الحوار مع أهل الكتاب مقام يطول الحديث فيه، مع ضرورته والحاجة إليه، لكن هنا إشارة إلى بعض المعتبرات في قواعد ذلك على حرف مجمل:
1ـ الحوار مع أهل الكتاب يجب أن يكون لغة قادرة على التقويم والتعريف بالإسلام وأصوله وقضاياه، وموقف الإسلام العلمي من الديانة الكتابية [ اليهودية ـ النصرانية] أي : التقييم العلمي في الكتاب والسنة للديانة الكتابية، والفرق بينه وبين الموقف التطبيقي مع أهل الكتاب .
2ـ اعتبار القدر المشترك في الديانة السماوية المتمثل في صحة النبوة والوحي، ولزوم الاتباع للأنبياء، وتحصيل لوازم هذا القدر المشترك، وهذا هو المذكور في قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً "الآية [آل عمران : 64] وهذه قاعدة عقلية فاضلة في مقام جمع المختلف أو رد الاثنين إلى الواحد، فيعتبر المختلف بالمؤتلف، والثنائية بالأحدية، وهذا معتبر أيضاً بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في الصحيحين، ويتبع هذا تصحيح الفهوم المنحرفة، وردها إلى الصدق الذي جاءت به النبوة الخاتمة.
3ـ يفترض عدم المبادرة بالتصريح بالمفهوم الإقصائي الإلغائي كمقدمة أولية.
إن الإقصاء للديانة المحرفة وإن كان حقاً، لكنه في مقام الحوار يفترض أن يكون من المبادئ الثانية التي تكون نتيجة علمية لزومية، وليس مبدأ ولائياً مجرداً .
ثمة فرق حين يحصل الإقصاء من نتاج النظر الصحيح مع التقرير العلمي فيكون ضرورة عقلية ملحة، أو يكون لغة ولائية مبدئية ،هذا الثاني مقامه الخطاب الإسلامي، لا الحواري مع أهل الكتاب .
4ـ يفترض أن يكون تحصيل الإقناع معتبراً بالقضايا الأساسية في الإسلام، واستعمال المبادئ العقلية الكلية المصدقة لهذا .
إن الحوار يجب أن يستعمل لغة واعية قادرة على الإلزام العقلي، ولهذا أيد الرسل بالآيات والمعجزات المختلفة .
5ـ كما يفترض استغلال واقع الكتابيّين العلمي والخلاف في المفهوم الأساسي في كثير من القضايا داخل التجمعات الطائفية، اليهودية والنصرانية، والتاريخية والواقعية .
6ـ من المهم ألا تكون القضايا التي هي موضوع الحوار قضايا حسمها الإسلام بمبدأ التسليم الإيماني، بل تكون موضوعات قبليَّة يمكن من ليس معه مبدأ التسليم ـ وهذا حال الكتابي ـ أن يجد له موقع تعامل مع موضوع الحوار .
إن الحوار غير المطالبة، هذا قدر لا بد من إدراكه .
7ـ من المبادرات المهمة في مقدمة الحوار التعريف بمقام موسى بن عمران، وعيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام- والأثر السماوي في دين أهل الكتاب، واعتراف الإسلام بهذا، حتى فرق في المعاملة بين الكتابيين وغيرهم .
8ـ محاولة فك المفهوم الولائي عن مادة الحوار، واستبعاد اللغة الولائية الخاصة .
9ـ الدخول على الكتابي من خلال الإشكاليات المعقدة في الديانة الكتابية، ولا سيما النصرانية، خاصة أن هذه الإشكاليات تحتل موقعاً أساسياً في الديانة .
10ـ فشل الديانة الكتابية المحرفة في التطبيق الاجتماعي والإنتاجي ( تجارب الكنيسة مع العلم ) .
11ـ اعتبار الآثار العلمية في الوحي الإسلامي ( القرآن والحديث ) الإعجاز العلمي، والقدر الجاد منه، دع عنك ما هو من باب التظني والحشد .
12ـ اتخاذ التي هي أحسن في مقام المناسبة : "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم"[العنكبوت : 46] إلى غير ذلك من آليات الحوار .
وما أشرت إليه مناسب لمقام أهل الكتاب لا يناسب على هذا الوجه سائر الكفار أو من كان مخالفاً من المسلمين، بل لكل مقام مقال، وإن كان ثمة قواعد مشتركة في الحوار أياً كان موقعه، وحجة القرآن الكريم هي أعظم الحجج؛ لما فيها من الثبوت القطعي وقوة الدلالة، وترسيخ المبادئ والأصول والقواعد الكلية، التي يفضي التسليم بها إلى القبول بما وراءها .
وأما المصادر في النصرانية، فقد صنف علماء الإسلام في هذا مثل: (الجواب الصحيح) للإمام ابن تيمية، و(هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) لابن القيم، وما ذكره أبو محمد بن حزم في (الفِصَل) والشهرستاني في (الملل والنحل)، والرازي في (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين) قدر كبير من القول، وفي التصنيف المعاصر والقول في النصرانية المعاصرة كتابات كثيرة شهيرة، ومن الكتب في هذا كتب الشيخ محمد أبو زهرة على بعض الملاحظات، والله يتولانا جميعاً، وهنا فإن أفضل اعتبار لحال النصارى وأقوالهم هو ما ذكره القرآن، وهذا مقامٌ معرفتُه متيسرة لسائر المسلمين، ومن تدبَّر القرآن في الآيات التي يذكر فيها النصارى وأهل الكتاب تحصل له علم كافٍ وتقدير لهذا الموضع .
