لقد حفظنا في الكتب المطبوعة والمترجمة المتداولة أن كثيراً من عقلاء العالم كانوا يلهجون بلسان الصدق والثناء على الدين الإسلامي الحنيف، وعلى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد عرفنا ذلك في أيام ماضية، لكننا نجد اليوم بدلاً من هذه الأصوات العاقلة -التي كانت حاضرة في الصحف والكتب في السابق - حقداً دفينا يُنفث عبر قنوات فضائية باسم العلم وحرية التعبير، ونجد مواقع إلكترونية بالآلاف خُصصت للنيل من الإسلام، ومن رسوله عليه الصلاة والسلام، أو غرف البالتوك المتخصصة لاستقبال الذين يسبون شخص محمد صلى الله عليه وسلم لتبلغ حد ابتزاز المسلمين.
إذًا هناك هجمة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن المحاكاة الساخرة للقرآن، وقد وجدت في كلام بعض الذين لا أشك أنهم من العرب مقالات مثل ما يسمونه سورة التكوين وسورة التصوير وغير ذلك يحاكون فيها القرآن بطريقة ساخرة، إضافة إلى ما يسمى بكتاب الفرقان المزور الذي طبع في أمريكا، والهدف من ورائه هو النيل من القرآن الكريم ومعارضته.
فهناك هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين في هذه المرحلة، وبعدما أطلقت أمريكا ما يسمى بعودة الحروب على الإرهاب، وتكلم متكلمهم عما سماه بعودة الحروب الصليبية يبدو أن كثيرًا من النفوس المريضة تحركت وجاشت مشاعرها المبغضة للإسلام فأصبح هناك هجوم على الإسلام وتنصير للمسلمين، فهناك حركة تنصير قوية جدًّا في الجزائر وموريتانيا وبلاد مغربية أخرى عبر الفضائيات والإنترنت.
وهناك محاولة لاستغلال ظروف الشباب المسلم من الفقر والبطالة والمرض والأمية ونقلهم إلى البلاد التي تكثر فيها المعاهد والكليات التنصيرية ومحاولة تنصير هؤلاء المسلمين.
وأود أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، وهي أن أثر هذه الجهود محدودة جداً في نقل المسلمين إلى النصرانية، فلا تكاد تجد مسلماً يتنصر إلا نادراً، وإن كانت تثير بعض الشبهات والشكوك، وكل ما يمكن أن يقال في كثير من حالات التنصر النادرة خصوصاً في المناطق الإسلامية التي فيها معرفة وتشبع بالإسلام أنها حالات نفسية، كفتاة لديها اكتئاب أو انفصام في الشخصية، أو تبرم من وضع معين فيبدو لها أنها خرجت من دين الإسلام، وعندما تناقشها يتبين لك أنها إنسانة مؤمنة، وقد تكون مصلية وقارئة للقرآن، لكنها تعاني من مشاكل نفسية ربما تكون حادة، أو وضع اجتماعي أو أسري سيء، إلا أننا يجب أن لا نستهين بالجهود المبذولة لتحويل هؤلاء المسلمين إلى الديانة النصرانية.
وكثير من المنصرين يستغل جهل بعض المسلمين ليبث فيهم الشكوك، وكثير من هذه الأشياء التي تثار حول الدين الإسلامي وحول رسوله صلى الله عليه وسلم قد تبدو ساذجةً وبسيطة، لكن لا ننسى أنه عندما يتحدث رجل مثلاً بلهجة محلية سهلة، ويتظاهر بأنه عفيف اللسان حتى إنه يخجل من الكلمات المؤذية، ويتردد قبل أن يذكرها فهو يقوم بعملية تمثيلية قد تنطلي على كثير من السذج، وهنا يجب أن يكون هناك مجموعة من المتخصصين المسلمين وباللغة العربية من يكون همه الرد على مثل هذه الأشياء ومناقشتها وتفنيدها.
وهناك شبه قديمة جديدة إلا أن العناية بتفنيدها والاهتمام بها شيء ضروري "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة".
