كلنا ذلك الرجل الذي يتقطع قلبه وتنـزف مشاعره أسىً على إخوانه في كل مكان به جرح يدمى، أو امرأة تستنجد، أو طفل يبكي.
لكن من العدل أن يفقه الواحد منا الدور المنوط به، وماذا يجب عليه أن يفعل، وألا يترك نفسه لطوفان الحزن يغرقه، أو نار الهموم تأكله، وأن يتحول هذا الهم والحزن إلى خطوات عملية جادة لنفسك ولمن حولك.
إن مقصد الجهاد – فيما أرى- يمكن تلخيصه بجملة محددة هي:
"حماية المشروع الإسلامي من العدوان"، وليس بالضرورة أن نعبّر بلفظ الهجوم أو الدفاع، كما اعتاده الباحثون.
إن الجهاد هو قتال من يقاتلون المسلمين، كما في نص قول الله -سبحانه وتعالى-:
( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة:190].
وختم الآية بقوله: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) دليلٌ على أن حكمها لا يمكن أن ينسخ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- سمى ما خالف مفهومها عدوانا, وبيَّن أنه لا يحب من فَعَلَه، فدلّ على أن هذا لا يمكن أن يصبح يوماً من الأيام شرعاً؛ لأنه عدوان لا يحبه الله.
والعدوان لا يتحول إلى مباح، فضلاً عن أن يكون مشروعاً أو واجباً، إلا على سبيل المقابلة، كما في قوله سبحانه: ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )[البقرة:194].
فقيّده هنا بأنه موجه ضدّ الذين اعتدوا علينا، وسماه اعتداءً من باب المقابلة.
لكن مقاتلة الأعداء لنا تكون بأحد أمرين:
[color=blue]1- المقاتلة الفعلية والشروع فيها: [/color]
وهذا ظاهر بأن نكون في حرب فعلية قائمة مع هذا الطرف, أو ذاك.
[color=blue]2- المقاتلة بالإمكانية: [/color]
بمعنى أن يكون هؤلاء القوم محل مقاتلة, وليس بينهم وبين المسلمين أي عقد أو اتفاق أو هدنة أو تفاهم؛ يفضي إلى الاطمئنان, والمسلمون منهم على تخوّف، ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)[الأنفال:58].
وهنا يكون المسلمون في حِلّ من مقاتلة هؤلاء الذين يتربصون بهم ويعدون لهم العدة، ويجمعون على حربهم، مع الإيضاح والمعالنة والنبذ على سواء.
ثم هناك القدرة, وهي شرط مُجمع عليه في الجهاد كله.
ولكن هل معنى القدرة: أن نكون بحجم قدرة العدو؟
هذا غير وارد إلا على سبيل القسمة النظرية، وإلا فإنه لم يحصل على مر التاريخ الإسلامي، ولا في عهد النبوة ولا الخلفاء, ولا من بعدهم.
وهل هي الربع, أو النصف, أو أكثر, أو أقل، والله –عزّ وجلّ- ذكر في القرآن: "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"؟![الأنفال:65-66].
فالآية دلت على: مقاتلة ومصابرة من يكون عشرة أضعاف عدد الجيش، ثم خفف الله الأمر إلى النصف، فيصبر المسلمون لمن هم ضعف عددهم.
والراجح - فيما فهمته من تأمل النصوص والحوادث الجارية والماضية- أن القدرة يقصد بها: ما يرى أهل الشأن أنهم يستطيعون أن يحققوا بهذه القوة هدفاً معيناً مؤثراً، كطرد المحتل أو إلحاق الأذى به بصورة تعجّل برحيله, أو تكفّه عن التمادي, فهذا جانب مهم ينبغي فقهه ورعايته.
وأهل الشأن فيهم أهل الخبرة العسكرية الذين يقدرون الأمور حق قدرها، ويضعون الاحتمالات الصحيحة العادلة دون إفراط ولا تفريط.
وفيهم أهل السياسية والمعرفة والنظرة الشمولية الذين يمكنهم تحديد ما يكون نكاية بالعدو, وضرراً قوياً يحمله على تغيير خطته, أو الانسحاب من الدار، و ما ليس كذلك.
