كتب إليّ أحد الأصدقاء سؤالاً عن قصة المهدي ، وما يشاع في الإنترنت عن ظهوره ، وعلاماته ، والرؤى المتعلقة به . وزجّ باسمي ، في دهاليز هذا الموضوع .
وقد كتبت للأخ ـ في حينها ـ جواباً ؛ أبين فيه أن ما يشاع ليس له أصل وإنما هي أشياء ، لا علاقة لها بالواقع ، ولا تعدو أن تكون إشاعات مُبطلة ، أو تمنيات من بعض النفوس اليائسة المُحْبَطَة .
ووعدته أني سوف أعالج هذا الموضوع ؛ لأنه يُعبر عن معاناة تعيشها الأمة . هذا الموضوع دعاني إلى مراجعة كلمة الانتظار في القرآن الكريم .
وأعتقد أن هذا مسلكٌ حسن ، أن نراجع كتاب الله تعالى ، الذي فيه الهدى والنور كلما وقعت واقعة من مثل هذه القضايا ، أو تداعت إلى النفوس ، أو ظهرت ظاهرة تحتاج إلى علاج .. فنظرت في الآيات التي ذُكر فيها لفظ : الانتظار ، أو ما يماثله مثل: التربص ، ونحوها ؛ فوجدت أن الآيات التي تدور في هذا المعنى تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
آيات جاءت في الوعيد بانتظار العقوبة للكافرين في الدار الآخرة ، فيقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( انتظروا ) أو مـا أشبه ذلك ،كما في قوله تعالـى في سورة السجدة : "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" (السجدة : 28-29) والمقصود بالفتح هنا - والله أعلم - يوم القيامة ؛ بدليل قوله : "لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُون * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ" (السجدة: من الآية 29-30) أي : انتظر نهاية الأمر ، وما وُعدوا به من البعث ، والجزاء ، والحساب ، وهم ينتظرون هذا الأمر أيضاً .
ومثله قوله تعالى : " يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا ً" (الأنعام: من الآية158) ، وقد صح تفسير هذه الآية بأنه : طلوع الشمس من مغربها ؛ إذ مع طلوعها لا ينفع نفساً إيمانها .
وقد يصح أن نقول : إن هذا نوع من آيات الله ، ولذلك قال : " بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ" (الأنعام: من الآية158) لكن هناك - أيضاً – آيات لله -سبحانه وتعالى - أخرى ، مثل : الغرغرة ، فإن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغِرْ .
إذاً ينتظرون الساعة الكبرى التي إذا ظهرت علاماتها الواضحة الكبيرة ، كطلوع الشمس من مغربها ؛ لا ينفع نفساً إيمانها .أو ينتظرون القيامة الصغرى التي هي موتهم ؛ فإن الإنسان إذا مات قامت قيامته والعلامات المباشرة للموت هي الغرغرة ، ومشاهدة الإنسان للملائكة ؛ وهم ينـزلون لقبض روحه ، فحينئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها أيضاً .
ولذلك نجد أن الآية دعت إلى العمل ، وإلى الإيمان ، وإلى الإصلاح قبل أن يحال بين الإنسان وبينه بالقيامة الكبرى ، أو الصغرى ؛ لأن قوله : "لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً " (الأنعام: من الآية158) هو: تحضيض ، وتحثيث على العمل ، على الإيمان ، على أن تكسب خيراً ، قبل أن تصل إلى حالٍ لا تتمكن فيها من ذلك .
فالانتظار - هنا - ليس معناه أن تضع خدك على يدك ، تنتظر شيئاً وتترقبه ؛ بل معناه أن تسارع ، وكأنك تسابق شيئاً تخشى أن يقع .
القسم الثاني :
انتظار الوعيد بعقوبات في الدنيا ، إن الكفار - أحياناً - قد يستعجلون العقاب ، على سبيل استبعاده والأمن منه ، كما في قصة هود - عليه السلام - فإن قومه قالوا له : ( أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " – إلى قوله – " فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ" ( الأعراف:71) ، فهم طلبوا العقوبة ، واستعجلوها فقال لهم : ( فَانْتَظِرُوا) ، وهكذا في سـورة يـونس : " فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِم ْ" (يـونس: مـن الآية102) أي بالعقوبات ، والمثُلات ، والنوازل ، والمصائب ؛ ولهذا يقول : "قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْْتَظِرِينَ" (يونس: من الآية102) أيضاً في سورة هود : "وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ*وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ" (هود:122).
فانظر كيف جمع بين العمل ، والانتظار ، وتـحدَّى الكافرين "اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ" يعني : منتظرون مـا يحكم الله تعالى به بيننا وبينكـم ؛ ولهذا قال : "فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه"(الأعراف: من الآية87) ( قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِين َ) ( الطور:31) وهكذا يكون الانتظار هنا لعقوبات الله تعالى التي تحل بالكافرين .