ومن تلك الشبه: دموية الإسلام ودموية نبيه، والسؤال البسيط على وجه المثال: كم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة من إنسان طيلة حياته؟
الجواب: شخص واحد فقط، هو أُبَيُّ بن خلف، ولم يمت في ساعته.
وكم عدد الذين قتلوا من الناس في معارك النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لا يتجاوزون (260) رجلاً من غير المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على حقن الدماء، حتى إن أعظم الإنجازات التي قام بها وتمت على يده لم يكن السيف سبيلها، مثل دخول المدينة، وتكوين الدولة، والدعوة فيها، وبيعة العقبة، وكل البيعات، وائتلاف المهاجرين والأنصار، وإقامة عاصمة الإسلام تمت بالدعوة والإقناع دون قتال مع وجود اليهود والوثنيين والمنافقين، وفتح مكة، وصلح الحديبية الذي سماه الله عز وجل: "فتحاً مبيناً"، وغير ذلك، ولينظر الناس إلى ذلك بتجرد وليقارنوا بين الدماء التي تراق وتسفك في طول العالم وعرضه منذ مئات السنين ليعلم أيهم أشد قتلاً ودموية.
ويقولون بأن الإسلام يحض على الكراهية، ولقد علم الناس أن نصوص القرآن والسنة صريحة ومحكمة، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم واضح في تسامحه حتى مع الخصوم والأعداء المعارضين، فعندما جيء بجنازة يهودي -كما في الصحيحين- قام لها صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسا؟!)، فيربي النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على احترام الجنس الإنساني، ولا غرابة في هذا مع قول الله عز وجل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، وتجد في خطاب القرآن: "يا أيها الناس.."، "يا أيها الإنسان.."، "يا أيها الذين آمنوا.."، وحتى في المدينة يأتي الخطاب القرآني بـ"يا أيها الناس"، خطاباً مباشراً بدون واسطة بهذا الخطاب الرباني المحفوظ اليوم؛ ليكون غاية ما يكون في احترام الجنس الإنساني والمحافظة عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعود مريضاً يهودياً، وعندما هاجر إلى المدينة -كما في الصحيحين- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين، فسلم عليهم، ودعاهم إلى الله عز وجل، فبعضهم أغلظ عليه في الكلام، وتعامل معه بلغة قاسية، فقام بعضهم لينتقم ويدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثاروا حتى كادوا أن يقتتلوا، فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل قال: هذه فرصتي لأن أؤجج الحرب فيما بينهم وأخلط الأوراق، وهذا غالباً يكون من حظ الطرف الأضعف، وهو الطرف الجديد؟
كلا، بل ما زال يسكنهم حتى هدؤوا، فقام بدور تهدئة ثائرة الفتنة والاختلاف والصراع الذي يمكن أن يحدث بينهم.
والذين يتحدثون عن الكراهية يعزلون آيات القتال عن سياقها، فهي في حالات الحرب ورد العدوان، وهل يقول عاقل بأن المعتدي يجب أن نستقبله بالورود والرياحين وهو يحمل الأسلحة الذكية والفتاكة والمختلفة؟!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبق ما أمر به القرآن بجودة العلاقة مع الإنسان وإتقانها، وكذلك في حال الدعوة كان يعمل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي حال المجادلة فإنه يقوم بها بالتي هي أحسن، فالقرآن يقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ليس فقط بالحسن، بل بالأحسن، ولو أردنا استغلال أي لفظ يتحدث عن القتال لوجدنا في الإنجيل مثلاً أشياء كثيرة، مثل ما يزعمون أن المسيح يقول: [ أيما أحد منكم يأتيني وهو لم يبغض أباه وأمه وأخاه وأخته وزوجته بل ونفسه أيضاً فإنه لا يمكن أن يكون تلميذا لي]، ونحن نقطع قطعاً بأن الأنبياء لا يمكن أن يأتوا بمثل هذا الهدي، بل إنهم أتوا بصلة الأرحام، والإحسان إلى الوالدين والأقربين وعموم الناس، ومن هؤلاء الأنبياء عيسى عليه السلام، وأما قوله تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.."، فهذه الآية تنطبق انطباقاً واضح على المحاربين، وهذا لا شك فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عمه أبا طالب مع شِرْكِه بنص القرآن، كما قال تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت"، وهي قد نزلت في أبي طالب.