وقد يوجد من لديه حماس مفرط واستماتة، فلا ينظر للأمور برويّة، بل هو مندفع لا يبالي بشيء، كما يوجد من هو جبان كثير التردد، موسوس لا يطمئن إلى قرار، وليس لديه أدنى قدر من تفهّم المخاطرة وتقبلها.
وهذا كذاك لا يصلح الاعتداد بهم، بل يعتد بالفاقهين الذين لديهم الخبرة والمعرفة والإحاطة، مع الاعتدال في مزاجهم فلا يذهبون إلى إقدام أعمى, ولا إحجام جبان.
وهذا كله يقال في حالة الجهاد الشرعي الظاهر الذي لا إشكال فيه، مثل حالات الاعتداء اليوم على بلاد المسلمين في فلسطين والعراق وغيرهما.
أما عملية تفجير المجتمعات الإسلامية من داخلها بحجة تقويض الأنظمة فيها؛ فهي انحراف عن سواء السبيل، وطيش لا يمتّ إلى الرشد بسبب.
وكأن منتحلها حامل سلاح يصوبه إلى جسده؛ فحقَّ على مثله قوله سبحانه وتعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ)[الحشر:2]، وهذا لا يتعلق بالجهاد أصلاً.
والذين يقدرون هذا المسائل -أعني مسائل الاستطاعة- هم رجال البلد الذي يتعرض للعدوان بالمقام الأول، ويمكنهم أن ينتفعوا من غيرهم بالمشورة والمباحثة.
ولا يعني هذا الحجر على أحد أن يتكلم باجتهاده في هذه المسائل، إذا كان من أهل الفقه والبصيرة والاستنباط؛ فإن هذا لا يكفي فيه مجرد العلم، بل لا بد من فقه النفس، وسعة الإدراك، وقوة الاستنباط؛ كما قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء:83].
فقال: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). أي: من أولي الأمر، فدلّ على أنه ليس كل العلماء والساسة يدركون الأمر ويعرفون أبعاده.
هدى الله المسلمين جميعاً إلى سواء السبيل.
لكن من العدل أن يفقه الواحد منا الدور المنوط به، وماذا يجب عليه أن يفعل، وألا يترك نفسه لطوفان الحزن يغرقه، أو نار الهموم تأكله، وأن يتحول هذا الهم والحزن إلى خطوات عملية جادة لنفسك ولمن حولك.
إن مقصد الجهاد – فيما أرى- يمكن تلخيصه بجملة محددة هي:
"حماية المشروع الإسلامي من العدوان"، وليس بالضرورة أن نعبّر بلفظ الهجوم أو الدفاع، كما اعتاده الباحثون.
إن الجهاد هو قتال من يقاتلون المسلمين، كما في نص قول الله -سبحانه وتعالى-:
( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة:190].
وختم الآية بقوله: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) دليلٌ على أن حكمها لا يمكن أن ينسخ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- سمى ما خالف مفهومها عدوانا, وبيَّن أنه لا يحب من فَعَلَه، فدلّ على أن هذا لا يمكن أن يصبح يوماً من الأيام شرعاً؛ لأنه عدوان لا يحبه الله.
والعدوان لا يتحول إلى مباح، فضلاً عن أن يكون مشروعاً أو واجباً، إلا على سبيل المقابلة، كما في قوله سبحانه: ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )[البقرة:194].
فقيّده هنا بأنه موجه ضدّ الذين اعتدوا علينا، وسماه اعتداءً من باب المقابلة.
لكن مقاتلة الأعداء لنا تكون بأحد أمرين:
[color=blue]1- المقاتلة الفعلية والشروع فيها: [/color]
وهذا ظاهر بأن نكون في حرب فعلية قائمة مع هذا الطرف, أو ذاك.
[color=blue]2- المقاتلة بالإمكانية: [/color]
بمعنى أن يكون هؤلاء القوم محل مقاتلة, وليس بينهم وبين المسلمين أي عقد أو اتفاق أو هدنة أو تفاهم؛ يفضي إلى الاطمئنان, والمسلمون منهم على تخوّف، ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)[الأنفال:58].
