من شعار الإسلام السلام، وهو يتضمن الرحمة, والرحمة نوعان:
الأول: صفة لله سبحانه؛ فمن صفاته الرحمن, ومن أسمائه الرحمن الرحيم. وقد سبقت رحمته غضبه, وكتب على نفسه الرحمة, ولذا كانت حفاوة الآداب الشرعية بهذا الاسم الشريف, وتضمينه في الأدعية والأذكار.
الثاني: الرحمة المخلوقة، وفي الحديث المتفق عليه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةُ رَحْمَةٍ فَقَسَمَ مِنْهَا جُزْءاً وَاحِداً بَيْنَ الْخَلْقِ فَبِهِ يَتَرَاحَمُ النَّاسُ وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ، والبهائم, والدواب وادخر تسعة وتسعين منها ليوم الحساب" [صحيح البخاري (6000) ، وصحيح مسلم (2752)]؛ فالرحمة معنى فيه العطف واللطف والمسامحة.
و لما خلق الله آدم, ونفخ فيه الروح فوصلت إلى خياشيمه عطس، فقال الله له: "يرحمك الله يا آدم"، فكانت الرحمة هي أول ما خاطب به الله -عز وجل- عبده ورسوله أبانا آدم عليه الصلاة والسلام، ولعل عطاس آدم عند وصول الروح إلى خياشيمه يدل على بداية الحياة حينئذ, ووصولها إلى أنفه، ويعزز ذلك قول بعض الفقهاء والأطباء المعاصرين من أن الحياة تبدأ في المخ؛ فإن مات الدماغ فالإنسان في حكم الميت في معظم أحكامه، وكأنه يدل على أن مآل آدم-عليه السلام- ومصيره إلى الرحمة, وأن ما يصيبه من نكد ويعتريه من نصب وشقاء إنما هو عارض يزول.
والعرب كانت تعتقد أن العطاس مرض؛ ولذا اشتقوا له هذا الاسم على وزن (الزكام, والصداع) ونحوها؛ ولهذا بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وشرع لنا التسميت أو التشميت, بقولنا للعاطس: يرحمك الله [صحيح البخاري (6223)، وسنن أبي داود (5028)، وجامع الترمذي (2746)].
وكأن هذا عارض سريع, أو زلزلة خفيفة ما تلبث أن تنتهي على خير؛ ولذلك ندعو له بالتشميت, أو العود إلى سمته الأصلي, ووضعه الطبيعي، وهذا إيحاء وإيماء بأن ما ينزل بالمسلم من مصائب في دنياه أو نفسه أو ماله أو أهله أو ولده أو ما يعتريه من بعض النقص أو الضرر العارض له في دينه, أو ما ينزل بالأمة من الفتن والمحن والنكبات إنما هي عوارض ذاتية لا تلبث أن تزول وإن بقيت آثارها.
وينبغي أن تكون المصائب والنوازل التي تحل بنا- سواء كانت منا أو من عدونا- عوارض بالنسبة لنا، وأن يطاردها ويلاحقها عمل الخير والدعوة إلى الرشد, والإصلاح المستمر, والتدارك الشامل دون انقطاع، وقد كان من دعاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- "للهم إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك؛ فإن رحمتك أهل لأن تبلغني, وسعت رحمتك كل شيء, وأنا شيء, فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين".
والبركات: جمع بركة, وهي الخيرات الكثيرة الدائمة والمتكررة، وهي في اللغة: الزيادة والنماء والكثرة والديمومة والاستمرار؛ ولذا جاءت بصيغة الجمع (السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)؛ لأن البركات تكون في الأموال والأولاد والأنفس والأوقات والأعمال، وفي كل شيء.
والبركة في المال تكون بكثرته وكونه حلالاً وبالإنفاق والبر والإحسان والبعد عن الحرام.
وفي الأولاد بصلاحهم وحسن أدبهم وتربيتهم ورعايتهم؛ ولهذا بارك الله تعالى في المال والولد، بينما كثير من الناس يكون ماله وبالاً عليه, شحيحاً به حتى على نفسه وولده, حتى يصل الأمر به إلى أنه يماكس في الدرهم والدرهمين إذا أراد أن يستأجر من يحفر قبره.
وكذلك الولد إن كان منحرفاً, شارداً عن السبيل, يكون وبالاً على والديه (َهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ ) [الأحقاف:17]، والبركة تكون في النفس وحسن الخلق والتواضع وخفض الجناح.
وفي الوقت بعمارته بذكر الله, واستغفاره, وملئه بجلائل الأعمال.
وتكون في العمر حتى إنك تجد من الصالحين من لم يعش إلا أربعين أو خمسين سنة وقد ملأ طباق الأرض علماً ومؤلفات وشهرة، بينما تجد من عُمّر مئة وأربعين أو أكثر وغاب اسمه وذكره حتى عن جيرانه، فلا صلاح يُذكر, ولا عمل يُقتدى به, وُلد على هامش الحياة ومات على شاطئها المهجور فكأنه لم يكن.