ويتحدث بعض المثيرين للشبهات حول تدوين القرآن، ويا عجباً كيف يتحدث عن ذلك أصحاب ديانات لم يبدأ تدوين كتبهم إلا بعد عشرات السنين من موت أنبيائهم، أما القرآن فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان جبريل يدارسه القرآن كل سنة، وفي السنة التي قبض فيها دارسه القرآن مرتين، ليكون ذلك تأكيداً لاكتمال القرآن، وجمع الصحابة القرآن بعد سنة أو أقل من موت النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما يتعلق بتدوين الكتاب المقدس عند النصارى -والذي هو الإنجيل- نجد أربعة أناجيل أولها كتب بعد المسيح بستين سنة، وبعضاً بمائة وعشرين سنة، وهناك خلاف عند علماء اللاهوت عن اللغة التي كتبت بها الأناجيل، وعمن كتبها وترجمها، فضلاً عن المستوى الديني والأخلاقي الذي قام بهذا العمل، ثم كيف تم اختيار هذه الأناجيل؟
لقد اختيرت في مجمع (نيقيا) الذي عقد عام (325) للميلاد تقريباً، واختيرت بين أكثر من سبعين نسخة، حسبما يراه أولئك المجتمعون الذين ناصرتهم الدولة الرومانية فكانوا يعتنون بقضية أن يكون عيسى إلهًا في هذه الأناجيل، وتم استبعاد النصوص التي لا تقول بهذا المعنى، زد على ذلك أن هذه الأناجيل بطبيعة الحال ليست هي وحي السماء، وإنما فيها وحي وقصص وأخبار، وفيها كلام عن عيسى عليه الصلاة والسلام، فهي أشبه ما تكون بسيرة مجملة، وبناءً عليه أقول: إن ثمة فارقًا كبيرًا جدًّا بين هذه الطريقة في التدوين وبين الطريقة النبوية وطريقة الصحابة رضي الله عنهم في تدوين المصحف وحفظه وضبطه.
ويتحدث بعض أولئك عن السنة النبوية، فأقول بأن السنة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كلها محفوظة، حتى إن العلماء من شدة حفظهم حفظوا الصحيح والضعيف، وميزوا بين ذلك، ورووا كل ذلك بالسند والأسماء الواضحة، حتى إن الشيخ سليمان الندوي يقول: إن علم الجرح والتعديل استوعب أكثر من (500) ألف راوٍ لا يعرف أسماءهم وقبائلهم فقط، بل حتى مستوى أدائهم وجودة حفظهم وتقواهم، ليعرف صحة الإسناد من ضعفه، أما ما يروى عن المسيح عليه السلام فلا يوجد لها أي سند إطلاقاً، بينما نحن لا يمكن أن نروي عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك في أمر قليل الأهمية إلا بالسند والرواة والتحديث.
أما مسألة يسوع وابن الرب فهذه أشياء لم ترد في الأناجيل الثلاثة، ولا توجد إشارة إلى ألوهية المسيح إلا في أنجيل يوحنا، وهذا الإنجيل يقول عنه محرر دائرة المعارف البريطانية: لا مرية في أنه كتاب مزور. وكذلك دائرة المعارف الفرنسية تقول: إن بحوث الديانات الحديثة قامت باستبعاد أن يكون هذا الإنجيل إنجيلًا حقيقيًّا كتب في وقته.
وكذلك صاحب كتاب قصة الحضارة "ديورانت" يقول: إن الصورة التي يرسمها هذا الإنجيل "يوحنا" لعيسى عليه الصلاة والسلام لا تتفق مع الصورة التي ترسم في الأناجيل الأخرى.
