[justify]إن الإنسان حين يستخدم آلة العقل التي أنعم الله عليه بها في نفسه وفيما حوله، ويتلبس بالحالة الذهنية التي توظف المعلومات، وتنتج الأفكار، وتحول المواد الخام إلى صناعة عقلية راقية فهو بذلك كله يترقى في مدارج الوعي، وذلك كله نتيجة عمل العقل، الذي لا يقف جامداً أمام الأشياء، بل يعالج فيها دواخلها، ويسارق النظر إلى بواطنها، والقرآن يذم المشركين؛ لأنهم "صم بكم عمي فهم لا يعقلون"، وفي الآية الأخرى: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" في إشارة لمصادر الوعي:
1- البديهيات الفطرية التي يتعامل الناس معها في عملية الوعي على أساس أنها مسلمات، أو ما يسميها المناطقة بالضروريات، مثل أن الكل أكبر من الجزء وغيره، ويستفيد من عقولهم في فهم هذه البديهيات واستعمالها واستخدامها لحياتهم، وإلى ذلك الإشارة في الآية: "والفؤاد".
2- المحسوسات التي يراها الناس أو يسمعونها أو يشعرون بها، فهذه الأشياء أشبه بمواد قابلة للاستعمال والاستخدام؛ لتوظيفها في علمية الوعي، والاستفادة منها في ذلك، وإليها الإشارة في الآية "والبصر".
3- الشرع الديني أو (الوحي) من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإليها الإشارة في الآية بقوله تعالى: "السمع".
إن هذه المصادر الثلاث تتيح للإنسان المسلم أفقاً معرفياً واسعاً للوعي بنفسه، وبالأشياء من حوله، وبالعالم الذي يحيط به؛ ليجمع المسلم بين الفطرة والاكتساب المعرفي الذي هو عمل العقل بالتفكير للبحث عن الحق والمعرفة، وتوظيفها واستثمارها فيما يناسب هذا الحق والخير.
إن الوعي عملية فقه دقيق، وفهم عميق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها)، فعبر بالوعي لأنها عملية أدق من مجرد النقل، فالإنسان الذي يملك وعياً يصبح له مقام التأثر والدعوة والاستنباط والتحليل، ولذلك يقول ابن تيمية: إن أبا هريرة يحفظ النصوص، وإن ابن عباس يفجر النصوص.
بمعنى أنه يحللها ويستنبط منها ويمارس عليها عملية الوعي التي تنظم التفكير وتقوّم العمل.
إن أول مدارج الوعي: الوعي بالنفس، فالوعي بالنفس أولاً، ومع أن العلم الحديث جَسَر على فجاج العالم وصحاريه وسهوله إلا أنه وقف مذهولاً أمام نفسه، ومنذ قرابة القرن والعلم الحديث يكشف شيئاً يسيراً عن نفسه، ويعترف بأنه غابت عنه أشياء من تكوين هذا الإنسان وتركيبه وخلاياه وعظامه عضوياً ونفسياً وعقلياً وروحياً.
والشيء الذي نعرفه عن أنفسنا يجأر إلى الله بالوحدانية والملكوت، "وإن من شيء
إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم".
ولقد حث الله عز وجل على أشكال المعرفة والوعي، وعلى الوعي بالنفس بالخصوص فقال: "في الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، فالوعي بالنفس من أجل خصائص الإنسان، ووعي الإنسان بنفسه هو معرفته بقدراته وإمكاناته لتوظيفها فيما يخدم هذا الوعي، واستكشاف طاقات النفس لاستغلالها في عمارة الأرض، والقيام عليها بالرعاية والعناية، ومعرفة مواطن الخلل والقصور في التفكير والعمل والإدراك، والنظر لإصلاح ذلك، لكن الكثير من الناس لم يجد وقتاً لذلك، فهو مشغول بتتبع زلات الآخرين وأخطائهم ومراقبة الناس، ومن حق العلم أن تمارس علمية النقد والتقويم، بل هي مدرج آخر للوعي، لكنها دون أن تكون على حساب النفس، فتصبح مثل الذي يعرف القذى في عين أخيه ولا يعرف الجذع في عينه!
ومن أبرز علامات الوعي بالنفس ممارسة نقد الذات، وملاحظتها اجتماعياً ونفسياً وعملياً، والأهم فكرياً وعقلياً؛ لدوام المحاسبة والإصلاح.
