[url=http://www.alarabiya.net/writers/writer.php?content_id=68019]عبد الله بن بجاد العتيبي[/url]
الاختلافات والصراعات جزء من تكوين البشر، لا يختلف الإنسان البدائي عن المتحضر إلا في الدرجة وليس في النوع، ولم تزل الأساطير من قبل والتواريخ من بعد تروي تفاصيل هذه الاختلافات والصراعات وتحكي معطياتها ونتائجها.
في يومنا هذا، لم تزل العلاقات العربية- الإيرانية ومنذ زمنِ طويلِ في حالةِ مستمرةِ من الشدّ والإرخاء من التعاون والتخاصم تتحكم فيها على الدوام متغيرات السياسة وإرث التاريخ ونفوذ الجغرافيا. الجانب العربي كان باستمرار هو الجانب المبادر للحوار والتعاون، بينما الجانب الإيراني كان لا يفوّت فرصةً إلاّ اغتنمها لتسميم الأجواء وخلط الأوراق.
[table border=0][tr][td]
[url=http://life.lightbb.com/][/url]
كثيرةٌ هي النماذج المعبّرة عن هذه المقدّمة المختصرة، ويمكن لأي باحث رصد تاريخ العلاقة بين إيران وأي دولةِ عربيةِ من العراق إلى الخليج إلى مصر، ليكتشف هذه الحقيقة، وهي أنه منذ أيّام الشاه رضا بهلوي وابنه محمد، وحتى اليوم، والعلاقات بين العرب وإيران تدور في هذه الحلقة، ولم تزد الثورة في إيران شيئاً على ذلك سوى أنّها أضافت مزيداً من التوتّر على هذه العلاقات المضطربة.
وصل الخميني إلى إيران من منفاه في باريس، وهو يحمل على أكتافه ما تختزنه الذاكرة الشيعية من المظلومية التي لم تفتأ يوماً عن استحضارها وإيقادها عبر ممارسات وشعائر تضمن إبقاء جذوتها متقدةً ووصل كذلك وهو يحمل في رأسه فكرةً استطاع إحياءها في الذهنية الشيعية هي فكرة "ولاية الفقيه"، فبعد أن كان المذهب الشيعي المعتمد لدى أتباعه يبتعد ما استطاع عن التورّط في حبائل السياسة حتى يعود "الإمام المعصوم الغائب". وأصبح المذهب الشيعي مع هذه الفكرة الجامحة للخميني معنياً بشكلِ مباشرِ بالاستيلاء على السلطة، والخوض في دنس السياسة وإنْ لطّخت طهر المذهب ونقاء الفكرة، وكان للخميني ما أراد، فقد استطاع وبقوّةِ أن يطبّق ما يسمّيه الباحث الإيراني "داريوش شيغان" بـ"أدلجة الموروث الديني"، فتحوّل معه المذهب الشيعي إلى مذهبِ ذي رؤيةِ سياسيةِ تفصيلية، وتحوّل آيات الله وحججه إلى سياسيين، ولم يقتربوا من السياسة إلا بقدر ما ابتعدوا عن الصفاء المذهبي.
كان طموح الثورة الإيرانية بعد نجاحها جامحاً بكل المقاييس، يتصف بالحدّة والدمويّة داخلياً وخارجياً، ولم يلبث الخميني أن نادى بـ"تصدير الثورة"، وبدأ في التحرش بجيرانه العرب في الخليج والسعودية، وكان التجلّي الأكبر لهذا دخوله في حرب الثماني سنوات مع العراق حارس البوّابة الشرقية للعالم العربي، تلك الحرب التي لم يجن منها إلا "السمّ"، الذي اُضطر لتجرّعه عند اضطراره لإيقاف تلك الحرب.
الثابت في سياسات إيران تجاه العرب هو السعي للهيمنة وبسط النفوذ ونشر التفرّس في كل مكانِ تطاله يدها في العالم العربي، لا فرق في هذه السياسات بين الشاه وآية الله إلا في التفاصيل والوسائل لا الكليّات والغايات، غير أنّ ما هو جدير بالتأمل هو التغيّر الملحوظ في السياسات بين وليّ الفقيه الخميني وخلفه وليّ الفقيه خامنئي فبينما كان الأول متشرباً للثورة جامحاً ومباشراً جاء الثاني حاملاً ذات التشرب ونفس الجموح ولكن بأسلوبِ مختلف، فبدلاً عن الحرب العسكرية المباشرة، استخدم المهارة السياسية والعمل الهادئ، فسعى لبناء قوّةِ إيرانية عسكرية، وذهب بعيداً في بناء تحالفاتِ قويّةِ مع الجماعات والحركات والأحزاب داخل العالم العربي، التي استطاع استمالتها كـ"حماس" أو بناءها كـ"حزب الله" وبعض الأحزاب والتيّارات العراقية، وقد استطاع أن يستغلّ كل الظروف المتغيرة ليحوّلها لصالحه من الحرب الأفغانية إلى احتلال العراق، وبقي على الدوام مخلصاً للثورة ومتشرباً لمبادئها الأساسية.
حين أحس خامنئي والقيادة السياسية في إيران بأنّ نفوذهم وقوّتهم قد بلغت أوجها وأنهم استطاعوا التلاعب على تناقضات المنطقة وظروفها المستجدة والمستعرة في العراق ولبنان وأفغانستان، كشّر عن أنيابه وأبدى استهانةً واستخفافاً بالغين بقدرة العالم العربي على الرد، فسعى إلى احتواء قيادات "القاعدة" التي تسعى للتخريب في البلدان العربية كالسعودية ومصر والعراق وغيرها، وبنى علاقاتِ وطيدةِ مع سوريا، وبدأت إيران في إطلاق التصريحات المعادية للعرب عبر مسؤوليها وأتباعها، فمرةً تتهجّم على الإمارات العربية المتحدة، وأخرى تتقصد البحرين وتزعم أنّها المحافظة الرابعة عشرة، وثالثة تتهجم- عبر أتباعها- على مصر، وتحاول التشكيك في دورها التاريخي وقوّتها الإقليمية، وأخذت تحاول جهدها زعزعة الاستقرار في كل مكانِ تصل له يدها في العالم العربي من البحرين والإمارات شرقاً وحتى المغرب والجزائر والبوليساريو غرباً حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.
كان على العرب أن يعيدوا توحيد صفّهم الداخلي، وكان على المتردّدين أن يحسموا موقفهم، فكانت مبادرة الملك عبدالله في قمة الكويت الاقتصادية للمصالحة، وكانت جهود مصر في إنهاء الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني، وتوالت جهود العرب في إعادة إعمار غزّة، وكانت ذروة هذه التحرّكات إعادة التواصل والسعي للمصالحة بين السعودية وسوريا، والتي إن تمّت ستسحب ورقةً شديدة الأهمية من كف إيران، وهو ما سيؤثر بشكلِ مباشرِ على "حزب الله" و"حماس" وسيحدّ كثيراً من قدرتهما على التحرّك وإثارة المشاكل.
وأخيراً وليس آخراً جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل مباشرةً وتسمّي الأشياء بمسمّياتها لأوّل مرة، وتحوّل ما كان يسمّى في اجتماع أبوظبي التشاوري بـ"التدخلات غير المرغوب فيها" إلى "مواجهة التحدّي الإيراني" هكذا بكل صراحة ووضوح، وبدأت التحرّكات الدبلوماسية لتنفيذ هذه المواجهة، تظهر علناً في وسائل الإعلام والواجب أن تكون هذه المواجهة مبنيةً على خطةِ استراتيجية متكاملة في بنائها وشاملةِ للعالم العربي أو أكثره على الأقل، وذلك تحسباً لمواجهةِ قد تطول مع هذا العدوّ الإيراني المتربّص، وألا تكون مواجهةً في التصريحات فحسب، بل إن يتمّ رسم خطة المواجهة لتشمل كافّة الصعد المعلنة وغير المعلنة، وأن تعلم إيران أنّ العرب قادرون على ردّ الصاع صاعين حين لا تجدي المصالح المشتركة ولا تنفع سياسة حسن الجوار.
كان آخر دلائل الحراك العربي لمواجهة الخطر الإيراني في القرار المغربي الشجاع بقطع العلاقات مع إيران، وهو ما قد يتلوه قرارات أخرى بذات الشجاعة ونفس الاتجاه.
أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وأنْ يأتي الاعتراف العربي بالخطر الإيراني بهذه الصراحة والوضوح، فإنه مؤشر مهم للدلالة على حسن التوجّه والقدرة على إدارة الصراع ورسالة واضحة لإيران بأنّ بني عمّنا فيهم رماح، وأن التجبّر والتكبّر يرتدان ليؤذيا أوّل ما يؤذيان متبنيهما والممتلئ بهما قبل أن يمسا شيئاً من خصومه.
مع الأزمة الاقتصادية العالمية والقيادة الأميركية الجديدة ستتحرك في مياه المنطقة مياه جديدة دون شك. ومن حقّ العرب أن يدخلوا هذه المرحلة بكامل قوّتهم ووحدتهم، حتى لا يتمّ ترتيب أي أمرِ في المنطقة إلا ولهم فيه رأي راجح وموقف واضح.
* نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية[/td][/tr][/table]
الاختلافات والصراعات جزء من تكوين البشر، لا يختلف الإنسان البدائي عن المتحضر إلا في الدرجة وليس في النوع، ولم تزل الأساطير من قبل والتواريخ من بعد تروي تفاصيل هذه الاختلافات والصراعات وتحكي معطياتها ونتائجها.
في يومنا هذا، لم تزل العلاقات العربية- الإيرانية ومنذ زمنِ طويلِ في حالةِ مستمرةِ من الشدّ والإرخاء من التعاون والتخاصم تتحكم فيها على الدوام متغيرات السياسة وإرث التاريخ ونفوذ الجغرافيا. الجانب العربي كان باستمرار هو الجانب المبادر للحوار والتعاون، بينما الجانب الإيراني كان لا يفوّت فرصةً إلاّ اغتنمها لتسميم الأجواء وخلط الأوراق.
[table border=0][tr][td]
[url=http://life.lightbb.com/][/url]
كثيرةٌ هي النماذج المعبّرة عن هذه المقدّمة المختصرة، ويمكن لأي باحث رصد تاريخ العلاقة بين إيران وأي دولةِ عربيةِ من العراق إلى الخليج إلى مصر، ليكتشف هذه الحقيقة، وهي أنه منذ أيّام الشاه رضا بهلوي وابنه محمد، وحتى اليوم، والعلاقات بين العرب وإيران تدور في هذه الحلقة، ولم تزد الثورة في إيران شيئاً على ذلك سوى أنّها أضافت مزيداً من التوتّر على هذه العلاقات المضطربة.
وصل الخميني إلى إيران من منفاه في باريس، وهو يحمل على أكتافه ما تختزنه الذاكرة الشيعية من المظلومية التي لم تفتأ يوماً عن استحضارها وإيقادها عبر ممارسات وشعائر تضمن إبقاء جذوتها متقدةً ووصل كذلك وهو يحمل في رأسه فكرةً استطاع إحياءها في الذهنية الشيعية هي فكرة "ولاية الفقيه"، فبعد أن كان المذهب الشيعي المعتمد لدى أتباعه يبتعد ما استطاع عن التورّط في حبائل السياسة حتى يعود "الإمام المعصوم الغائب". وأصبح المذهب الشيعي مع هذه الفكرة الجامحة للخميني معنياً بشكلِ مباشرِ بالاستيلاء على السلطة، والخوض في دنس السياسة وإنْ لطّخت طهر المذهب ونقاء الفكرة، وكان للخميني ما أراد، فقد استطاع وبقوّةِ أن يطبّق ما يسمّيه الباحث الإيراني "داريوش شيغان" بـ"أدلجة الموروث الديني"، فتحوّل معه المذهب الشيعي إلى مذهبِ ذي رؤيةِ سياسيةِ تفصيلية، وتحوّل آيات الله وحججه إلى سياسيين، ولم يقتربوا من السياسة إلا بقدر ما ابتعدوا عن الصفاء المذهبي.
كان طموح الثورة الإيرانية بعد نجاحها جامحاً بكل المقاييس، يتصف بالحدّة والدمويّة داخلياً وخارجياً، ولم يلبث الخميني أن نادى بـ"تصدير الثورة"، وبدأ في التحرش بجيرانه العرب في الخليج والسعودية، وكان التجلّي الأكبر لهذا دخوله في حرب الثماني سنوات مع العراق حارس البوّابة الشرقية للعالم العربي، تلك الحرب التي لم يجن منها إلا "السمّ"، الذي اُضطر لتجرّعه عند اضطراره لإيقاف تلك الحرب.
الثابت في سياسات إيران تجاه العرب هو السعي للهيمنة وبسط النفوذ ونشر التفرّس في كل مكانِ تطاله يدها في العالم العربي، لا فرق في هذه السياسات بين الشاه وآية الله إلا في التفاصيل والوسائل لا الكليّات والغايات، غير أنّ ما هو جدير بالتأمل هو التغيّر الملحوظ في السياسات بين وليّ الفقيه الخميني وخلفه وليّ الفقيه خامنئي فبينما كان الأول متشرباً للثورة جامحاً ومباشراً جاء الثاني حاملاً ذات التشرب ونفس الجموح ولكن بأسلوبِ مختلف، فبدلاً عن الحرب العسكرية المباشرة، استخدم المهارة السياسية والعمل الهادئ، فسعى لبناء قوّةِ إيرانية عسكرية، وذهب بعيداً في بناء تحالفاتِ قويّةِ مع الجماعات والحركات والأحزاب داخل العالم العربي، التي استطاع استمالتها كـ"حماس" أو بناءها كـ"حزب الله" وبعض الأحزاب والتيّارات العراقية، وقد استطاع أن يستغلّ كل الظروف المتغيرة ليحوّلها لصالحه من الحرب الأفغانية إلى احتلال العراق، وبقي على الدوام مخلصاً للثورة ومتشرباً لمبادئها الأساسية.
حين أحس خامنئي والقيادة السياسية في إيران بأنّ نفوذهم وقوّتهم قد بلغت أوجها وأنهم استطاعوا التلاعب على تناقضات المنطقة وظروفها المستجدة والمستعرة في العراق ولبنان وأفغانستان، كشّر عن أنيابه وأبدى استهانةً واستخفافاً بالغين بقدرة العالم العربي على الرد، فسعى إلى احتواء قيادات "القاعدة" التي تسعى للتخريب في البلدان العربية كالسعودية ومصر والعراق وغيرها، وبنى علاقاتِ وطيدةِ مع سوريا، وبدأت إيران في إطلاق التصريحات المعادية للعرب عبر مسؤوليها وأتباعها، فمرةً تتهجّم على الإمارات العربية المتحدة، وأخرى تتقصد البحرين وتزعم أنّها المحافظة الرابعة عشرة، وثالثة تتهجم- عبر أتباعها- على مصر، وتحاول التشكيك في دورها التاريخي وقوّتها الإقليمية، وأخذت تحاول جهدها زعزعة الاستقرار في كل مكانِ تصل له يدها في العالم العربي من البحرين والإمارات شرقاً وحتى المغرب والجزائر والبوليساريو غرباً حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.
كان على العرب أن يعيدوا توحيد صفّهم الداخلي، وكان على المتردّدين أن يحسموا موقفهم، فكانت مبادرة الملك عبدالله في قمة الكويت الاقتصادية للمصالحة، وكانت جهود مصر في إنهاء الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني، وتوالت جهود العرب في إعادة إعمار غزّة، وكانت ذروة هذه التحرّكات إعادة التواصل والسعي للمصالحة بين السعودية وسوريا، والتي إن تمّت ستسحب ورقةً شديدة الأهمية من كف إيران، وهو ما سيؤثر بشكلِ مباشرِ على "حزب الله" و"حماس" وسيحدّ كثيراً من قدرتهما على التحرّك وإثارة المشاكل.
وأخيراً وليس آخراً جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل مباشرةً وتسمّي الأشياء بمسمّياتها لأوّل مرة، وتحوّل ما كان يسمّى في اجتماع أبوظبي التشاوري بـ"التدخلات غير المرغوب فيها" إلى "مواجهة التحدّي الإيراني" هكذا بكل صراحة ووضوح، وبدأت التحرّكات الدبلوماسية لتنفيذ هذه المواجهة، تظهر علناً في وسائل الإعلام والواجب أن تكون هذه المواجهة مبنيةً على خطةِ استراتيجية متكاملة في بنائها وشاملةِ للعالم العربي أو أكثره على الأقل، وذلك تحسباً لمواجهةِ قد تطول مع هذا العدوّ الإيراني المتربّص، وألا تكون مواجهةً في التصريحات فحسب، بل إن يتمّ رسم خطة المواجهة لتشمل كافّة الصعد المعلنة وغير المعلنة، وأن تعلم إيران أنّ العرب قادرون على ردّ الصاع صاعين حين لا تجدي المصالح المشتركة ولا تنفع سياسة حسن الجوار.
كان آخر دلائل الحراك العربي لمواجهة الخطر الإيراني في القرار المغربي الشجاع بقطع العلاقات مع إيران، وهو ما قد يتلوه قرارات أخرى بذات الشجاعة ونفس الاتجاه.
أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وأنْ يأتي الاعتراف العربي بالخطر الإيراني بهذه الصراحة والوضوح، فإنه مؤشر مهم للدلالة على حسن التوجّه والقدرة على إدارة الصراع ورسالة واضحة لإيران بأنّ بني عمّنا فيهم رماح، وأن التجبّر والتكبّر يرتدان ليؤذيا أوّل ما يؤذيان متبنيهما والممتلئ بهما قبل أن يمسا شيئاً من خصومه.
مع الأزمة الاقتصادية العالمية والقيادة الأميركية الجديدة ستتحرك في مياه المنطقة مياه جديدة دون شك. ومن حقّ العرب أن يدخلوا هذه المرحلة بكامل قوّتهم ووحدتهم، حتى لا يتمّ ترتيب أي أمرِ في المنطقة إلا ولهم فيه رأي راجح وموقف واضح.
* نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية[/td][/tr][/table]