فاطمة عليوة 2/11/1428
12/11/2007
كثيرة هي الأمنيات التي تتسابق إلى فكر كل اثنين مقبلين على الزواج، وتتذبذب لديهم المعايير والأسس التي ينبغي لهم أن يؤسسوا عليها بيت المستقبل، بين التمسك بأحكام الإسلام وآدابه، وبين البعد عن هذه القيم، والميل للمظاهر المادية، والأحلام الوردية، والمبالغة في إرضاء النفس وشهواتها، وما يترتب عليه من غياب الدور الريادي، و المأمول، والذي لا يقوم به ويحققه إلاّ بيت مسلم أُسّس على تقوى الله عز وجل .
حول أهمية الأسرة في الإسلام، وما هي الأسس التي ينبغي أن يُؤسس عليها البيت المسلم القدوة، وكيف نجعل من بيوتنا حصوناً آمنة حتى تعمر مجتمعاتنا وتقوى أواصرها توجهنا بالسؤال لبعض الزوجات؛ لمعرفة على أي الأسس أسّسن بيوت الزوجية.. وهل وجدن فيها ما كنّ يتمنين..!!
كل هذه النقاط وغيرها سنتناولها في هذا التحقيق ...
هل تأسيس بيت يتسم بالسمت الإسلامي كان يمثل جل اهتمامك عند الزواج ..؟
سامية (أم باسم) أجابت قائلة: في الحقيقة لم أختلف كثيراً عن بنات جيلي وهن يقبلن على الحياة الزوجية؛ إذ كان هناك العديد من الأهداف والأولويات في بناء عش الزوجية، مثل: أن أفوز ببيت مؤسس على أفخر أساس، وأن أتمتع بمستوى -إلى حد ما- كبير من الرفاهية، وبالطبع كان لهذه الأمنيات دورها الرئيس في اختيار زوج المستقبل الذي يستطيع أن يلبي ما أطلب وأتمنى، ويكفي أنني تزوجت على كتاب الله وسنة رسوله. أليس هذا بكافٍ؟!
هبه (أم عمر) تقول :بيت يتسم بالسمت الإسلامي!! للأسف في البداية لم تشغل هذه المقولة حيزاً كبيراً من اهتماماتي وأنا أجهز لترتيبات الزواج مع شريك العمر، فكان يكفيني أن ارتباطنا قائم على قدر كبير من الحب الذي جمع بيننا منذ الصغر؛ لأننا أقارب في الأصل، وقد توج مسيرة آمالنا وأحلامنا بموافقة الأهل ومباركة الأقارب، وتم الزواج الذي جمع شملنا وكان هذا أقصى ما نتمنى! ولكن من فضل الله علينا بعد فترة من إنجاب طفلنا الأول بدأنا نقرأ ونطّلع على كثير من الكتب التربوية والدينية حتى نتعلم كيف نربي أولادنا، ومن هنا كانت نقطة التغير للأفضل في حياتنا الزوجية، وعرفنا ما كان يجب علينا أن نبدأ به حتى ننال رضا الله ومباركته لنا، ومن هذه اللحظة ونحن نحاول استدراك ما فاتنا حتى يصطبغ بيتنا بسمت الإسلام، ويكون حقاً بيت مسلم قدوة يرضي الله -عز وجل- ويساهم في بناء مجتمعه.
ومن جانبها تروي سلوى (أم شذى) فتقول: كان لتجربة عايشتها لإحدى قريباتي أثر في تحديد مسار حياتي واختياراتي، بأن أبني بيتي على أسس من الدين حتى أهنأ بحياتي وأرضي ربي، فابنة خالي كانت شديدة التعلق بمباهج الدنيا وزينتها حتى لو فرّطت بما فرضه عليها دينها، ومن ذلك أولاً عدم التزامها بالحجاب الشرعي ثم التهاون في أداء الصلوات، حتى في آمالها عند اختيار زوج المستقبل كان المال يسيطر على جل اهتمامها، وبالفعل نالت ما كانت تتمنى، وجاءها من يغدق عليها المال، وينقلها إلى مستوى أكثر رفاهية، ولكن سرعان ما انصرف عنها؛ فهو أيضاً لا يهتم إلاّ بكل ما يحقق له أكبر قدر من المتع والمنافع المادية.. فما كانت بالنسبة له سوى إطار شكلي للحياة الاجتماعية أمام الأقارب، أما حياته الخاصة فكانت مليئة بكل ما يحزن أي زوجة.