وثاني مدارج الوعي: الوعي بالمحيط والمجتمع؛ لئلا يصبح المجتمع عائقاً عن الوعي، بل ليصبح أداة لمعرفة الناس ودعوتهم، كما فعل الأنبياء الذين يخالطون الناس في أسواقهم ومنتدياتهم، فالوعي بالمجتمع هو معرفة الأفراد الذين يشكلون منظومة الوعي بهذا المجتمع، معرفة سلوكه وفكره وضميره، لإدراك جوانب الخلل والقصور، والمساعدة على تصحيحها، ودعم الصواب في هذا المجتمع.
ومن ضروب الوعي بالمجتمع: استعمال القاعدة العمرية: لست بالخب -أي: المخادع- ولا الخب يخدعني. في المعاملة والبيع والمتاجرة والتزويج والشراكة على مستوى المؤسسات والمجموعات والمراكز؛ ليكون المسلم صاحب خبرة ذكية يتجاوز بها عمليات الخداع والكذب برصيد من النجاح والتفوق؛ ولئلا يكون صيداً سهلاً لها.
وثالث مدارج الوعي: الوعي الحضاري: فالمبالغة في تضخيم الذات تنتج ردماً يعوق الوعي بها، والتوازن هو الذي يصنع الوعي الحضاري للدور الذي يمكن أن تؤديه الأمة الإسلامية.
إن الشعور بالتحدي القريب والبعيد، وبالتسابق العالمي والمحلي نحو الأفضل والأجود والكسب والعمل والاستثمار، وطلب مزيد من التنمية والنهضة والإصلاح يدفع بالعمق إلى الوعي الحضاري العام بمستوى المسئولية التي يحاول الواعي المسلم القيام بها، وإسنادها للكفاءات المناسبة.
ورابع مدارج الوعي: الوعي التاريخي، في قراءة التاريخ القديم والحديث، واستنباط عناصر الاستقرار في الأمم، وعناصر التأزم فيها، وأسباب الصعود والهبوط في ضوء سنن الله في الكون والعالم التي لا تتخلف.
ومن الوعي التاريخي صناعة التاريخ وصناعة المستقبل باستخدام الزمن والوقت الذي يتيح مجال المبادرات والأعمال الكبيرة، واستغلال كل ثانية، فالعالم اليوم يستثمر كل ثانية ولحظة؛ لإيجاد عمل جديد أو اختراع طريف، أو مجال يفيد الإنسانية، فكل ثانية هي فرصة جديدة للاستثمار، ولقد علم الإسلام قيمة الوقت والاهتمام به فأقسم الله بالوقت، ولا يقسم الله إلا بعظيم، فقال: "والعصر إن الإنسان لفي خسر"، فخسارة الدنيا والآخرة مرتبطة باستثمار هذا الوقت أو تضييعه، "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".[/justify]
1- البديهيات الفطرية التي يتعامل الناس معها في عملية الوعي على أساس أنها مسلمات، أو ما يسميها المناطقة بالضروريات، مثل أن الكل أكبر من الجزء وغيره، ويستفيد من عقولهم في فهم هذه البديهيات واستعمالها واستخدامها لحياتهم، وإلى ذلك الإشارة في الآية: "والفؤاد".
2- المحسوسات التي يراها الناس أو يسمعونها أو يشعرون بها، فهذه الأشياء أشبه بمواد قابلة للاستعمال والاستخدام؛ لتوظيفها في علمية الوعي، والاستفادة منها في ذلك، وإليها الإشارة في الآية "والبصر".
3- الشرع الديني أو (الوحي) من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإليها الإشارة في الآية بقوله تعالى: "السمع".
إن هذه المصادر الثلاث تتيح للإنسان المسلم أفقاً معرفياً واسعاً للوعي بنفسه، وبالأشياء من حوله، وبالعالم الذي يحيط به؛ ليجمع المسلم بين الفطرة والاكتساب المعرفي الذي هو عمل العقل بالتفكير للبحث عن الحق والمعرفة، وتوظيفها واستثمارها فيما يناسب هذا الحق والخير.
إن الوعي عملية فقه دقيق، وفهم عميق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها)، فعبر بالوعي لأنها عملية أدق من مجرد النقل، فالإنسان الذي يملك وعياً يصبح له مقام التأثر والدعوة والاستنباط والتحليل، ولذلك يقول ابن تيمية: إن أبا هريرة يحفظ النصوص، وإن ابن عباس يفجر النصوص.
بمعنى أنه يحللها ويستنبط منها ويمارس عليها عملية الوعي التي تنظم التفكير وتقوّم العمل.
