بل إن شئت فقل : هي المسافة بين الدعوى والعمل ، فإن القول الصادق ، القول الجاد ، هو جزء من العمل ، هو عمل اللسان ، وهو أول عمل شرعي حسي يقوم به المكلف حين ينطق بالشهادتين ، معلناً الدخول في الإسلام.
وهذا العـنوان مقتبـس من قصيدة الطغرائي الشهيرة " لامية العجم " حيث يقول :
غاض الوفاء ، وفاض الغدر ، واتسعت مسافة الخلف بين القول والعمل
لكن الشيء الذي أعنيه تحديداً ـ الآن ـ هو أهمية العمل كقيمة أساسية في الإسلام ، لحفظ الدين ، وعمارة الدنيا ، وأن وجوب العمل قاعدة ضخمة مستقرة ، تحتشد حولها مئات النصوص القرآنية والنبوية .
العمل أساس نجاح الفرد ، أو فشله ، وأساس قوة المجموع أو ضعفه ، وأساس السعادة الدنيوية ، وأساس النجاة الأخروية .
وبالتعبير الشرعي ، فـ "العمل الصالح " هو القيمة المعتبرة ، والتي تترتب عليها آثارها المحمودة في العاجل والآجل .
وهذا العمل الموسوم بالصلاح ، هو الذي تتحقق فيه الشروط الضرورية ، والتي جملتها :
أ - صلاح النية ، وحسن المقصد ، وهو ما يعبر عنه بـ (الإخلاص ).
ب - موافقة السنة ، والتزام الشرع ، وهو ما يعبر عنه أحياناً بــ (المتابعة) أو بـ (الصواب) . وهما مجتمعان في قوله تعالى : "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ".
فحسن العمل يدور على هذين القطبين ، أي : أكثر إخلاصاً لله ، وأكثر إصابة للشريعة ، والتزاماً بالمنهج ، ولهذا لم يأت في النص القرآني التعبير بـ : أيكم أكثر عملاً ..وكلمة الفـضيل بن عياض في هذا الباب معروفة ، قال في تفـسير آية الملك : " أحسن عملاً" : أخلصه وأصوبه ؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صـواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .( وانظر : العبودية لابن تيمية ) .
ولقد حاولت أن أحصي المواضع التي وردت فيها كلمة " العمل الصالح " في القرآن الكريم ، بتصريفاتها ، مع المحافظةعلى اللفظين ، فوجدتها نحواً من تسعين موضعاً . أما كلمة " العمل " مع وصف آخر غير الصلاح ، أياً كان ، أو مطلقة غير موصوفة ، فهي أكثر من ذلك بكثير ، إنها حسب إحصاء سريع ... نحو من ثلاثمائة وستين موضعاً ، ولا يخلو سرد تصريفاتها من فائدة : عمل ، يعمل ، يعملون ، اعمل ، اعملوا ، عامل ، عاملون ، عاملة ، عمل ، أعمال ... الخ .( انظر : معجم ألفاظ القرآن ، إخراج مجمع اللغة العربية 2 / 249 - 252 ) .
إنها إشادة صريحة بأهمية العمل وقيمته وضرورته للحياة ، بل وللموت أيضاً ، حتى الموت هو عمل يتدخل فيه جانب الإرادة ، ولهذا قال سبحانه : "فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ".
ولقد قامت في مدارس الفلسفة الغربية - والأمريكية منها على وجه الخصوص - سوق رائجة حديثاً للاتجاهات التي تهتم بالعمل والإنجاز والأداء ، وتعتبر هذه فلسفة الحياة الحقيقية ، دعك من الفلسفة التي يسمونها "براجماتية " وهي النفعية الواقعية التي تعتبر أن مقياس الحقيقة في المعرفة هو وجود نتائج عملية ملموسة لهذه المعرفة ، أي : أن المعرفة الحقيقية هي المعرفة المفيدة للممارسة ، وليست المعرفة النظرية المجردة ، المقطوعة الصلة بالواقع ( انظر : قاموس المصطلحات السياسسية والاقتصادية والاجتماعية ، سامي ذبيان وآخرون ، ص 85 ) .