إن المسلم يعرف تحريف هذا الكتاب المقدس (الإنجيل) من القرآن الكريم الذي علمه الجدال الأحسن، والموعظة الحسنة، ليكون القرآن الكريم مهيمناً على الكتب السابقة، وناسخاً لها، ومعترفاً بقيمة الكتب السماوية الحقيقية، ومطرياً للأنبياء السابقين، ليكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم، الذي أكمل الله به الدين، وزيّن به الأنبياء والمرسلين.
إذًا هناك هجمة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن المحاكاة الساخرة للقرآن، وقد وجدت في كلام بعض الذين لا أشك أنهم من العرب مقالات مثل ما يسمونه سورة التكوين وسورة التصوير وغير ذلك يحاكون فيها القرآن بطريقة ساخرة، إضافة إلى ما يسمى بكتاب الفرقان المزور الذي طبع في أمريكا، والهدف من ورائه هو النيل من القرآن الكريم ومعارضته.
فهناك هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين في هذه المرحلة، وبعدما أطلقت أمريكا ما يسمى بعودة الحروب على الإرهاب، وتكلم متكلمهم عما سماه بعودة الحروب الصليبية يبدو أن كثيرًا من النفوس المريضة تحركت وجاشت مشاعرها المبغضة للإسلام فأصبح هناك هجوم على الإسلام وتنصير للمسلمين، فهناك حركة تنصير قوية جدًّا في الجزائر وموريتانيا وبلاد مغربية أخرى عبر الفضائيات والإنترنت.
وهناك محاولة لاستغلال ظروف الشباب المسلم من الفقر والبطالة والمرض والأمية ونقلهم إلى البلاد التي تكثر فيها المعاهد والكليات التنصيرية ومحاولة تنصير هؤلاء المسلمين.
وأود أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، وهي أن أثر هذه الجهود محدودة جداً في نقل المسلمين إلى النصرانية، فلا تكاد تجد مسلماً يتنصر إلا نادراً، وإن كانت تثير بعض الشبهات والشكوك، وكل ما يمكن أن يقال في كثير من حالات التنصر النادرة خصوصاً في المناطق الإسلامية التي فيها معرفة وتشبع بالإسلام أنها حالات نفسية، كفتاة لديها اكتئاب أو انفصام في الشخصية، أو تبرم من وضع معين فيبدو لها أنها خرجت من دين الإسلام، وعندما تناقشها يتبين لك أنها إنسانة مؤمنة، وقد تكون مصلية وقارئة للقرآن، لكنها تعاني من مشاكل نفسية ربما تكون حادة، أو وضع اجتماعي أو أسري سيء، إلا أننا يجب أن لا نستهين بالجهود المبذولة لتحويل هؤلاء المسلمين إلى الديانة النصرانية.
وكثير من المنصرين يستغل جهل بعض المسلمين ليبث فيهم الشكوك، وكثير من هذه الأشياء التي تثار حول الدين الإسلامي وحول رسوله صلى الله عليه وسلم قد تبدو ساذجةً وبسيطة، لكن لا ننسى أنه عندما يتحدث رجل مثلاً بلهجة محلية سهلة، ويتظاهر بأنه عفيف اللسان حتى إنه يخجل من الكلمات المؤذية، ويتردد قبل أن يذكرها فهو يقوم بعملية تمثيلية قد تنطلي على كثير من السذج، وهنا يجب أن يكون هناك مجموعة من المتخصصين المسلمين وباللغة العربية من يكون همه الرد على مثل هذه الأشياء ومناقشتها وتفنيدها.
وهناك شبه قديمة جديدة إلا أن العناية بتفنيدها والاهتمام بها شيء ضروري "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة".
ومن تلك الشبه: دموية الإسلام ودموية نبيه، والسؤال البسيط على وجه المثال: كم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة من إنسان طيلة حياته؟
الجواب: شخص واحد فقط، هو أُبَيُّ بن خلف، ولم يمت في ساعته.
