[url=http://www.alarabiya.net/writers/writer.php?content_id=68183]مأمون فندي[/url]
قد تبدو فكرة أن مصر دولة خليجية نوعاً من الخيال الاستراتيجي، لكنني سأحاول في هذا المقال أن أطرح هذه الفكرة الجديدة ضمن تصور استراتيجي لأمن الخليج من منظور الأمن الإنساني، وهو منظور جديد لفكرة الأمن الإقليمي يجعل من تصورنا لمصر على أنها دولة ذات دور خاص في مسألة أمن الخليج ليس ضرباً من الخيال.
[table border=0][tr][td]
[url=http://life.lightbb.com/][/url]
فمن يتذكر غزو صدام للكويت قد لا تفوته ملاحظة اختلال فكرة الأمن لدى البسطاء من المصريين عندما عاد بعضهم من الكويت حفاة بعد أن فقدوا كل حصيلة تعبهم وغربتهم، وهذا ما رأيته يومها بعيني في قرى الصعيد، وليس لدي شك في أن النبهاء من القائمين على رسم التصورات الاسترتيجية للدور المصري في المرحلة المقبلة قد تدفعهم فكرة كهذه لمناقشة الدور المصري الجديد في ورشات عمل خاصة داخل وزاراتهم المختلفة.
بداية، إن فهم الدور المصري في المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات بعضها جديد والآخر قديم، أول هذه المعطيات هو التوافق المصري السعودي الذي نراه اليوم، وهو أمر جاء في فترة الرئيس مبارك، ولم يكن موجودا في عهد السادات ولا في عهد عبدالناصر. الأمر الثاني هو تمدد النفوذ الإيراني الذي لم يعد مقتصراً على دول الخليج بل امتد إلى ما يمكن تسميته بالدول ذات الهوى الشيعي الثقافي أو الحضاري، كما في حالتي المغرب ومصر.
فقد رأينا أخيرا المغرب يقطع علاقته بطهران نتيجة للعبث الإيراني في الصيغة الداخلية للمجتمع المغربي، وهي صيغة ليست بالبعيدة عن الصيغة المصرية التي يؤمن بها الناس بالتفسير المالكي للفقه الإسلامي، مع تعلق عاطفي بآل البيت وتراثهم، واستغلال إيران لهذا التقارب المشاعري كأداة اختراق لهذه المجتمعات.
أما المعطى الثالث فهو حجم العمالة المصرية في دول الخليج، والذي يصل اليوم إلى أكثر من مليون مواطن مصري يعملون في المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصري يعملون في دولة الكويت، وحوالي مئة ألف مصري يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبذا قد يصل عدد المصريين العاملين في الخليج إلى حوالي مليون ونصف أو مليوني نسمة، وإذا أضفت إليهم أسرهم التي تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون في الخليج.
هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة في الخليج، وبالتأكيد أكبر بكثير من عدد سكان البلد الأصليين في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة. في ظل وضع مضطرب بالخليج عامة تغلي فيه التفاعلات التي تؤثر على الهوية الوطنية لدول الخليج، وبالمقابل حدوث التفاعل الثقافي المعاكس الذي أدى ببعض المصريين إلى اعتماد الكثير من العادات الخليجية في الملبس والمزاج الثقافي العام، والذي قد يصل أحيانا إلى اتباع التفسير الديني لبعض الدول الخليجية في كثير من المسائل الفقهية والشرعية، قد يحق لنا أن نتصور في إطار كل هذا أن مصر يمكن أن تكون أمنيا وثقافيا دولة خليجية.
أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هي الأطول، مع المملكة العربية السعودية التي تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي. مصر كانت في تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها، وهذا ما دفع بها إلى التدخل في شؤون دول الخليج أكثر من مرة، تدخّلاً كان يصل إلى حد إرسال الجيش المصري إلى خارج الحدود.
بعض هذا التدخل كان حميداً ويصب في مصلحة مصر والمنطقة عموما، حين قامت مصر بكبح جماح الرغبة العراقية الجارفة في دمج الكويت بالعراق في حالتي كل من عبدالكريم قاسم الذي كاد أن يدخل الكويت في عام 1962 وتصدى له جمال عبدالناصر في حينها، وحالة صدام حسين حين تدخل الجيش المصري مباشرة في تحرير الكويت عام 1991 ضمن تحالف أوسع شمل الولايات المتحدة ومصر وسورية والسعودية وقوات من دول أخرى. أما التدخل المصري غير الحميد فكان في اليمن، كان ذلك تدخلا سيئا بالنسبة لأمن الخليج وكان أسوأ بالنسبة لمصر، وربما كان واحداً من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى هزيمة مصر عام 1967.
سياسة مصر الخارجية يجب أن تناقش وبجدية فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعلياً دولة خليجية. التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين في بلدان الخليج أو من خلال التحركات الدبلوماسية المصرية، كلها تصب في التصور الذي أطرحه اليوم، والذي يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كي يتبلور كمفهوم استراتيجي فاعل.