إن تلك الإشادة الربانية بقيمة العمل تحمل تسفيهاً مباشراً ، لاتجاهين جائرين عن المحجة :
( أولهما) الاتجـاه العـامل على غير هـدى ولا بصيرة ، والذي لا معرفة له بالأسباب الشرعية والطبعية ، أولئك الذين يوصف عملهم بأنه سيِّء ، أو شر ، أو حابط ، أو خبيث ، أو خاسر .. فإن كان هذا العمـل دينياً لم يقبـل ، ولم يرفع ، ولم تحصل به نجاة في الدار الآخرة .
وإن كان دنيوياً لم يؤت ثمرته المطلوبة ، ولم ييحقق نتيجته المرقوبةة ، لأنه لم يكن ممممبنياً على نظر صحيح ، أو تجربة صادقة .
ولهذا قال تعالى :" وجوه يومئذٍ خاشعة ، عاملة ناصبة ، تصلى ناراً حامية ، تسقى من عين آنية " وقال : "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ... "الآيـات.
ويندرج في هذا التيار كل نحلة أو مذهب أو طريق يضل عن صراط الله ، فيعبد الله على جهل وضلال ، كالمتعبدين والعاملين الناصبين من أهل البدع ، خوارج كانوا ، أو صوفية ، أو غير ذلك . كما ينـدرج أصحـاب المدارس المنهجية التغييرية التي لم تحسن قراءة النواميس والسنن الإلهية ، فبنت أسلوبها في العمل والحياة على تلك القراءة الفاسدة ، فكان أمرها كما قال الله تعالى : "قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ، فخر عليـهم السقف من فوقهم ، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ".
وأجلى صـورة معاصرة لذلك الشـيوعية بقاعدتها الفلسفية ، وبنائها السياسي والحـضاري ، الذي تهاوى بطريقة لم يـكن يتوقعها أكثر المتفائلين ، وعادت إنجازاته عبئاً عليه ...كيف يتخلص منها ، كيف يوقف تراجعها السريع ، كيف يحافظ على الحد الأدنى منها ؟ .... الخ .
أما ( الاتجاه الآخر )فهو الاتجاه الراكن إلى القـعود ، وترك العـمل ، والإخلاد إلى الدعة ، الاتجاه الغافل عن سنـن الله ، فهو يريد أن تأتيه أمانيه طوعاً بلا كدٍ ولا تعب ، وهذا ، وإن كان صعب التحقق لما في طبع الإنسان من الحركة والفاعلية ، إلا أنه متحقـق من وجوه أخر ، تبدو في أولئك المسـترسلين وراء كل شهوة أو رغبة، المتقنعين تحت اسم أو شعار ظنوا أنه يكفيهم ..
فاليهود كانوا يقولون : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة . ثم جاء النصارى فقالوا مثل قولهم ، وادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه 0 ثم خلف من بعدهم خلف من المسلمين ورثوا الكتاب - يأخذون عرض هذا الأدنى ...ويقولون : سيغفر لنا ! ، وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه، نعم؛ كانت الآية لليهود والنصارى ، لكنها للمسلمين واجبة أيضاً ؛ إذ السنة واحدة ، وكما قال حذيفة رضي الله عنه : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم الحلو ، ولهم المر ... !
كما أنه متحقـق في أولئـك الذين لا هدف لهم ، ولا غاية يسعون إليها ، فهم أسرى للصـروف ، والظروف ، والأعـمال التفصـيلية ، والمجـريات اليومية والأحـداث الآنيـة ، لا ينتـظم سلوكَهم منهجٌ ، ولا يربط بين أعمالهم رابطٌ غارقون في أعمال ليس لها معنى ، فأحدهم يعمل في الوظيفة ليسدد أقساط البيت ويسكن في البيت لينام ويأكل ويشرب ، ويشرب ويأكل وينام ليستقوي على أداء العمل .... !، دوامة آلية ليس لها روح ، ولكن الغارق فيها قد يلهو حتى عن إدراك الخلل ... بل الخواء الذي يكتنفه . وأبعد من ذلك مهوى ، أصحاب المدارس الفلسفية الخاوية ، كالسوفسطائية من المتقدمين ، والعدميـين من المتأخرين ، الذين يرون ألا قيمة للعقل ، ولا قدرة له على المـعرفة ، وما يعده الإنـسان وجوداً هو في الحقيـقة لا شيء ، ويرفضون القيم الأخـلاقية ، ويَسْعَوْن للهدم دون أن يمتلكوا البديل الصالح ، ولقد كانت العدمية هي الأيديولوجية السياسية لحزب روسي نشأ عام 1870م ، وكان هدفه تحطيـم النـظام الاجتـماعي القـائم ، دون أن يكون في نيته إحلال أي نظام آخر محله ... وقد اشتهرت فلسفة العدمية بربطها بهذا الحزب .