وكم عدد الذين قتلوا من الناس في معارك النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لا يتجاوزون (260) رجلاً من غير المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على حقن الدماء، حتى إن أعظم الإنجازات التي قام بها وتمت على يده لم يكن السيف سبيلها، مثل دخول المدينة، وتكوين الدولة، والدعوة فيها، وبيعة العقبة، وكل البيعات، وائتلاف المهاجرين والأنصار، وإقامة عاصمة الإسلام تمت بالدعوة والإقناع دون قتال مع وجود اليهود والوثنيين والمنافقين، وفتح مكة، وصلح الحديبية الذي سماه الله عز وجل: "فتحاً مبيناً"، وغير ذلك، ولينظر الناس إلى ذلك بتجرد وليقارنوا بين الدماء التي تراق وتسفك في طول العالم وعرضه منذ مئات السنين ليعلم أيهم أشد قتلاً ودموية.
ويقولون بأن الإسلام يحض على الكراهية، ولقد علم الناس أن نصوص القرآن والسنة صريحة ومحكمة، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم واضح في تسامحه حتى مع الخصوم والأعداء المعارضين، فعندما جيء بجنازة يهودي -كما في الصحيحين- قام لها صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسا؟!)، فيربي النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على احترام الجنس الإنساني، ولا غرابة في هذا مع قول الله عز وجل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، وتجد في خطاب القرآن: "يا أيها الناس.."، "يا أيها الإنسان.."، "يا أيها الذين آمنوا.."، وحتى في المدينة يأتي الخطاب القرآني بـ"يا أيها الناس"، خطاباً مباشراً بدون واسطة بهذا الخطاب الرباني المحفوظ اليوم؛ ليكون غاية ما يكون في احترام الجنس الإنساني والمحافظة عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعود مريضاً يهودياً، وعندما هاجر إلى المدينة -كما في الصحيحين- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين، فسلم عليهم، ودعاهم إلى الله عز وجل، فبعضهم أغلظ عليه في الكلام، وتعامل معه بلغة قاسية، فقام بعضهم لينتقم ويدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثاروا حتى كادوا أن يقتتلوا، فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل قال: هذه فرصتي لأن أؤجج الحرب فيما بينهم وأخلط الأوراق، وهذا غالباً يكون من حظ الطرف الأضعف، وهو الطرف الجديد؟
كلا، بل ما زال يسكنهم حتى هدؤوا، فقام بدور تهدئة ثائرة الفتنة والاختلاف والصراع الذي يمكن أن يحدث بينهم.
والذين يتحدثون عن الكراهية يعزلون آيات القتال عن سياقها، فهي في حالات الحرب ورد العدوان، وهل يقول عاقل بأن المعتدي يجب أن نستقبله بالورود والرياحين وهو يحمل الأسلحة الذكية والفتاكة والمختلفة؟!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبق ما أمر به القرآن بجودة العلاقة مع الإنسان وإتقانها، وكذلك في حال الدعوة كان يعمل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي حال المجادلة فإنه يقوم بها بالتي هي أحسن، فالقرآن يقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ليس فقط بالحسن، بل بالأحسن، ولو أردنا استغلال أي لفظ يتحدث عن القتال لوجدنا في الإنجيل مثلاً أشياء كثيرة، مثل ما يزعمون أن المسيح يقول: [ أيما أحد منكم يأتيني وهو لم يبغض أباه وأمه وأخاه وأخته وزوجته بل ونفسه أيضاً فإنه لا يمكن أن يكون تلميذا لي]، ونحن نقطع قطعاً بأن الأنبياء لا يمكن أن يأتوا بمثل هذا الهدي، بل إنهم أتوا بصلة الأرحام، والإحسان إلى الوالدين والأقربين وعموم الناس، ومن هؤلاء الأنبياء عيسى عليه السلام، وأما قوله تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.."، فهذه الآية تنطبق انطباقاً واضح على المحاربين، وهذا لا شك فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عمه أبا طالب مع شِرْكِه بنص القرآن، كما قال تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت"، وهي قد نزلت في أبي طالب.