فالبركة دعاء بأن يكثر الله خير العبد في ماله وأهله وولده ونفسه وعمره؛ وبهذا يتضح أن التحية الشرعية الكاملة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) اشتملت على المعاني الثلاثة: السلام، والرحمة، والبركة.
وبدأ بالسلام بمعنى السلامة من الشر، بيد أن الإنسان قد يسلم من الشر ولا يصيبه خير؛ ولهذا تأتي "ورحمة الله" وهي دعاء بالخير ثم البركة بأن تكثر الرحمة وتدوم.
ولو بحثت في أي تحية يؤديها شعب من الشعوب أو أمة من الأمم على وجه الأرض فلن تجد مثل تحية الإسلام في معناها وخيرها وبركاتها ورقيها.
فأهل الجاهلية يقولون مثلاً: "عم صباحاً" أو "عم مساءً" أو "أبيت اللعن" عند مخاطبة الملوك. وعند الأمم الأخرى كالإنجليز مثل ذلك، وللأسف انتشرت على ألسنة بعض المسلمين تقليداً لهم واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيقول أحدهم هاي (hi) وليس لها معنى أكثر من أنها تحية متعارف عليها، أو جود مورننج (good morning)، أو جود أفتر نون (good after noon)، أو (بنسوار) بالفرنسية، أو غير ذلك مما خلا من الفصاحة ومن معاني البلاغة والشمولية والدعاء والرقي مما يوجد في تحية الإسلام.
إن المصلي عندما ينتهي من صلاته فإنه يخاطب من على يمينه بالسلام عليكم ومن على شماله بالسلام عليكم إيذاناً بانتهاء الصلاة، فالمؤمن في أحد حالين: إما في حال تلبس بعبادة؛ فهو يتوجه إلى ربه ويكبره ويعظمه ويرجو رحمته، وإما فرغ من عبادة فقضيته بعدها علاقته مع الآخرين فهو يفتتحها بالسلام عليهم ورحمة الله.
فما أعظم هدي الإسلام، وأجل تعاليمه، وما أحوج المسلم إلى ترطيب علاقته, وتقوية أواصرها بمن حوله من جيران أو شركاء أو قرابة, بنسمات الحب واللطف والوداد, وألا يسمح لعوارض الخلاف والشحناء أن تحل عرى الأخوة أو ترثّ حبلها الوثيق.
والقرآن ينادينا (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران:103]، فلنتهيأ لهذه المعاني الراقية ثم نهتف بالتحية ابتداءً وانتهاءً, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأول: صفة لله سبحانه؛ فمن صفاته الرحمن, ومن أسمائه الرحمن الرحيم. وقد سبقت رحمته غضبه, وكتب على نفسه الرحمة, ولذا كانت حفاوة الآداب الشرعية بهذا الاسم الشريف, وتضمينه في الأدعية والأذكار.
الثاني: الرحمة المخلوقة، وفي الحديث المتفق عليه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةُ رَحْمَةٍ فَقَسَمَ مِنْهَا جُزْءاً وَاحِداً بَيْنَ الْخَلْقِ فَبِهِ يَتَرَاحَمُ النَّاسُ وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ، والبهائم, والدواب وادخر تسعة وتسعين منها ليوم الحساب" [صحيح البخاري (6000) ، وصحيح مسلم (2752)]؛ فالرحمة معنى فيه العطف واللطف والمسامحة.
و لما خلق الله آدم, ونفخ فيه الروح فوصلت إلى خياشيمه عطس، فقال الله له: "يرحمك الله يا آدم"، فكانت الرحمة هي أول ما خاطب به الله -عز وجل- عبده ورسوله أبانا آدم عليه الصلاة والسلام، ولعل عطاس آدم عند وصول الروح إلى خياشيمه يدل على بداية الحياة حينئذ, ووصولها إلى أنفه، ويعزز ذلك قول بعض الفقهاء والأطباء المعاصرين من أن الحياة تبدأ في المخ؛ فإن مات الدماغ فالإنسان في حكم الميت في معظم أحكامه، وكأنه يدل على أن مآل آدم-عليه السلام- ومصيره إلى الرحمة, وأن ما يصيبه من نكد ويعتريه من نصب وشقاء إنما هو عارض يزول.
والعرب كانت تعتقد أن العطاس مرض؛ ولذا اشتقوا له هذا الاسم على وزن (الزكام, والصداع) ونحوها؛ ولهذا بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وشرع لنا التسميت أو التشميت, بقولنا للعاطس: يرحمك الله [صحيح البخاري (6223)، وسنن أبي داود (5028)، وجامع الترمذي (2746)].
وكأن هذا عارض سريع, أو زلزلة خفيفة ما تلبث أن تنتهي على خير؛ ولذلك ندعو له بالتشميت, أو العود إلى سمته الأصلي, ووضعه الطبيعي، وهذا إيحاء وإيماء بأن ما ينزل بالمسلم من مصائب في دنياه أو نفسه أو ماله أو أهله أو ولده أو ما يعتريه من بعض النقص أو الضرر العارض له في دينه, أو ما ينزل بالأمة من الفتن والمحن والنكبات إنما هي عوارض ذاتية لا تلبث أن تزول وإن بقيت آثارها.
وينبغي أن تكون المصائب والنوازل التي تحل بنا- سواء كانت منا أو من عدونا- عوارض بالنسبة لنا، وأن يطاردها ويلاحقها عمل الخير والدعوة إلى الرشد, والإصلاح المستمر, والتدارك الشامل دون انقطاع، وقد كان من دعاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- "للهم إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك؛ فإن رحمتك أهل لأن تبلغني, وسعت رحمتك كل شيء, وأنا شيء, فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين".
والبركات: جمع بركة, وهي الخيرات الكثيرة الدائمة والمتكررة، وهي في اللغة: الزيادة والنماء والكثرة والديمومة والاستمرار؛ ولذا جاءت بصيغة الجمع (السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)؛ لأن البركات تكون في الأموال والأولاد والأنفس والأوقات والأعمال، وفي كل شيء.
والبركة في المال تكون بكثرته وكونه حلالاً وبالإنفاق والبر والإحسان والبعد عن الحرام.
وفي الأولاد بصلاحهم وحسن أدبهم وتربيتهم ورعايتهم؛ ولهذا بارك الله تعالى في المال والولد، بينما كثير من الناس يكون ماله وبالاً عليه, شحيحاً به حتى على نفسه وولده, حتى يصل الأمر به إلى أنه يماكس في الدرهم والدرهمين إذا أراد أن يستأجر من يحفر قبره.
وكذلك الولد إن كان منحرفاً, شارداً عن السبيل, يكون وبالاً على والديه (َهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ ) [الأحقاف:17]، والبركة تكون في النفس وحسن الخلق والتواضع وخفض الجناح.
وفي الوقت بعمارته بذكر الله, واستغفاره, وملئه بجلائل الأعمال.
وتكون في العمر حتى إنك تجد من الصالحين من لم يعش إلا أربعين أو خمسين سنة وقد ملأ طباق الأرض علماً ومؤلفات وشهرة، بينما تجد من عُمّر مئة وأربعين أو أكثر وغاب اسمه وذكره حتى عن جيرانه، فلا صلاح يُذكر, ولا عمل يُقتدى به, وُلد على هامش الحياة ومات على شاطئها المهجور فكأنه لم يكن.
فالبركة دعاء بأن يكثر الله خير العبد في ماله وأهله وولده ونفسه وعمره؛ وبهذا يتضح أن التحية الشرعية الكاملة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) اشتملت على المعاني الثلاثة: السلام، والرحمة، والبركة.
وبدأ بالسلام بمعنى السلامة من الشر، بيد أن الإنسان قد يسلم من الشر ولا يصيبه خير؛ ولهذا تأتي "ورحمة الله" وهي دعاء بالخير ثم البركة بأن تكثر الرحمة وتدوم.
ولو بحثت في أي تحية يؤديها شعب من الشعوب أو أمة من الأمم على وجه الأرض فلن تجد مثل تحية الإسلام في معناها وخيرها وبركاتها ورقيها.
فأهل الجاهلية يقولون مثلاً: "عم صباحاً" أو "عم مساءً" أو "أبيت اللعن" عند مخاطبة الملوك. وعند الأمم الأخرى كالإنجليز مثل ذلك، وللأسف انتشرت على ألسنة بعض المسلمين تقليداً لهم واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيقول أحدهم هاي (hi) وليس لها معنى أكثر من أنها تحية متعارف عليها، أو جود مورننج (good morning)، أو جود أفتر نون (good after noon)، أو (بنسوار) بالفرنسية، أو غير ذلك مما خلا من الفصاحة ومن معاني البلاغة والشمولية والدعاء والرقي مما يوجد في تحية الإسلام.
إن المصلي عندما ينتهي من صلاته فإنه يخاطب من على يمينه بالسلام عليكم ومن على شماله بالسلام عليكم إيذاناً بانتهاء الصلاة، فالمؤمن في أحد حالين: إما في حال تلبس بعبادة؛ فهو يتوجه إلى ربه ويكبره ويعظمه ويرجو رحمته، وإما فرغ من عبادة فقضيته بعدها علاقته مع الآخرين فهو يفتتحها بالسلام عليهم ورحمة الله.
فما أعظم هدي الإسلام، وأجل تعاليمه، وما أحوج المسلم إلى ترطيب علاقته, وتقوية أواصرها بمن حوله من جيران أو شركاء أو قرابة, بنسمات الحب واللطف والوداد, وألا يسمح لعوارض الخلاف والشحناء أن تحل عرى الأخوة أو ترثّ حبلها الوثيق.
والقرآن ينادينا (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران:103]، فلنتهيأ لهذه المعاني الراقية ثم نهتف بالتحية ابتداءً وانتهاءً, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.