إن أول مدارج الوعي: الوعي بالنفس، فالوعي بالنفس أولاً، ومع أن العلم الحديث جَسَر على فجاج العالم وصحاريه وسهوله إلا أنه وقف مذهولاً أمام نفسه، ومنذ قرابة القرن والعلم الحديث يكشف شيئاً يسيراً عن نفسه، ويعترف بأنه غابت عنه أشياء من تكوين هذا الإنسان وتركيبه وخلاياه وعظامه عضوياً ونفسياً وعقلياً وروحياً.
والشيء الذي نعرفه عن أنفسنا يجأر إلى الله بالوحدانية والملكوت، "وإن من شيء
إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم".
ولقد حث الله عز وجل على أشكال المعرفة والوعي، وعلى الوعي بالنفس بالخصوص فقال: "في الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، فالوعي بالنفس من أجل خصائص الإنسان، ووعي الإنسان بنفسه هو معرفته بقدراته وإمكاناته لتوظيفها فيما يخدم هذا الوعي، واستكشاف طاقات النفس لاستغلالها في عمارة الأرض، والقيام عليها بالرعاية والعناية، ومعرفة مواطن الخلل والقصور في التفكير والعمل والإدراك، والنظر لإصلاح ذلك، لكن الكثير من الناس لم يجد وقتاً لذلك، فهو مشغول بتتبع زلات الآخرين وأخطائهم ومراقبة الناس، ومن حق العلم أن تمارس علمية النقد والتقويم، بل هي مدرج آخر للوعي، لكنها دون أن تكون على حساب النفس، فتصبح مثل الذي يعرف القذى في عين أخيه ولا يعرف الجذع في عينه!
ومن أبرز علامات الوعي بالنفس ممارسة نقد الذات، وملاحظتها اجتماعياً ونفسياً وعملياً، والأهم فكرياً وعقلياً؛ لدوام المحاسبة والإصلاح.
وثاني مدارج الوعي: الوعي بالمحيط والمجتمع؛ لئلا يصبح المجتمع عائقاً عن الوعي، بل ليصبح أداة لمعرفة الناس ودعوتهم، كما فعل الأنبياء الذين يخالطون الناس في أسواقهم ومنتدياتهم، فالوعي بالمجتمع هو معرفة الأفراد الذين يشكلون منظومة الوعي بهذا المجتمع، معرفة سلوكه وفكره وضميره، لإدراك جوانب الخلل والقصور، والمساعدة على تصحيحها، ودعم الصواب في هذا المجتمع.
ومن ضروب الوعي بالمجتمع: استعمال القاعدة العمرية: لست بالخب -أي: المخادع- ولا الخب يخدعني. في المعاملة والبيع والمتاجرة والتزويج والشراكة على مستوى المؤسسات والمجموعات والمراكز؛ ليكون المسلم صاحب خبرة ذكية يتجاوز بها عمليات الخداع والكذب برصيد من النجاح والتفوق؛ ولئلا يكون صيداً سهلاً لها.
وثالث مدارج الوعي: الوعي الحضاري: فالمبالغة في تضخيم الذات تنتج ردماً يعوق الوعي بها، والتوازن هو الذي يصنع الوعي الحضاري للدور الذي يمكن أن تؤديه الأمة الإسلامية.
إن الشعور بالتحدي القريب والبعيد، وبالتسابق العالمي والمحلي نحو الأفضل والأجود والكسب والعمل والاستثمار، وطلب مزيد من التنمية والنهضة والإصلاح يدفع بالعمق إلى الوعي الحضاري العام بمستوى المسئولية التي يحاول الواعي المسلم القيام بها، وإسنادها للكفاءات المناسبة.
ورابع مدارج الوعي: الوعي التاريخي، في قراءة التاريخ القديم والحديث، واستنباط عناصر الاستقرار في الأمم، وعناصر التأزم فيها، وأسباب الصعود والهبوط في ضوء سنن الله في الكون والعالم التي لا تتخلف.
ومن الوعي التاريخي صناعة التاريخ وصناعة المستقبل باستخدام الزمن والوقت الذي يتيح مجال المبادرات والأعمال الكبيرة، واستغلال كل ثانية، فالعالم اليوم يستثمر كل ثانية ولحظة؛ لإيجاد عمل جديد أو اختراع طريف، أو مجال يفيد الإنسانية، فكل ثانية هي فرصة جديدة للاستثمار، ولقد علم الإسلام قيمة الوقت والاهتمام به فأقسم الله بالوقت، ولا يقسم الله إلا بعظيم، فقال: "والعصر إن الإنسان لفي خسر"، فخسارة الدنيا والآخرة مرتبطة باستثمار هذا الوقت أو تضييعه، "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".[/justify]