الأحاديث لا يشمل مقصودنا بالكلام, وما يظهر في الفضائيات إنما هو حبس ظل الأجسام المنعكسة على الآلة, فهو كالمرآة، فلا تنطبق عليه كلمة "صورة".
ثم لو سلمنا بالتحريم, فإنه يناقش بأن تبليغ الرسالة على الوجه الأكمل متوقف على ذلك, وتركه إضعاف للبلاغ, فهو من باب ارتكاب أخف الضررين ودرء أعلى المفسدتين, ووسائل الإعلام أصبحت أهم محاور الاتصال في عصرنا, والشريعة لا تبطل كل ما أعان على تبليغها بلاغاً صحيحاً، (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) الترمذي.
3-قالوا: إن المفتي يصانع من أجل طبيعة الفضائيات.
ونوقش: بأن ذلك لا يُسلَّم, فلو لم يخرج المفتي في الفضائيات لكان ذلك من كتم العلم, وهو مناقض لأمر الشريعة بالتبليغ بكل طريق مع انتشار المسلمين في الأرض، وقلة المفتين المؤهلين.
ثم لو سلمنا بكتمان المفتي لبعض الحق, فليس ذلك قادحاً في أصل المشاركة, إذ المطلوب هو البلاغ قدر الوسع والطاقة, وما لا يقال في فضائية يقال في غيرها, والمقصود ألا ينطق بالباطل لغرض أو لآخر, وما يقال في الفضائيات من المصانعة يقال في غيرها، كالمنبر أو سواه, وقدر من ذلك مطلوب لتحصيل المصلحة.
4-قالوا إن خروج المفتين في الفضائيات يضطر الناس إلى المحرم, وهو اقتناء الأجهزة الخاصة بها, ومشاهدة النساء صور الرجال.
ويجاب عنه: بأنه قد عُلم لكل أحد أنه قلّ بيت إلا ودخلته هذه الأجهزة, والقول بغير هذا مجازفة, وأن مصلحة هذه البرامج غالبة على مفسدتها.
القول الثاني: الجواز, وهو المذهب المعروف عند الكافة من أهل المعرفة والفقه بالشريعة, حتى لا يكاد يعرف سواه، واستدلوا بـ:
1-أن نصوص الشريعة متضافرة على البيان والبلاغ, دون تقييد بوسيلة، "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ"[آل عمران:187].
2-أن الفتوى من الدعوة إلى الله, والأصل في وسائل هذا الباب الإباحة لا التوقيف، فكل وسيلة أفضت إلى تبليغ خير دون مفسدة راجحة, فهي مشروعة, ومن هذا الباب أفتى الشيخ السعدي بجواز العمل بالبرقية، وأصوات المدافع في ثبوت الصوم والفطر.
ومثل هذا لا يحتاج إلى فتوى، لكن لغرابته ووهل بعض النفوس منه فزعوا إلى فتاوى العلماء وبياناتهم.
والذي نراه القول الثاني, وهو الجواز، وذلك لضعف مباني ومسالك القائلين بالمنع, فعدم ورود النص لا يدل على المنع, خاصة لعدم الدليل الصريح, وأن المقصود يفضي إلى مصلحة معتبرة، بل الأمر يرتقي إلى الوجوب، خاصة لمن تمكن من الأئمة وتحصلت له القدرة, وتميز في هذا الميدان, فهي من ضرورات الحياة والحال والدعوة التي لا مجال للجدل حولها أو الاختلاف.
إن تخلف الرأي الفقهي وحصول الجدل الأولي كان سبباً في ضعف أداء الدعاة وتأخر مشاركتهم وترددهم وسبق غيرهم لهم.
أما المشاركة في وسائل الإعلام غير خالصة المضمون، والتي تشتمل على محرم، فالقول في هذه المسألة كالقول في الأولى منعاً وجوازاً, إلا أن المفسدة في هذه القسم أظهر من الحالة الأولى.
القول الأول: عدم الجواز، وحجج القائلين بعدم جواز المشاركة في هذا الصنف من الوسائل ما يلي:
-استدلوا بما قال به أصحاب القسم الأول في المنع، وأضافوا:
1-أن هذه الوسائل وضعت لتفضي إلى محرم، وليس لمباح.
2-ظهور المرأة سافرة فيها.
3-عدم اشتمال برامجها على هدف سامٍِ يحض على القيم الخلق.
4-ينطبق عليها قول الله عزل وجل: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ".
5-تندرج تحت قوله –صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ)، الترمذي والنسائي.
6-ظهور بعض الدعاة فيها هو من قبيل الحق القليل في الباطل الكثير، فهو سخرية بالدين، وتقليل من شأنه.
7-ظهور الدعاة فيها يعطيها صبغة شرعية.
القول الثاني: الجواز، وجوابهم على حجج المانعين مايلي:
1-القول بالتحريم لا يسلم, لأنه من باب تحريم الوسائل لا المقاصد, والوسائل تباح لمصلحة راجحة، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة, كما أبيحت العرايا من ربا الفضل, وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر, وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم.
2- قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناءً على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مال لرجل يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك. ووسائل الإعلام من هذا الباب. انظر القرافي (ج3/ص47).
3-المشهور من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم- حضور مواسم الجاهلية على ما فيها من سخرية بالدين وشرك وغيره، تبليغاً للحق, وهو واقع وسائل الإعلام الآن, ومزاحمة أهل الحق لأهل الباطل من هذا القبيل.
4-ما جاء عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبيٍّّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ..)، البخاري.
فإن جاز مخالطة المشركين مع ما يصاحبها من الباطل والسخرية فالمشاركة في تلك الوسائل أولى.
5-ظهور الدعاة والمعنيين في تلك الوسائل هو تقديم للإسلام بصورته العالمية.
6-أن كل مذهب ونحلة تتبارى مع الأخرى في تجلية نفسها، وعرض ما لديها أمام الناس, ونكول أهل الفقه عن ذلك ليس في محله, فهم أولى الناس بميدان الفضائيات.
7-الإفتاء في محافل الفضائيات يشبه إلى حد كبير الإفتاء في المحافل العامة قديماً, والتي كان السلف يعقدون لها المجالس العامة تعليماً وإفتاءً.
8-أن القول بقاعدة سد الذرائع لن يطبقه إلا المخلصون من العلماء، وسيترك الميدان للمبتدعة وأصحاب الأهواء.
9-أن معظم من يبحث المسألة ينظر إلى المفاسد العائدة على أفراد الأمة, وآحادها دون النظر لمصلحة عموم الأدلة.
وبعد ذلك أرى جواز مشاركة أهل العلم في تلك الوسائل، مع محاولة جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
والأمر أقرب إلى تعيّن الوجوب على المتأهلين القادرين, فضلا عن أن الكثير من القنوات والإذاعات غلب عليها مادة رديئة، بسبب ضعف المادة النافعة، أو عدم وجود من يقدمها بمهنية واحتراف وذكاء, فضلا عن ميل المتلقين للهزل والترفيه، ورغبتهم عن المواد الجادة.