القسم الثالث :
انتظار آية من آيات الله تعالى ، فالكفار كانوا يطلبون من النبي -عليه الصلاة والسلام - أن يأتيهـم بآية من عند الله ، فقد طلبوا أن يقلب لهـم الصفا ذهباً ، أو أن يُسقط عليهم من السماء كِسفاً ، ونحو ذلك من المعجزات ، فكان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لهم : "إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ" كما أمره الله - عز وجل - ، وكما في سورة يونس : "وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ) (يونس:20) فنلاحظ في هذه الأنماط الثلاثة من الآيات فوائد مهمة جداً :
الأولى : تفويض الغيب إلى الله -سبحانه وتعالى - في الأمور التي ينتظرها الإنسان ؛ ولهذا قال : ( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّه ) فنـزول عقوبة مــن الله - سبحـانه وتعالى - ، وقيام الساعة من غيب الله الذي لا يظهر عليه أحداً ؛ قال سبحانه: " إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" (طـه:15) فالغيب لله - عز وجل -، ولا يظهر الله على غيبه أحـداً "إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجـن: من الآية27) وهناك أمـور من الغيب لا يعلمها إلا الله - عز وجل -فلا يعلمها مَلَك مقرَّب ، ولا نبي مرسل ؛ ولذلك فإن علم الغيب مما استأثر الله به، ولا يحل لأحد غير مَن أذن الله لـه أن يتقحَّمهُ بأيَّ وسيلة مـن الوسائل ، وقد يجد الإنسان - أحيانـاً - شعوراً نفسياً ، أو أمراً ينقدح في قلبه وقد يُلهم شيئاً ، فيظن ظناً لكـنه لا يجزم بشيء ، وقد يرى رؤيا خيرٍ للمسلمين ، أو رؤيا شرٍ لأعدائهم ، لكن التعبير يظل ظناً كما في سورة يوسف عليه السلام : "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا" (يوسف: من الآية42) ، فلم يجزم وهو نبي يأتيه الوحي ؛ ولم يقطع في تفسير الرؤيا بشيء ، وإنما ظن ظناً .
وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما حدَّثه رجل برؤيا رآها ؛ فعبرها له أبو بكر ثم قال :فأخبرني يا رسول الله – بأبي أنت – أصبت أم أخطأت ؟
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً ) .
قال : فوالله لتحدثني بالذي أخطأت ؟
قال : ( لا تقسم ) .البخاري ( 7046) مسلم (2269) .
فهذه : التوقعات ، والاحتمالات ، والظنون ، والآمال ..باب واسع ؛ لكن لا تعطي الإنسان يقيناً بشيء من علم الغيب ؛ ولهذا قال : " فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّه " (يونس: من الآية20) لأن الانتظار يتعلق بأمر مستقبل .
وقد كتبت للأخ ـ في حينها ـ جواباً ؛ أبين فيه أن ما يشاع ليس له أصل وإنما هي أشياء ، لا علاقة لها بالواقع ، ولا تعدو أن تكون إشاعات مُبطلة ، أو تمنيات من بعض النفوس اليائسة المُحْبَطَة .
ووعدته أني سوف أعالج هذا الموضوع ؛ لأنه يُعبر عن معاناة تعيشها الأمة . هذا الموضوع دعاني إلى مراجعة كلمة الانتظار في القرآن الكريم .
وأعتقد أن هذا مسلكٌ حسن ، أن نراجع كتاب الله تعالى ، الذي فيه الهدى والنور كلما وقعت واقعة من مثل هذه القضايا ، أو تداعت إلى النفوس ، أو ظهرت ظاهرة تحتاج إلى علاج .. فنظرت في الآيات التي ذُكر فيها لفظ : الانتظار ، أو ما يماثله مثل: التربص ، ونحوها ؛ فوجدت أن الآيات التي تدور في هذا المعنى تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
آيات جاءت في الوعيد بانتظار العقوبة للكافرين في الدار الآخرة ، فيقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( انتظروا ) أو مـا أشبه ذلك ،كما في قوله تعالـى في سورة السجدة : "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" (السجدة : 28-29) والمقصود بالفتح هنا - والله أعلم - يوم القيامة ؛ بدليل قوله : "لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُون * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ" (السجدة: من الآية 29-30) أي : انتظر نهاية الأمر ، وما وُعدوا به من البعث ، والجزاء ، والحساب ، وهم ينتظرون هذا الأمر أيضاً .
ومثله قوله تعالى : " يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا ً" (الأنعام: من الآية158) ، وقد صح تفسير هذه الآية بأنه : طلوع الشمس من مغربها ؛ إذ مع طلوعها لا ينفع نفساً إيمانها .
وقد يصح أن نقول : إن هذا نوع من آيات الله ، ولذلك قال : " بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ" (الأنعام: من الآية158) لكن هناك - أيضاً – آيات لله -سبحانه وتعالى - أخرى ، مثل : الغرغرة ، فإن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغِرْ .
إذاً ينتظرون الساعة الكبرى التي إذا ظهرت علاماتها الواضحة الكبيرة ، كطلوع الشمس من مغربها ؛ لا ينفع نفساً إيمانها .أو ينتظرون القيامة الصغرى التي هي موتهم ؛ فإن الإنسان إذا مات قامت قيامته والعلامات المباشرة للموت هي الغرغرة ، ومشاهدة الإنسان للملائكة ؛ وهم ينـزلون لقبض روحه ، فحينئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها أيضاً .
ولذلك نجد أن الآية دعت إلى العمل ، وإلى الإيمان ، وإلى الإصلاح قبل أن يحال بين الإنسان وبينه بالقيامة الكبرى ، أو الصغرى ؛ لأن قوله : "لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً " (الأنعام: من الآية158) هو: تحضيض ، وتحثيث على العمل ، على الإيمان ، على أن تكسب خيراً ، قبل أن تصل إلى حالٍ لا تتمكن فيها من ذلك .
فالانتظار - هنا - ليس معناه أن تضع خدك على يدك ، تنتظر شيئاً وتترقبه ؛ بل معناه أن تسارع ، وكأنك تسابق شيئاً تخشى أن يقع .
القسم الثاني :
انتظار الوعيد بعقوبات في الدنيا ، إن الكفار - أحياناً - قد يستعجلون العقاب ، على سبيل استبعاده والأمن منه ، كما في قصة هود - عليه السلام - فإن قومه قالوا له : ( أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " – إلى قوله – " فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ" ( الأعراف:71) ، فهم طلبوا العقوبة ، واستعجلوها فقال لهم : ( فَانْتَظِرُوا) ، وهكذا في سـورة يـونس : " فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِم ْ" (يـونس: مـن الآية102) أي بالعقوبات ، والمثُلات ، والنوازل ، والمصائب ؛ ولهذا يقول : "قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْْتَظِرِينَ" (يونس: من الآية102) أيضاً في سورة هود : "وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ*وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ" (هود:122).
فانظر كيف جمع بين العمل ، والانتظار ، وتـحدَّى الكافرين "اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ" يعني : منتظرون مـا يحكم الله تعالى به بيننا وبينكـم ؛ ولهذا قال : "فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه"(الأعراف: من الآية87) ( قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِين َ) ( الطور:31) وهكذا يكون الانتظار هنا لعقوبات الله تعالى التي تحل بالكافرين .
القسم الثالث :
انتظار آية من آيات الله تعالى ، فالكفار كانوا يطلبون من النبي -عليه الصلاة والسلام - أن يأتيهـم بآية من عند الله ، فقد طلبوا أن يقلب لهـم الصفا ذهباً ، أو أن يُسقط عليهم من السماء كِسفاً ، ونحو ذلك من المعجزات ، فكان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لهم : "إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ" كما أمره الله - عز وجل - ، وكما في سورة يونس : "وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ) (يونس:20) فنلاحظ في هذه الأنماط الثلاثة من الآيات فوائد مهمة جداً :
الأولى : تفويض الغيب إلى الله -سبحانه وتعالى - في الأمور التي ينتظرها الإنسان ؛ ولهذا قال : ( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّه ) فنـزول عقوبة مــن الله - سبحـانه وتعالى - ، وقيام الساعة من غيب الله الذي لا يظهر عليه أحداً ؛ قال سبحانه: " إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" (طـه:15) فالغيب لله - عز وجل -، ولا يظهر الله على غيبه أحـداً "إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجـن: من الآية27) وهناك أمـور من الغيب لا يعلمها إلا الله - عز وجل -فلا يعلمها مَلَك مقرَّب ، ولا نبي مرسل ؛ ولذلك فإن علم الغيب مما استأثر الله به، ولا يحل لأحد غير مَن أذن الله لـه أن يتقحَّمهُ بأيَّ وسيلة مـن الوسائل ، وقد يجد الإنسان - أحيانـاً - شعوراً نفسياً ، أو أمراً ينقدح في قلبه وقد يُلهم شيئاً ، فيظن ظناً لكـنه لا يجزم بشيء ، وقد يرى رؤيا خيرٍ للمسلمين ، أو رؤيا شرٍ لأعدائهم ، لكن التعبير يظل ظناً كما في سورة يوسف عليه السلام : "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا" (يوسف: من الآية42) ، فلم يجزم وهو نبي يأتيه الوحي ؛ ولم يقطع في تفسير الرؤيا بشيء ، وإنما ظن ظناً .
وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما حدَّثه رجل برؤيا رآها ؛ فعبرها له أبو بكر ثم قال :فأخبرني يا رسول الله – بأبي أنت – أصبت أم أخطأت ؟
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً ) .
قال : فوالله لتحدثني بالذي أخطأت ؟
قال : ( لا تقسم ) .البخاري ( 7046) مسلم (2269) .
فهذه : التوقعات ، والاحتمالات ، والظنون ، والآمال ..باب واسع ؛ لكن لا تعطي الإنسان يقيناً بشيء من علم الغيب ؛ ولهذا قال : " فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّه " (يونس: من الآية20) لأن الانتظار يتعلق بأمر مستقبل .