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
1ـ الحوار مع أهل الكتاب يجب أن يكون لغة قادرة على التقويم والتعريف بالإسلام وأصوله وقضاياه، وموقف الإسلام العلمي من الديانة الكتابية [ اليهودية ـ النصرانية] أي : التقييم العلمي في الكتاب والسنة للديانة الكتابية، والفرق بينه وبين الموقف التطبيقي مع أهل الكتاب .
2ـ اعتبار القدر المشترك في الديانة السماوية المتمثل في صحة النبوة والوحي، ولزوم الاتباع للأنبياء، وتحصيل لوازم هذا القدر المشترك، وهذا هو المذكور في قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً "الآية [آل عمران : 64] وهذه قاعدة عقلية فاضلة في مقام جمع المختلف أو رد الاثنين إلى الواحد، فيعتبر المختلف بالمؤتلف، والثنائية بالأحدية، وهذا معتبر أيضاً بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في الصحيحين، ويتبع هذا تصحيح الفهوم المنحرفة، وردها إلى الصدق الذي جاءت به النبوة الخاتمة.
3ـ يفترض عدم المبادرة بالتصريح بالمفهوم الإقصائي الإلغائي كمقدمة أولية.
إن الإقصاء للديانة المحرفة وإن كان حقاً، لكنه في مقام الحوار يفترض أن يكون من المبادئ الثانية التي تكون نتيجة علمية لزومية، وليس مبدأ ولائياً مجرداً .
ثمة فرق حين يحصل الإقصاء من نتاج النظر الصحيح مع التقرير العلمي فيكون ضرورة عقلية ملحة، أو يكون لغة ولائية مبدئية ،هذا الثاني مقامه الخطاب الإسلامي، لا الحواري مع أهل الكتاب .
4ـ يفترض أن يكون تحصيل الإقناع معتبراً بالقضايا الأساسية في الإسلام، واستعمال المبادئ العقلية الكلية المصدقة لهذا .
إن الحوار يجب أن يستعمل لغة واعية قادرة على الإلزام العقلي، ولهذا أيد الرسل بالآيات والمعجزات المختلفة .
5ـ كما يفترض استغلال واقع الكتابيّين العلمي والخلاف في المفهوم الأساسي في كثير من القضايا داخل التجمعات الطائفية، اليهودية والنصرانية، والتاريخية والواقعية .
6ـ من المهم ألا تكون القضايا التي هي موضوع الحوار قضايا حسمها الإسلام بمبدأ التسليم الإيماني، بل تكون موضوعات قبليَّة يمكن من ليس معه مبدأ التسليم ـ وهذا حال الكتابي ـ أن يجد له موقع تعامل مع موضوع الحوار .
إن الحوار غير المطالبة، هذا قدر لا بد من إدراكه .
7ـ من المبادرات المهمة في مقدمة الحوار التعريف بمقام موسى بن عمران، وعيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام- والأثر السماوي في دين أهل الكتاب، واعتراف الإسلام بهذا، حتى فرق في المعاملة بين الكتابيين وغيرهم .
8ـ محاولة فك المفهوم الولائي عن مادة الحوار، واستبعاد اللغة الولائية الخاصة .
9ـ الدخول على الكتابي من خلال الإشكاليات المعقدة في الديانة الكتابية، ولا سيما النصرانية، خاصة أن هذه الإشكاليات تحتل موقعاً أساسياً في الديانة .
10ـ فشل الديانة الكتابية المحرفة في التطبيق الاجتماعي والإنتاجي ( تجارب الكنيسة مع العلم ) .
11ـ اعتبار الآثار العلمية في الوحي الإسلامي ( القرآن والحديث ) الإعجاز العلمي، والقدر الجاد منه، دع عنك ما هو من باب التظني والحشد .
12ـ اتخاذ التي هي أحسن في مقام المناسبة : "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم"[العنكبوت : 46] إلى غير ذلك من آليات الحوار .
وما أشرت إليه مناسب لمقام أهل الكتاب لا يناسب على هذا الوجه سائر الكفار أو من كان مخالفاً من المسلمين، بل لكل مقام مقال، وإن كان ثمة قواعد مشتركة في الحوار أياً كان موقعه، وحجة القرآن الكريم هي أعظم الحجج؛ لما فيها من الثبوت القطعي وقوة الدلالة، وترسيخ المبادئ والأصول والقواعد الكلية، التي يفضي التسليم بها إلى القبول بما وراءها .
وأما المصادر في النصرانية، فقد صنف علماء الإسلام في هذا مثل: (الجواب الصحيح) للإمام ابن تيمية، و(هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) لابن القيم، وما ذكره أبو محمد بن حزم في (الفِصَل) والشهرستاني في (الملل والنحل)، والرازي في (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين) قدر كبير من القول، وفي التصنيف المعاصر والقول في النصرانية المعاصرة كتابات كثيرة شهيرة، ومن الكتب في هذا كتب الشيخ محمد أبو زهرة على بعض الملاحظات، والله يتولانا جميعاً، وهنا فإن أفضل اعتبار لحال النصارى وأقوالهم هو ما ذكره القرآن، وهذا مقامٌ معرفتُه متيسرة لسائر المسلمين، ومن تدبَّر القرآن في الآيات التي يذكر فيها النصارى وأهل الكتاب تحصل له علم كافٍ وتقدير لهذا الموضع .
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .