عرفتك في صباك، ومقتبل عمرك، تحشد الصغار حول ذاتك ممثلة في رؤى متطرفة، وأفكار شاذة، أجمل ما فيها لديك أنها ضد ا لناس، فأنت لا تطيق السير ضمن الآخرين أو معهم؛ لأنك تريد وهجاً خاصاً، وبريقاً مختلفاً، ولا تصبر عن الأضواء، ولا تحتمل البعد عن الضجيج.
وأراك لم تطل بك فترة اعتدال ورَشَد؛ بل كانت ومضة عابرة، أشبه ما تكون بمرور قسري دون توقف، عبوراً إلى الضفة الأخرى، حيث سراب التألق والإثارة.
ورأيتك بعدُ - مراراً - ويدي على قلبي؛ لأني أرى قلقاً فكرياً، واضطراباً منهجياً، ليس دافعه التطلع إلى المعرفة، والتشوف إلى تكميل النقص، والتساؤل المشروع، والبحث الموضوعي؛ بل الشوق إلى موقع غير المواقع العادية، لا تملك آلته ولا تحوز إمكانياته، فقررت أن يكون الوصول إليه بأي ثمن.
إنني أقدر رغبة الإنسان في الشهرة، ومحبته للذكر الحسن، لكني أتعجب ممن يطلب الشهرة ولو بـ"اللعن" كما يلعن إبليس.
وأقدر طموح الإنسان إلى مواقع التأثير في مجتمعه، أو حتى في الفكر الإنساني، كما يحلو لك أن تقول وأن تتمنى، لكن آلية هذا ليست بقذف الحصى في البحيرة الكبيرة فإذا ما أحدثت دوائر متلاشية عند سقوطها حسبها إبداعاً وتأثيراً.
وإنما آليته بالتذرع بالصبر، وطول النفس، وإدمان القراءة، ورعاية القيم، والحفاظ على سكينة الناس، وهذا طريق تنقطع دونه أنفاس الكثيرين ممن لا يملكون إلا الأمنيات.
المصيبة فيمن يملك الرغبة في الأضواء ولا يملك أداتها؛ فيصير إلى صناعة المفرقعات الجوفاء التي يصدق عليها أنها لا تنكأ عدواً، ولا تقتل صيداً، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن.
إن الحياة إذا خلت من الانضباط لم تعد حياة إنسانية، فليس صحيحاً أن الله يعبد بالحب وحده، وإن كان الحب هو أقوى المشاعر عاطفة، وأزكاها إحساساً.
بيد أنه لا بد معه من الخوف الذي يَزَع الإنسان عن الفجور، والاندفاع المريض، ولا بد من الرجاء الذي يضمن تعلق العبد بربه، وتطلعه إلى فضله.
والذين كفروا بالله، وجحدوا آياته في الفلسفة الأوروبية، من أمثال "نيتشه" آل بهم الأمر إلى أن كفروا بالإنسان وأخفقوا في إصلاحه؛ فأعلنوا موته أيضاً، وصدق الله العظيم إذ يقول: [color=green](وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [/color][(19) سورة الحشر].
إن مجرد التفلّت من الضوابط والأصول والاعتبارات الشرعية المحكمة ليس إنجازاً ولا يصنع تأثيراً في الفكر الإنساني.
فقصارى ما تقوله هنا هو ترديد بعض حواشٍ كتبها الفلاسفة الماديون، أو الصوفية المغالون.
ولقد نظرت إلى عبارتك في الحب فوجدتها قولاً على قول، ولا تبلغ في رشاقتها شيئاً بالقياس إلى قول الصوفي ( ابن عربي ):
[center][color=#336600]لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن دينـي إلى دينه دانِ
فأصبح قلبي قابلاً كلَّ صـورةٍ *** فمَرْعىً لغِزْلاَنٍ ودَيـرٌ لرُهْبانِ
وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طـــائفٍ *** وألواحُ توراةٍ ومصحـفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى تــوجَّهتْ *** رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيمــاني [/center]
[/color]
[justify]ونظرت في كلماتك في الإنسان فوجدتها سطراً باهتاً، من قاموس الوجودية، وماذا عساك تبلغ مما بلغوا؟!
قد يظن المرء أنه بعقله الغض -الذي لم يمارس حقه في التفكير العلمي الرزين- قد اختصر مسافات طويلة، شابت فيها لحى علماء، وبلغوا الهرم، وقضوا عمراً مليئاً بالبحث والدرس والتحقيق والحيرة أحياناً.
وها هو يباريهم فيما يحسبه إبداعاً، ويظنه خَلْقاً آخر، وهو صدى أجوف وترديد ساذج لمقولات آخرين.
لستَ أوّلَ من حط رحله في هذه الصحراء الموحشة، بعيداً عن التقوى والمراقبة ورعاية حق الله الخالق العظيم، ولعلك إن لم تسبق إليك منه رحمة ـ ستبقى وحيداً في غربتك إلى الأبد.
عدتَ من حيث بدأت، مكاناً تأباه العقول الناضجة، وترفضه النفوس السليمة من الأمراض والعلل والتعقيد، وسيطول انتظارك قبل أن تفرح بقادم إليك يعزز وحدتك.
فإن الإيمان الذي ترعرع عليه النشء أصبح جزءاً من شخوصهم وأصلاً في كينونتهم.
فهم وإن أبدوا مرونة وتسامحاً في أشياء، إلا أن اعتصامهم بربهم الأعلى، واستمساكهم بمحكمات التنزيل، وخوفهم من الدار الآخرة ولقائها؛ بل ومن الموت وقبضته التي لا يفلت منها مخلوق هو سياج منيع وحصن حصين دون تسلل نزعات الوجودية العمياء.
وإن من بؤس المجتمعات الإسلامية أن ألفتها تحديات العولمة وانفتاحها الهائل في الثقافة والفكر والمعرفة والإعلام، وفي السلوك وأنماطه، إضافة إلى التراجع السياسي الذي يكاد يصل إلى حد الإخفاق التام؛ فولّد هذا لدى بعض شبيبتها انفصالاً عن قيمها، واستحياءً من أصولها، وازدراء لكل ما يمت إليها بسبب، وهي حالة نفسية وعقلية في الوقت ذاته تتطلب من المصلحين يقظة وحضوراً قوياً وجهاداً مريراً، لا لمعالجة حالة فردية محفوفة باعتبارات خاصة كما أسلفت؛ ولكن لاستدراك حالة الانفتاح العام؛ لترشيدها وضبطها، والإفادة منها، وحمايتها من أن تتحول إلى زلزال مدمر يأتي على الأصول والقواعد، ويهدم السقوف على سكانها.
فاللهم احفظ شباب المسلمين، وبصّرهم بحقيقة دينهم، واصرف عقولهم وقلوبهم إلى ما هو الخير والرشاد، وقهم برحمتك شر نفوسهم وشر الشيطان وشركه إنك جواد كريم.
[/justify]
وأراك لم تطل بك فترة اعتدال ورَشَد؛ بل كانت ومضة عابرة، أشبه ما تكون بمرور قسري دون توقف، عبوراً إلى الضفة الأخرى، حيث سراب التألق والإثارة.
ورأيتك بعدُ - مراراً - ويدي على قلبي؛ لأني أرى قلقاً فكرياً، واضطراباً منهجياً، ليس دافعه التطلع إلى المعرفة، والتشوف إلى تكميل النقص، والتساؤل المشروع، والبحث الموضوعي؛ بل الشوق إلى موقع غير المواقع العادية، لا تملك آلته ولا تحوز إمكانياته، فقررت أن يكون الوصول إليه بأي ثمن.
إنني أقدر رغبة الإنسان في الشهرة، ومحبته للذكر الحسن، لكني أتعجب ممن يطلب الشهرة ولو بـ"اللعن" كما يلعن إبليس.
وأقدر طموح الإنسان إلى مواقع التأثير في مجتمعه، أو حتى في الفكر الإنساني، كما يحلو لك أن تقول وأن تتمنى، لكن آلية هذا ليست بقذف الحصى في البحيرة الكبيرة فإذا ما أحدثت دوائر متلاشية عند سقوطها حسبها إبداعاً وتأثيراً.
وإنما آليته بالتذرع بالصبر، وطول النفس، وإدمان القراءة، ورعاية القيم، والحفاظ على سكينة الناس، وهذا طريق تنقطع دونه أنفاس الكثيرين ممن لا يملكون إلا الأمنيات.
المصيبة فيمن يملك الرغبة في الأضواء ولا يملك أداتها؛ فيصير إلى صناعة المفرقعات الجوفاء التي يصدق عليها أنها لا تنكأ عدواً، ولا تقتل صيداً، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن.
إن الحياة إذا خلت من الانضباط لم تعد حياة إنسانية، فليس صحيحاً أن الله يعبد بالحب وحده، وإن كان الحب هو أقوى المشاعر عاطفة، وأزكاها إحساساً.
بيد أنه لا بد معه من الخوف الذي يَزَع الإنسان عن الفجور، والاندفاع المريض، ولا بد من الرجاء الذي يضمن تعلق العبد بربه، وتطلعه إلى فضله.
والذين كفروا بالله، وجحدوا آياته في الفلسفة الأوروبية، من أمثال "نيتشه" آل بهم الأمر إلى أن كفروا بالإنسان وأخفقوا في إصلاحه؛ فأعلنوا موته أيضاً، وصدق الله العظيم إذ يقول: [color=green](وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [/color][(19) سورة الحشر].
إن مجرد التفلّت من الضوابط والأصول والاعتبارات الشرعية المحكمة ليس إنجازاً ولا يصنع تأثيراً في الفكر الإنساني.
فقصارى ما تقوله هنا هو ترديد بعض حواشٍ كتبها الفلاسفة الماديون، أو الصوفية المغالون.
ولقد نظرت إلى عبارتك في الحب فوجدتها قولاً على قول، ولا تبلغ في رشاقتها شيئاً بالقياس إلى قول الصوفي ( ابن عربي ):
[center][color=#336600]لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن دينـي إلى دينه دانِ
فأصبح قلبي قابلاً كلَّ صـورةٍ *** فمَرْعىً لغِزْلاَنٍ ودَيـرٌ لرُهْبانِ
وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طـــائفٍ *** وألواحُ توراةٍ ومصحـفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى تــوجَّهتْ *** رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيمــاني [/center]
[/color]
[justify]ونظرت في كلماتك في الإنسان فوجدتها سطراً باهتاً، من قاموس الوجودية، وماذا عساك تبلغ مما بلغوا؟!
قد يظن المرء أنه بعقله الغض -الذي لم يمارس حقه في التفكير العلمي الرزين- قد اختصر مسافات طويلة، شابت فيها لحى علماء، وبلغوا الهرم، وقضوا عمراً مليئاً بالبحث والدرس والتحقيق والحيرة أحياناً.
وها هو يباريهم فيما يحسبه إبداعاً، ويظنه خَلْقاً آخر، وهو صدى أجوف وترديد ساذج لمقولات آخرين.
لستَ أوّلَ من حط رحله في هذه الصحراء الموحشة، بعيداً عن التقوى والمراقبة ورعاية حق الله الخالق العظيم، ولعلك إن لم تسبق إليك منه رحمة ـ ستبقى وحيداً في غربتك إلى الأبد.
عدتَ من حيث بدأت، مكاناً تأباه العقول الناضجة، وترفضه النفوس السليمة من الأمراض والعلل والتعقيد، وسيطول انتظارك قبل أن تفرح بقادم إليك يعزز وحدتك.
فإن الإيمان الذي ترعرع عليه النشء أصبح جزءاً من شخوصهم وأصلاً في كينونتهم.
فهم وإن أبدوا مرونة وتسامحاً في أشياء، إلا أن اعتصامهم بربهم الأعلى، واستمساكهم بمحكمات التنزيل، وخوفهم من الدار الآخرة ولقائها؛ بل ومن الموت وقبضته التي لا يفلت منها مخلوق هو سياج منيع وحصن حصين دون تسلل نزعات الوجودية العمياء.
وإن من بؤس المجتمعات الإسلامية أن ألفتها تحديات العولمة وانفتاحها الهائل في الثقافة والفكر والمعرفة والإعلام، وفي السلوك وأنماطه، إضافة إلى التراجع السياسي الذي يكاد يصل إلى حد الإخفاق التام؛ فولّد هذا لدى بعض شبيبتها انفصالاً عن قيمها، واستحياءً من أصولها، وازدراء لكل ما يمت إليها بسبب، وهي حالة نفسية وعقلية في الوقت ذاته تتطلب من المصلحين يقظة وحضوراً قوياً وجهاداً مريراً، لا لمعالجة حالة فردية محفوفة باعتبارات خاصة كما أسلفت؛ ولكن لاستدراك حالة الانفتاح العام؛ لترشيدها وضبطها، والإفادة منها، وحمايتها من أن تتحول إلى زلزال مدمر يأتي على الأصول والقواعد، ويهدم السقوف على سكانها.
فاللهم احفظ شباب المسلمين، وبصّرهم بحقيقة دينهم، واصرف عقولهم وقلوبهم إلى ما هو الخير والرشاد، وقهم برحمتك شر نفوسهم وشر الشيطان وشركه إنك جواد كريم.
[/justify]