وهنا يكون المسلمون في حِلّ من مقاتلة هؤلاء الذين يتربصون بهم ويعدون لهم العدة، ويجمعون على حربهم، مع الإيضاح والمعالنة والنبذ على سواء.
ثم هناك القدرة, وهي شرط مُجمع عليه في الجهاد كله.
ولكن هل معنى القدرة: أن نكون بحجم قدرة العدو؟
هذا غير وارد إلا على سبيل القسمة النظرية، وإلا فإنه لم يحصل على مر التاريخ الإسلامي، ولا في عهد النبوة ولا الخلفاء, ولا من بعدهم.
وهل هي الربع, أو النصف, أو أكثر, أو أقل، والله –عزّ وجلّ- ذكر في القرآن: "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"؟![الأنفال:65-66].
فالآية دلت على: مقاتلة ومصابرة من يكون عشرة أضعاف عدد الجيش، ثم خفف الله الأمر إلى النصف، فيصبر المسلمون لمن هم ضعف عددهم.
والراجح - فيما فهمته من تأمل النصوص والحوادث الجارية والماضية- أن القدرة يقصد بها: ما يرى أهل الشأن أنهم يستطيعون أن يحققوا بهذه القوة هدفاً معيناً مؤثراً، كطرد المحتل أو إلحاق الأذى به بصورة تعجّل برحيله, أو تكفّه عن التمادي, فهذا جانب مهم ينبغي فقهه ورعايته.
وأهل الشأن فيهم أهل الخبرة العسكرية الذين يقدرون الأمور حق قدرها، ويضعون الاحتمالات الصحيحة العادلة دون إفراط ولا تفريط.
وفيهم أهل السياسية والمعرفة والنظرة الشمولية الذين يمكنهم تحديد ما يكون نكاية بالعدو, وضرراً قوياً يحمله على تغيير خطته, أو الانسحاب من الدار، و ما ليس كذلك.
وقد يوجد من لديه حماس مفرط واستماتة، فلا ينظر للأمور برويّة، بل هو مندفع لا يبالي بشيء، كما يوجد من هو جبان كثير التردد، موسوس لا يطمئن إلى قرار، وليس لديه أدنى قدر من تفهّم المخاطرة وتقبلها.
وهذا كذاك لا يصلح الاعتداد بهم، بل يعتد بالفاقهين الذين لديهم الخبرة والمعرفة والإحاطة، مع الاعتدال في مزاجهم فلا يذهبون إلى إقدام أعمى, ولا إحجام جبان.
وهذا كله يقال في حالة الجهاد الشرعي الظاهر الذي لا إشكال فيه، مثل حالات الاعتداء اليوم على بلاد المسلمين في فلسطين والعراق وغيرهما.
أما عملية تفجير المجتمعات الإسلامية من داخلها بحجة تقويض الأنظمة فيها؛ فهي انحراف عن سواء السبيل، وطيش لا يمتّ إلى الرشد بسبب.
وكأن منتحلها حامل سلاح يصوبه إلى جسده؛ فحقَّ على مثله قوله سبحانه وتعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ)[الحشر:2]، وهذا لا يتعلق بالجهاد أصلاً.
والذين يقدرون هذا المسائل -أعني مسائل الاستطاعة- هم رجال البلد الذي يتعرض للعدوان بالمقام الأول، ويمكنهم أن ينتفعوا من غيرهم بالمشورة والمباحثة.
ولا يعني هذا الحجر على أحد أن يتكلم باجتهاده في هذه المسائل، إذا كان من أهل الفقه والبصيرة والاستنباط؛ فإن هذا لا يكفي فيه مجرد العلم، بل لا بد من فقه النفس، وسعة الإدراك، وقوة الاستنباط؛ كما قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء:83].
فقال: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). أي: من أولي الأمر، فدلّ على أنه ليس كل العلماء والساسة يدركون الأمر ويعرفون أبعاده.
هدى الله المسلمين جميعاً إلى سواء السبيل.