*نقلاً عن صحيفة "الجريدة" الكويتية[/td][/tr][/table]
قد تبدو فكرة أن مصر دولة خليجية نوعاً من الخيال الاستراتيجي، لكنني سأحاول في هذا المقال أن أطرح هذه الفكرة الجديدة ضمن تصور استراتيجي لأمن الخليج من منظور الأمن الإنساني، وهو منظور جديد لفكرة الأمن الإقليمي يجعل من تصورنا لمصر على أنها دولة ذات دور خاص في مسألة أمن الخليج ليس ضرباً من الخيال.
[table border=0][tr][td]
[url=http://life.lightbb.com/][/url]
فمن يتذكر غزو صدام للكويت قد لا تفوته ملاحظة اختلال فكرة الأمن لدى البسطاء من المصريين عندما عاد بعضهم من الكويت حفاة بعد أن فقدوا كل حصيلة تعبهم وغربتهم، وهذا ما رأيته يومها بعيني في قرى الصعيد، وليس لدي شك في أن النبهاء من القائمين على رسم التصورات الاسترتيجية للدور المصري في المرحلة المقبلة قد تدفعهم فكرة كهذه لمناقشة الدور المصري الجديد في ورشات عمل خاصة داخل وزاراتهم المختلفة.
بداية، إن فهم الدور المصري في المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات بعضها جديد والآخر قديم، أول هذه المعطيات هو التوافق المصري السعودي الذي نراه اليوم، وهو أمر جاء في فترة الرئيس مبارك، ولم يكن موجودا في عهد السادات ولا في عهد عبدالناصر. الأمر الثاني هو تمدد النفوذ الإيراني الذي لم يعد مقتصراً على دول الخليج بل امتد إلى ما يمكن تسميته بالدول ذات الهوى الشيعي الثقافي أو الحضاري، كما في حالتي المغرب ومصر.
فقد رأينا أخيرا المغرب يقطع علاقته بطهران نتيجة للعبث الإيراني في الصيغة الداخلية للمجتمع المغربي، وهي صيغة ليست بالبعيدة عن الصيغة المصرية التي يؤمن بها الناس بالتفسير المالكي للفقه الإسلامي، مع تعلق عاطفي بآل البيت وتراثهم، واستغلال إيران لهذا التقارب المشاعري كأداة اختراق لهذه المجتمعات.
أما المعطى الثالث فهو حجم العمالة المصرية في دول الخليج، والذي يصل اليوم إلى أكثر من مليون مواطن مصري يعملون في المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصري يعملون في دولة الكويت، وحوالي مئة ألف مصري يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبذا قد يصل عدد المصريين العاملين في الخليج إلى حوالي مليون ونصف أو مليوني نسمة، وإذا أضفت إليهم أسرهم التي تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون في الخليج.
هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة في الخليج، وبالتأكيد أكبر بكثير من عدد سكان البلد الأصليين في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة. في ظل وضع مضطرب بالخليج عامة تغلي فيه التفاعلات التي تؤثر على الهوية الوطنية لدول الخليج، وبالمقابل حدوث التفاعل الثقافي المعاكس الذي أدى ببعض المصريين إلى اعتماد الكثير من العادات الخليجية في الملبس والمزاج الثقافي العام، والذي قد يصل أحيانا إلى اتباع التفسير الديني لبعض الدول الخليجية في كثير من المسائل الفقهية والشرعية، قد يحق لنا أن نتصور في إطار كل هذا أن مصر يمكن أن تكون أمنيا وثقافيا دولة خليجية.
أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هي الأطول، مع المملكة العربية السعودية التي تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي. مصر كانت في تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها، وهذا ما دفع بها إلى التدخل في شؤون دول الخليج أكثر من مرة، تدخّلاً كان يصل إلى حد إرسال الجيش المصري إلى خارج الحدود.
بعض هذا التدخل كان حميداً ويصب في مصلحة مصر والمنطقة عموما، حين قامت مصر بكبح جماح الرغبة العراقية الجارفة في دمج الكويت بالعراق في حالتي كل من عبدالكريم قاسم الذي كاد أن يدخل الكويت في عام 1962 وتصدى له جمال عبدالناصر في حينها، وحالة صدام حسين حين تدخل الجيش المصري مباشرة في تحرير الكويت عام 1991 ضمن تحالف أوسع شمل الولايات المتحدة ومصر وسورية والسعودية وقوات من دول أخرى. أما التدخل المصري غير الحميد فكان في اليمن، كان ذلك تدخلا سيئا بالنسبة لأمن الخليج وكان أسوأ بالنسبة لمصر، وربما كان واحداً من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى هزيمة مصر عام 1967.
سياسة مصر الخارجية يجب أن تناقش وبجدية فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعلياً دولة خليجية. التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين في بلدان الخليج أو من خلال التحركات الدبلوماسية المصرية، كلها تصب في التصور الذي أطرحه اليوم، والذي يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كي يتبلور كمفهوم استراتيجي فاعل.
*نقلاً عن صحيفة "الجريدة" الكويتية[/td][/tr][/table]