من المسلّمات أن الوصول إلى نتيجة ما يمرّ بمقدّمات ضروريّة مقروءة تطول أو تقصر، ليس هذا ما يقرّره المنطقيّون فحسب، بل هذه هي السنة المطّردة في حياة الناس. [center]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=450 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']انعم ولذَّ فللأمور أواخرٌ[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
أبداً إذا كانت لهن أوائلُ[/font] [/td][/tr][/table][/center]
[justify]والمقدّمات الصحيحة تعطي نتائج صحيحة، والمقدّمات الفاسدة أو المغلوطة تعطي نتائج فاسدة.
إذا لم يتعود الناس على نظام التفكير فإنك ترى منهم العجائب؛ فهم يجرون مقارنات كثيرة دون أن يدركوا الفارق.
ويقفزون على النتائج بمجرد الرغبة أو الانطباع أو القناعة العاطفية دون أن يكلفوا أنفسهم مهمة التدرّج في المقدّمات.
ويسرى هذا على من قد يكون في مقام التوجيه أو التصدّر أو التأثير العام؛ فقد يملك شجاعة ليقول نتائج ثم يقفز إليها، وهذه النتائج تروق لفئة من الناس، ومن ثم يصفّق له على أنه بطل وشجاع، وقد يكون شجاعاً فعلاً.
لكن الشجاعة وحدها لا تؤهّل للتصدّر العلمي ما لم تكن مزمومة بالتعقّل والرويّة وحسن صناعة المقدّمات، وما لم تكن مصحوبة بالهدوء وترك الخيارات المتعددة للآخرين، فلا تحاصرهم برأيك وكأنّه الوحي المنزل، ومن خالفه فهو جاهلٌ أحمق، أو ضالٌّ مضلّ!
إن النتائج الجاهزة قد تجد من يصفّق لها ويبجّل أصحابها؛ لأنهم قالوا ما يريده فلان، ومن ثم تُوظّف النتائج التي يُفترض أنها علمية توظيفاً دقيقاً لمصلحة عابرة، وبزوالها تزول أهمية قائلها، لأنه لم يستمدّ كفاءته من ذاته (ومن مقدماته)، بل من مجرد الاتفاق الوقتي مع طرف ما، استفاد من النتائج التي تروق له، ثم تجاوزها إلى غيرها.
علينا أن نحترم ذوي الكفاءة والتأصيل والتمكن من تخصصهم سواء اتفقنا معهم أو خالفناهم؛ لأن احترامنا لا ينطلق من التطابق في الرأي أو الاختلاف فيه، بل من رؤية شخصياتهم الناضجة، وعقولهم الراجحة، وإيمانهم بقضيتهم، واستيعابهم لموضوعهم، وسعيهم الدؤوب في التحديث ومواكبة الجديد من المعلومات والمفاهيم.
والمجتمع بسلطته السياسية وأداته الإعلامية ومؤسّسته العلمية وهيئته الاجتماعية مسؤول عن منح هؤلاء مكانهم اللائق بهم، وتوسيع هامش الحركة والحرية لديهم؛ لئلا تضيع مصداقية العالم أو المفكر بتلقينه وكثرة الإملاءات عليه.
وهؤلاء مهما اختلفنا معهم- ونحن نختلف معهم فعلاً- هم روح المجتمع الوثّابة، وقلبه النابض، ورمز تفوّقه ورقيّه ونضجه.
ومن طبيعة هؤلاء أن يكون لهم رأيهم فيما يجدّ من قضايا، وأن تظهر بصماتهم على نتائجهم، وعلى طريقة عرضها وتقديمها وصياغتها.. فليكن، المهم أنهم يسيرون في الاتجاه نفسه في خدمة مجتمعهم، والسهر على قضاياه، والذبّ عن حياضه، ومقارعة كل ما يهدّد حاضره أو يدمّر مستقبله.
الأمر المهم هنا هو الكفاءة الذاتية التي ستكون خيراً للمجتمع في كل الظروف، وليس مجرد الارتياح لخلاصات مكرّرة يمكن أن يقولها هذا الرجل أو ذاك فتروق لنا، ويترتب عليها الغفلة عن الميزان الحقيقي لكفاءة الرجال العلمية والعقلية.
لقد روى الإمام أحمد والبيهقي والطبراني وأبو نعيم وغيرهم حديثاً عن العوذي و ابن عمر وأبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحملُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ". وقد حسّنه ابن عبد البر, واحتجّ به أحمد وقال: هو صحيح سمعته من غير واحد. وقال ابن عدي: رواه الثقات.
وهذه - والله أعلم- إشارة إلى أن الأمة بما استودعها الله من الخير والهدى مكتوب لها وعليها أنها تملك بوعيها الفطري وانسياقها العفوي السالم من التأثير والتقصّد وضع الرجال في مكانهم الصحيح، وإعطاء كل ذي حق حقّه، من غير إفراط ولا تفريط.
إن الشعوب تقتدي في حضورها وقوتها وقدرتها على مواجهة التحديات بقياداتها الفكرية الراسخة الأصيلة المتزنة، وهذا يحتاج:
أولاً: إلى صفة فطرية جليّة من الاتزان الذاتي واعتدال المزاج والهدوء والأناة كما أثنى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ بقوله: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ). رواه مسلم.
ويحتاج ثانياً: إلى تزكية هذا الخلق الفطري بالعلم والمعرفة والتتبّع والقراءة والاستماع.
والمرء قد يحتاج جهازاً مصنوعاً لمنـزله أو مسجده أو مدرسته، فيجد نمطاً غالي الثمن، جيد الصناعة، صبوراً للزمن، فيشتريه وهو يقول كما يقول العامة: (ثمنه فيه).(ما أرخص الغالي إذا كان حسناً).
ويؤثره على جهاز آخر رخيص، لكنه سريع العطب.
وأحرى بالمرء أن يختار في مهمات أموره، فهي أغلى من المال والذهب، وأنفس من الجواهر.
إن من الخطأ الفادح تعريض قناعة الآخرين للعبث، والتساهل في تقديم النماذج الفكرية التي تحتل مقام القدوة دون التحقّق من توفر صفات الأهليّة، مع أن محكمات النص تؤكد أن الأمة لا تخلو ممن هم أهل للإمامة، كما يقول سبحانه: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، وكما في فحوى الحديث الآنف.
ولذا كان الأصوليون والعلماء يقولون: لا يخلو عصر من قائم لله بحجّة، وهذا معناه أن التدخل غير المحمود في هذا الجانب هو تعويق للمسيرة الصحيحة، وإرباك لما تقتضيه طبائع الأشياء، (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل).[/justify]
[table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=450 align=center border=0][tr][td vAlign=bottom width="45%"][font='Times New Roman']انعم ولذَّ فللأمور أواخرٌ[/font] [/td][font='Times New Roman']
[td width="10%"] [/td][/font]
[td width="45%"][font='Times New Roman']
أبداً إذا كانت لهن أوائلُ[/font] [/td][/tr][/table][/center]
[justify]والمقدّمات الصحيحة تعطي نتائج صحيحة، والمقدّمات الفاسدة أو المغلوطة تعطي نتائج فاسدة.
إذا لم يتعود الناس على نظام التفكير فإنك ترى منهم العجائب؛ فهم يجرون مقارنات كثيرة دون أن يدركوا الفارق.
ويقفزون على النتائج بمجرد الرغبة أو الانطباع أو القناعة العاطفية دون أن يكلفوا أنفسهم مهمة التدرّج في المقدّمات.
ويسرى هذا على من قد يكون في مقام التوجيه أو التصدّر أو التأثير العام؛ فقد يملك شجاعة ليقول نتائج ثم يقفز إليها، وهذه النتائج تروق لفئة من الناس، ومن ثم يصفّق له على أنه بطل وشجاع، وقد يكون شجاعاً فعلاً.
لكن الشجاعة وحدها لا تؤهّل للتصدّر العلمي ما لم تكن مزمومة بالتعقّل والرويّة وحسن صناعة المقدّمات، وما لم تكن مصحوبة بالهدوء وترك الخيارات المتعددة للآخرين، فلا تحاصرهم برأيك وكأنّه الوحي المنزل، ومن خالفه فهو جاهلٌ أحمق، أو ضالٌّ مضلّ!
إن النتائج الجاهزة قد تجد من يصفّق لها ويبجّل أصحابها؛ لأنهم قالوا ما يريده فلان، ومن ثم تُوظّف النتائج التي يُفترض أنها علمية توظيفاً دقيقاً لمصلحة عابرة، وبزوالها تزول أهمية قائلها، لأنه لم يستمدّ كفاءته من ذاته (ومن مقدماته)، بل من مجرد الاتفاق الوقتي مع طرف ما، استفاد من النتائج التي تروق له، ثم تجاوزها إلى غيرها.
علينا أن نحترم ذوي الكفاءة والتأصيل والتمكن من تخصصهم سواء اتفقنا معهم أو خالفناهم؛ لأن احترامنا لا ينطلق من التطابق في الرأي أو الاختلاف فيه، بل من رؤية شخصياتهم الناضجة، وعقولهم الراجحة، وإيمانهم بقضيتهم، واستيعابهم لموضوعهم، وسعيهم الدؤوب في التحديث ومواكبة الجديد من المعلومات والمفاهيم.
والمجتمع بسلطته السياسية وأداته الإعلامية ومؤسّسته العلمية وهيئته الاجتماعية مسؤول عن منح هؤلاء مكانهم اللائق بهم، وتوسيع هامش الحركة والحرية لديهم؛ لئلا تضيع مصداقية العالم أو المفكر بتلقينه وكثرة الإملاءات عليه.
وهؤلاء مهما اختلفنا معهم- ونحن نختلف معهم فعلاً- هم روح المجتمع الوثّابة، وقلبه النابض، ورمز تفوّقه ورقيّه ونضجه.
ومن طبيعة هؤلاء أن يكون لهم رأيهم فيما يجدّ من قضايا، وأن تظهر بصماتهم على نتائجهم، وعلى طريقة عرضها وتقديمها وصياغتها.. فليكن، المهم أنهم يسيرون في الاتجاه نفسه في خدمة مجتمعهم، والسهر على قضاياه، والذبّ عن حياضه، ومقارعة كل ما يهدّد حاضره أو يدمّر مستقبله.
الأمر المهم هنا هو الكفاءة الذاتية التي ستكون خيراً للمجتمع في كل الظروف، وليس مجرد الارتياح لخلاصات مكرّرة يمكن أن يقولها هذا الرجل أو ذاك فتروق لنا، ويترتب عليها الغفلة عن الميزان الحقيقي لكفاءة الرجال العلمية والعقلية.
لقد روى الإمام أحمد والبيهقي والطبراني وأبو نعيم وغيرهم حديثاً عن العوذي و ابن عمر وأبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحملُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ". وقد حسّنه ابن عبد البر, واحتجّ به أحمد وقال: هو صحيح سمعته من غير واحد. وقال ابن عدي: رواه الثقات.
وهذه - والله أعلم- إشارة إلى أن الأمة بما استودعها الله من الخير والهدى مكتوب لها وعليها أنها تملك بوعيها الفطري وانسياقها العفوي السالم من التأثير والتقصّد وضع الرجال في مكانهم الصحيح، وإعطاء كل ذي حق حقّه، من غير إفراط ولا تفريط.
إن الشعوب تقتدي في حضورها وقوتها وقدرتها على مواجهة التحديات بقياداتها الفكرية الراسخة الأصيلة المتزنة، وهذا يحتاج:
أولاً: إلى صفة فطرية جليّة من الاتزان الذاتي واعتدال المزاج والهدوء والأناة كما أثنى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ بقوله: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ). رواه مسلم.
ويحتاج ثانياً: إلى تزكية هذا الخلق الفطري بالعلم والمعرفة والتتبّع والقراءة والاستماع.
والمرء قد يحتاج جهازاً مصنوعاً لمنـزله أو مسجده أو مدرسته، فيجد نمطاً غالي الثمن، جيد الصناعة، صبوراً للزمن، فيشتريه وهو يقول كما يقول العامة: (ثمنه فيه).(ما أرخص الغالي إذا كان حسناً).
ويؤثره على جهاز آخر رخيص، لكنه سريع العطب.
وأحرى بالمرء أن يختار في مهمات أموره، فهي أغلى من المال والذهب، وأنفس من الجواهر.
إن من الخطأ الفادح تعريض قناعة الآخرين للعبث، والتساهل في تقديم النماذج الفكرية التي تحتل مقام القدوة دون التحقّق من توفر صفات الأهليّة، مع أن محكمات النص تؤكد أن الأمة لا تخلو ممن هم أهل للإمامة، كما يقول سبحانه: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، وكما في فحوى الحديث الآنف.
ولذا كان الأصوليون والعلماء يقولون: لا يخلو عصر من قائم لله بحجّة، وهذا معناه أن التدخل غير المحمود في هذا الجانب هو تعويق للمسيرة الصحيحة، وإرباك لما تقتضيه طبائع الأشياء، (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل).[/justify]