وهذا العـنوان مقتبـس من قصيدة الطغرائي الشهيرة " لامية العجم " حيث يقول :
غاض الوفاء ، وفاض الغدر ، واتسعت مسافة الخلف بين القول والعمل
لكن الشيء الذي أعنيه تحديداً ـ الآن ـ هو أهمية العمل كقيمة أساسية في الإسلام ، لحفظ الدين ، وعمارة الدنيا ، وأن وجوب العمل قاعدة ضخمة مستقرة ، تحتشد حولها مئات النصوص القرآنية والنبوية .
العمل أساس نجاح الفرد ، أو فشله ، وأساس قوة المجموع أو ضعفه ، وأساس السعادة الدنيوية ، وأساس النجاة الأخروية .
وبالتعبير الشرعي ، فـ "العمل الصالح " هو القيمة المعتبرة ، والتي تترتب عليها آثارها المحمودة في العاجل والآجل .
وهذا العمل الموسوم بالصلاح ، هو الذي تتحقق فيه الشروط الضرورية ، والتي جملتها :
أ - صلاح النية ، وحسن المقصد ، وهو ما يعبر عنه بـ (الإخلاص ).
ب - موافقة السنة ، والتزام الشرع ، وهو ما يعبر عنه أحياناً بــ (المتابعة) أو بـ (الصواب) . وهما مجتمعان في قوله تعالى : "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ".
فحسن العمل يدور على هذين القطبين ، أي : أكثر إخلاصاً لله ، وأكثر إصابة للشريعة ، والتزاماً بالمنهج ، ولهذا لم يأت في النص القرآني التعبير بـ : أيكم أكثر عملاً ..وكلمة الفـضيل بن عياض في هذا الباب معروفة ، قال في تفـسير آية الملك : " أحسن عملاً" : أخلصه وأصوبه ؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صـواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .( وانظر : العبودية لابن تيمية ) .
ولقد حاولت أن أحصي المواضع التي وردت فيها كلمة " العمل الصالح " في القرآن الكريم ، بتصريفاتها ، مع المحافظةعلى اللفظين ، فوجدتها نحواً من تسعين موضعاً . أما كلمة " العمل " مع وصف آخر غير الصلاح ، أياً كان ، أو مطلقة غير موصوفة ، فهي أكثر من ذلك بكثير ، إنها حسب إحصاء سريع ... نحو من ثلاثمائة وستين موضعاً ، ولا يخلو سرد تصريفاتها من فائدة : عمل ، يعمل ، يعملون ، اعمل ، اعملوا ، عامل ، عاملون ، عاملة ، عمل ، أعمال ... الخ .( انظر : معجم ألفاظ القرآن ، إخراج مجمع اللغة العربية 2 / 249 - 252 ) .
إنها إشادة صريحة بأهمية العمل وقيمته وضرورته للحياة ، بل وللموت أيضاً ، حتى الموت هو عمل يتدخل فيه جانب الإرادة ، ولهذا قال سبحانه : "فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ".
ولقد قامت في مدارس الفلسفة الغربية - والأمريكية منها على وجه الخصوص - سوق رائجة حديثاً للاتجاهات التي تهتم بالعمل والإنجاز والأداء ، وتعتبر هذه فلسفة الحياة الحقيقية ، دعك من الفلسفة التي يسمونها "براجماتية " وهي النفعية الواقعية التي تعتبر أن مقياس الحقيقة في المعرفة هو وجود نتائج عملية ملموسة لهذه المعرفة ، أي : أن المعرفة الحقيقية هي المعرفة المفيدة للممارسة ، وليست المعرفة النظرية المجردة ، المقطوعة الصلة بالواقع ( انظر : قاموس المصطلحات السياسسية والاقتصادية والاجتماعية ، سامي ذبيان وآخرون ، ص 85 ) .
إن تلك الإشادة الربانية بقيمة العمل تحمل تسفيهاً مباشراً ، لاتجاهين جائرين عن المحجة :
( أولهما) الاتجـاه العـامل على غير هـدى ولا بصيرة ، والذي لا معرفة له بالأسباب الشرعية والطبعية ، أولئك الذين يوصف عملهم بأنه سيِّء ، أو شر ، أو حابط ، أو خبيث ، أو خاسر .. فإن كان هذا العمـل دينياً لم يقبـل ، ولم يرفع ، ولم تحصل به نجاة في الدار الآخرة .
وإن كان دنيوياً لم يؤت ثمرته المطلوبة ، ولم ييحقق نتيجته المرقوبةة ، لأنه لم يكن ممممبنياً على نظر صحيح ، أو تجربة صادقة .
ولهذا قال تعالى :" وجوه يومئذٍ خاشعة ، عاملة ناصبة ، تصلى ناراً حامية ، تسقى من عين آنية " وقال : "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ... "الآيـات.
ويندرج في هذا التيار كل نحلة أو مذهب أو طريق يضل عن صراط الله ، فيعبد الله على جهل وضلال ، كالمتعبدين والعاملين الناصبين من أهل البدع ، خوارج كانوا ، أو صوفية ، أو غير ذلك . كما ينـدرج أصحـاب المدارس المنهجية التغييرية التي لم تحسن قراءة النواميس والسنن الإلهية ، فبنت أسلوبها في العمل والحياة على تلك القراءة الفاسدة ، فكان أمرها كما قال الله تعالى : "قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ، فخر عليـهم السقف من فوقهم ، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ".
وأجلى صـورة معاصرة لذلك الشـيوعية بقاعدتها الفلسفية ، وبنائها السياسي والحـضاري ، الذي تهاوى بطريقة لم يـكن يتوقعها أكثر المتفائلين ، وعادت إنجازاته عبئاً عليه ...كيف يتخلص منها ، كيف يوقف تراجعها السريع ، كيف يحافظ على الحد الأدنى منها ؟ .... الخ .
أما ( الاتجاه الآخر )فهو الاتجاه الراكن إلى القـعود ، وترك العـمل ، والإخلاد إلى الدعة ، الاتجاه الغافل عن سنـن الله ، فهو يريد أن تأتيه أمانيه طوعاً بلا كدٍ ولا تعب ، وهذا ، وإن كان صعب التحقق لما في طبع الإنسان من الحركة والفاعلية ، إلا أنه متحقـق من وجوه أخر ، تبدو في أولئك المسـترسلين وراء كل شهوة أو رغبة، المتقنعين تحت اسم أو شعار ظنوا أنه يكفيهم ..
فاليهود كانوا يقولون : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة . ثم جاء النصارى فقالوا مثل قولهم ، وادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه 0 ثم خلف من بعدهم خلف من المسلمين ورثوا الكتاب - يأخذون عرض هذا الأدنى ...ويقولون : سيغفر لنا ! ، وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه، نعم؛ كانت الآية لليهود والنصارى ، لكنها للمسلمين واجبة أيضاً ؛ إذ السنة واحدة ، وكما قال حذيفة رضي الله عنه : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم الحلو ، ولهم المر ... !
كما أنه متحقـق في أولئـك الذين لا هدف لهم ، ولا غاية يسعون إليها ، فهم أسرى للصـروف ، والظروف ، والأعـمال التفصـيلية ، والمجـريات اليومية والأحـداث الآنيـة ، لا ينتـظم سلوكَهم منهجٌ ، ولا يربط بين أعمالهم رابطٌ غارقون في أعمال ليس لها معنى ، فأحدهم يعمل في الوظيفة ليسدد أقساط البيت ويسكن في البيت لينام ويأكل ويشرب ، ويشرب ويأكل وينام ليستقوي على أداء العمل .... !، دوامة آلية ليس لها روح ، ولكن الغارق فيها قد يلهو حتى عن إدراك الخلل ... بل الخواء الذي يكتنفه . وأبعد من ذلك مهوى ، أصحاب المدارس الفلسفية الخاوية ، كالسوفسطائية من المتقدمين ، والعدميـين من المتأخرين ، الذين يرون ألا قيمة للعقل ، ولا قدرة له على المـعرفة ، وما يعده الإنـسان وجوداً هو في الحقيـقة لا شيء ، ويرفضون القيم الأخـلاقية ، ويَسْعَوْن للهدم دون أن يمتلكوا البديل الصالح ، ولقد كانت العدمية هي الأيديولوجية السياسية لحزب روسي نشأ عام 1870م ، وكان هدفه تحطيـم النـظام الاجتـماعي القـائم ، دون أن يكون في نيته إحلال أي نظام آخر محله ... وقد اشتهرت فلسفة العدمية بربطها بهذا الحزب .