أما السيدة (إيناس) فتتحدث عن هذا الجانب بقولها :البيت المسلم القدوة. هذه المقولة وما تتضمنه من أسس بناء بيت الزوجية كانت -ولله الحمد- تمثل هدفي في الحياة؛ فالمؤمن الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد موته، وكذلك ينبغي أن يكون نافعاً لمجتمعه ولمن حوله، ولذا قرأت كثيراً عما ينبغي عليّ أن أتمسك به، وأنا مقبلة على الزواج من حيث اختيار صاحب الدين والأخلاق عملاً بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب إليكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ..."، وكذلك تأملت قول الرسول الكريم: "... اظفر بذات الدين تربت يداك"، فتمنيت أن أكون ذات دين حتى أُرزق بالزوج الصالح الذي معه أهنأ بالحياة، وأسعد بالثواب في الدنيا والآخرة، والحمد لله رزقني الله -عز وجل ما تمنيت، فهذه هي السعادة الحقة.. وهكذا يجب أن تكون بيوتنا حتى تعمر بالإيمان فتسعد مجتمعاتنا.
وينظر علم الاجتماع للأسرة على أنها الوحدة الأساس في بناء المجتمع، وهي المصدر الذي يمده بأفراد جدد بشكل يرضى عنه المجتمع ويألفه؛ إذ يُعدّ الزواج هو الإطار الشرعي الذي يقبله المجتمع ويطلقه على كل رجل وامرأة يعيشان سوياً .
والأسرة أصلها من الأسر، ويعني القيد أو التقييد، والأسرة ترتقي بالفرد من الحياة الموحشة الفردية إلى حالة الأبوة والأمومة، وتُعدّ الأسرة هي البيئة الصحية التي تمكن الفرد من إشباع رغباته واحتياجاته الغريزية والاجتماعية.. مما يمثل نوعاً من الاستقرار النفسي للفرد وإشعاره بأنه فرد سويّ ومقبول لدى المجتمع، وكذلك تُعدّ الأسرة من الأهمية؛ إذ إن تواجدها يُعدّ حماية للمجتمع من الرذيلة، وكلما قامت العلاقات الأسرية على أسس قوية ومتينة من الأخلاق والفضيلة كان ذلك كفيلاً بتواجد مجتمع قوي، أما العلاقات التي تُبنى على الأنانية وحب الذات واللهث وراء إشباع الشهوات فكل هذه الأنماط الشاذة كفيلة بهدم أي مجتمع.
ويقول الشيخ أبو الحمد ربيع -من علماء الأزهر الشريف- في كتابه القيم "البيت المسلم القدوة أمل يحتاج إلى عمل": إن الأسرة في الإسلام نظام إلهي وهدي نبوي وسلوك إنساني، والحياة في بيوت المسلمين عبادة شاملة وسنة متبعة وتربية مستمرة.
فقد شاءت إرادة الله -عز وجل- أن تُقام الحياة البشرية على أساس الأسرة بزواج بين رجل وامرأة من حين جرى قدر الله -سبحانه وتعالى- أن يكون أول التكاثر البشري من خلال أسرة آدم وحواء ... فكانت آية من آيات الله -عز وجل- من لدن آدم عليه السلام، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). [الروم:21] فبيت الزوجية هو وحده الذي يجمع بين ذكر وأنثى، وكل وطر يُقضى بعيداً عنه فهو عصيان لله واعتداء على حدوده.
ومن ثم فإن تكوينها - الأسرة – دين و والحفاظ عليها إيمان، ومكافحة الأوبئة التي تهددها جهاد، ورعاية ثمراتها من بنين وبنات جزء من شعائر الله، وقد حذر الله -عز وجل- من التفريط في حق الأسرة كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم:6].