ويتحدث بعض المثيرين للشبهات حول تدوين القرآن، ويا عجباً كيف يتحدث عن ذلك أصحاب ديانات لم يبدأ تدوين كتبهم إلا بعد عشرات السنين من موت أنبيائهم، أما القرآن فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان جبريل يدارسه القرآن كل سنة، وفي السنة التي قبض فيها دارسه القرآن مرتين، ليكون ذلك تأكيداً لاكتمال القرآن، وجمع الصحابة القرآن بعد سنة أو أقل من موت النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما يتعلق بتدوين الكتاب المقدس عند النصارى -والذي هو الإنجيل- نجد أربعة أناجيل أولها كتب بعد المسيح بستين سنة، وبعضاً بمائة وعشرين سنة، وهناك خلاف عند علماء اللاهوت عن اللغة التي كتبت بها الأناجيل، وعمن كتبها وترجمها، فضلاً عن المستوى الديني والأخلاقي الذي قام بهذا العمل، ثم كيف تم اختيار هذه الأناجيل؟
لقد اختيرت في مجمع (نيقيا) الذي عقد عام (325) للميلاد تقريباً، واختيرت بين أكثر من سبعين نسخة، حسبما يراه أولئك المجتمعون الذين ناصرتهم الدولة الرومانية فكانوا يعتنون بقضية أن يكون عيسى إلهًا في هذه الأناجيل، وتم استبعاد النصوص التي لا تقول بهذا المعنى، زد على ذلك أن هذه الأناجيل بطبيعة الحال ليست هي وحي السماء، وإنما فيها وحي وقصص وأخبار، وفيها كلام عن عيسى عليه الصلاة والسلام، فهي أشبه ما تكون بسيرة مجملة، وبناءً عليه أقول: إن ثمة فارقًا كبيرًا جدًّا بين هذه الطريقة في التدوين وبين الطريقة النبوية وطريقة الصحابة رضي الله عنهم في تدوين المصحف وحفظه وضبطه.
ويتحدث بعض أولئك عن السنة النبوية، فأقول بأن السنة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كلها محفوظة، حتى إن العلماء من شدة حفظهم حفظوا الصحيح والضعيف، وميزوا بين ذلك، ورووا كل ذلك بالسند والأسماء الواضحة، حتى إن الشيخ سليمان الندوي يقول: إن علم الجرح والتعديل استوعب أكثر من (500) ألف راوٍ لا يعرف أسماءهم وقبائلهم فقط، بل حتى مستوى أدائهم وجودة حفظهم وتقواهم، ليعرف صحة الإسناد من ضعفه، أما ما يروى عن المسيح عليه السلام فلا يوجد لها أي سند إطلاقاً، بينما نحن لا يمكن أن نروي عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك في أمر قليل الأهمية إلا بالسند والرواة والتحديث.
أما مسألة يسوع وابن الرب فهذه أشياء لم ترد في الأناجيل الثلاثة، ولا توجد إشارة إلى ألوهية المسيح إلا في أنجيل يوحنا، وهذا الإنجيل يقول عنه محرر دائرة المعارف البريطانية: لا مرية في أنه كتاب مزور. وكذلك دائرة المعارف الفرنسية تقول: إن بحوث الديانات الحديثة قامت باستبعاد أن يكون هذا الإنجيل إنجيلًا حقيقيًّا كتب في وقته.
وكذلك صاحب كتاب قصة الحضارة "ديورانت" يقول: إن الصورة التي يرسمها هذا الإنجيل "يوحنا" لعيسى عليه الصلاة والسلام لا تتفق مع الصورة التي ترسم في الأناجيل الأخرى.
إن المسلم يعرف تحريف هذا الكتاب المقدس (الإنجيل) من القرآن الكريم الذي علمه الجدال الأحسن، والموعظة الحسنة، ليكون القرآن الكريم مهيمناً على الكتب السابقة، وناسخاً لها، ومعترفاً بقيمة الكتب السماوية الحقيقية، ومطرياً للأنبياء السابقين، ليكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم، الذي أكمل الله به الدين، وزيّن به الأنبياء والمرسلين.