وإن البيت المسلم إذا صح تكوينه وإعداده، وصح عمله وصحت ممارسة الحياة فيه على النظام الإسلامي فإنه يكون لبنة قوية في بناء المجتمع المسلم الملتزم بمنهج الله في الحياة، والأسرة المسلمة اليوم تحتاج إلى مربٍّ مثقف صادق يربط بين الفكر والعمل في تناسق إسلامي واضح.
ويرى الشيخ ربيع أن الوالدين الفاقدين للمرجعية الشرعية الجاهليْن بالعصر ومعطياته وتحولاته وتغيراته لا يمكن أن يقودا أسرة ويربيا أولاداً للعصر الذي يعيشون فيه .
وقد عدد مجموعة من الأسس التي ينبغي أن يُبنى عليها البيت المسلم القدوة حتى يستطيع أن يؤدي دوره وواجبه تجاه مجتمعه من أجل النهوض به وهي:
1- أن يلتزم كل من الرجل والمرأة الأسس الشرعية لإقامة البيت المسلم، وذلك بأن يُؤسّس من زوج وزوجة مسلمين صالحين .
2- أن يقوم الزوجان بمسؤوليتهما نحو البيت .
3- أن يتعاون الزوجان في القيام بواجباتهما كل نحو الآخر .
4- أن يعملا على تنمية المودة والرحمة وحسن العشرة بينهما .
5- أن يحسنا تربية الأبناء .
6- أن يحسنا تدبير المعيشة .
7- أن يحسنا حل المشاكل والخلافات الزوجية فيما بينهما.
تأسيس البيت المسلم القدوة - نموذج بيت النبوة -
يذكرنا بهذه النماذج المشرفة القدوة الأستاذ محمد حسين في كتابه القيم عن العلاقات الزوجية، وما يجب أن تكون عليها، والذي يحمل عنوان "العشرة الطيبة".
فرُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي... ومسحت وجهي بشيء من الماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب... ثم دخلت بي فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك، فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا، ما نُحرت عليّ جزور، ولا ذُبحت شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بحفنة كان يرسل بها إلى رسول الله إذا دار على نسائه".
قال الحسن البصري – وكان غلاماً مع أمه خيرة مولاة أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم –: لقد كنت أنال أطول سقف في حجرة النبي بيدي. وقال السهلي: كانت مساكنه عليه السلام مبنية من جريد عليه طين، بعضها من حجارة مرضومة، وسقفها كلها من جريد .
هكذا وبهذه البساطة والسهولة والصدق كانت تُقام الحياة الزوجية مثل سائر حياة المسلمين الصادقين بلا تكلف ولا إرهاق، فليس هناك عوائق لا مادية ولا اجتماعية تمنع من إقامة البيوت المسلمة السعيدة، وهكذا ذاق مجتمع الإسلام طعم السعادة والمحبة بهذا اليسر، ونبذ التكلف والتنافس البغيض على اقتناء للعرض الزائل لتكميل ومحاولة تجميل النفوس من الخارج بعد ما فقدت الجمال والكمال الروحي الداخلي، فلا يمكن ستر عورات النفوس بستر وطلاء البيوت وزخرفتها، ولا يمكن تعويض فقد صفات النفس وكمالها بملء البيوت بالأثاث والتحف وبريق المظهر . وبهذه البساطة التي تم بها تأسيس بيت النبوة عاش أسعد قلبين: قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلب أحب الخلق إليه عائشة رضي الله عنها .
لقد كان هذا النمط من الحياة السهلة اليسيرة عن قناعة واقتدار نفس طيبة، تطلعت للمعالي، فملكوا أنفسهم، وملكوا الدنيا؛ فسعدوا وأسعدوا الخلق، ولم يبالغوا في تنميق العيش، و لم يتفاخروا بالعرض الزائل، ويتكلفوا للناس، ويتعنتوا على أنفسهم مراءاة لغيرهم، ولم يجاروا أنماط عيش أهل الدنيا، بل ألزموا أنفسهم قوانين الرحمة بأنفسهم وغيرهم، فتبعهم غيرهم على أسس الفطرة .
ولنا في حديث رسول الله تذكرة لتحيا القلوب وتفيق العقول، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر ألاّ تزدروا نعمة الله عليكم". رواه البخاري ومسلم.