صباح الموسوي
في التاريخ البشري هناك العديد من البطولات والمواقف الإنسانية البارزة التي تستحق أن يتم تخليدها، كما أن لجميع الأمم رموزا يعظمونها ويخلدون ذكراها إكراما للمواقف النبيلة والتضحيات الجسام التي قدمتها في سبيل الدفاع عن المبادئ والقيم الإنسانية ونصرة المظلوم على الظالم .
وفي تاريخنا العربي الإسلامي هناك أيضا الكثير من الشخصيات التي تستحق أن يخلّد ذكرها وترفع الى مواقع الريادة، أكراما وعرفانا منا بشهامتها وتضحياتها الغالية التي قدمتها لهذه الأمة. ومن بين تلك الشخصيات التي استحقت أن تنال هذا الموقع، شخصية سيدنا الإمام الحسين بن علي صاحب وقعة كربلاء، فهو لم ينل ذلك لكونه سبط الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ولا لكونه ابن علي المرتضى الذي تغنى جبرائيل باسمه "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار" ولا لكونه ابن السيدة فاطمة الزهراء بضعة المصطفى، لا ليس لهذا كله أصبح الحسين رمزا خالدا في ضمير المسلمين، و إنما نال ذلك لصلابته الإيمانية وموقفه الإنساني وتضحيته العظيمة، والحياة موقف كما يقال.
إذن هي العقيدة الصلبة و الموقف الحازم الذي كان وراء جعل الحسين يصبح رمزا في حياة الأمة. فالحسين لم يكن يريد هدفا سوى تطبيق القيم والمعاني الإنسانية السامية التي حملتها عقيدته، فهو القائل"إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت من أجل الإصلاح في أمة جدي رسول الله". هذا هو الهدف والغاية التي خرج من أجلها الحسين وقتل في سبيلها. فقد خرج من أجل إصلاح الاعوجاج الذي ظهر في مسيرة أمته و خشي أن تنحرف عن مبادئها التي أرساها سيد المرسلين. ولذلك عز على الحسين أن يرى هذه المسيرة التي هي ثمرة جهاد ودماء وتضحيات عزيزة، وهي ثروة حضارية تحمل مبادئ العدالة والمساواة للبشرية، يعبث بها أناس غلبت عليهم الأهواء والمصالح الدنيوية وراحوا يعيثون فسادا في الملك ويمارسون الظلم على العباد مشوهين الصورة الحقيقية لهذه الحضارة الإنسانية، ولهذا وجد أن لا خيار له سوى النهوض وان كان في ذلك تضحية كبيرة، فهو القارئ والمتدبر للقرآن الذي ينادي (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين : العنكبوت 69 )، و قد تذكر قول الشاعر "والجودُ بالنفس أقصى غاية الجودِ" فهل هناك أحب على الإنسان من روحه، فلتكن إذن هي الثمن لخدمة العقيدة وبلوغ الهدف. وبهذا أصبح الحسين رمزا للتضحية من أجل الحفاظ على المسيرة الإسلامية والدفاع عن المبادئ السامية التي حملتها والتي أراد الظالمون تحريفها.
ولكن لماذا عملوا على إفراغ الحركة الحسينية وهذه الذكرى العطرة من مضمونها و حولوها إلى مجرد قصة حزينة ومناسبة لجلد الذات وتأنيب الضمير والخنوع وزرع الضغائن وإشعال الفتن الطائفية العمياء، أليس هذا هو الانحراف الذي حاربه الحسين؟. لماذا لا تكون ذكرى واقعة كربلاء مناسبة لوحدة الصف الإسلامي إن كانوا حريصين على ذلك والعمل من أجل نشر المعاني السامية التي حملتها الحركة الحسينية بدل أن تبقى هذه المناسبة وسيلة للحاقدين والفاسدين يستغلونها لتحقيق مآربهم الخبيثة.
لقد أجمع المسلمون على أن حب الحسين واجب و أن مقتله فاجعة وأن قاتله ( يزيد ) حاكم غشوم و طاغية ظلوم، فإذن لماذا تبقى حناجر الطائفيين تحرض على خلق الفتن بترديدها صيحات "يال ثارات الحسين"وكأنه يوجد اليوم في الأمة الإسلامية من شارك في قتل الحسين قبل ألف وأربعمائة عام وأصحاب هذه الأصوات يريدون الثأر منه!. ثم طال ما أنهم يتكلمون بمنطق الثأر فلماذا لا يثأرون للخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي، فهؤلاء قتلوا ظلما وعدوانا أيضا؟ لماذا لا يجري الحديث عن المجازر العديدة التي ارتكبتها الفرق الباطنية، و لماذا لا يتم الحديث عن الثأر من الذين تعاونوا مع الغزاة والمحتلين منذ غزو المغول لبغداد و إلى اليوم.
ثم ما الفائدة التي تجنيها الأمة من هذه الصيحات ونحن نشاهد الأعداء و طواغيت العصر يحتلون أرضنا ويدنسون مقدساتنا و يهتكون كرامتنا ويصنعون لنا في كل يوم كربلاء جديدة؛ يذبحون فيها عشرات الأطفال والنساء والشيوخ من أهلنا، أهذه هي الدروس التي أراد لنا الحسين أن نتعلمها من حركته؟! مجرد لطم و عويل وشج للرؤوس وتأجيج نار الخلافات والأحقاد باسم التباكي على الحسين! فأي درس يتعلمه الإنسان من هذا الاستعراض العاطفي والشحن الطائفي الذي يخلو من أبسط معاني الحركة الحسينية التي هي أنموذج لحركة التصحيح الفكري والعقائدي، وحركة من أجل الدفاع عن الكرامة والحرية الإنسانية.
فمن يهتف باسم الحسين عليه أن يطبق المنهج الحسيني في الإيمان والعمل لا أن يختلق له شعارات زائفة ومناهج مضللة وينسبها للحسين. ثم إن قيمة الدرس الذي نتعلمه من الحركة الحسينية تكمن في العمل به في أرض الواقع و ليس بترديده على أعواد المنابر.
*خاص بـ "العربية.نت"
في التاريخ البشري هناك العديد من البطولات والمواقف الإنسانية البارزة التي تستحق أن يتم تخليدها، كما أن لجميع الأمم رموزا يعظمونها ويخلدون ذكراها إكراما للمواقف النبيلة والتضحيات الجسام التي قدمتها في سبيل الدفاع عن المبادئ والقيم الإنسانية ونصرة المظلوم على الظالم .
وفي تاريخنا العربي الإسلامي هناك أيضا الكثير من الشخصيات التي تستحق أن يخلّد ذكرها وترفع الى مواقع الريادة، أكراما وعرفانا منا بشهامتها وتضحياتها الغالية التي قدمتها لهذه الأمة. ومن بين تلك الشخصيات التي استحقت أن تنال هذا الموقع، شخصية سيدنا الإمام الحسين بن علي صاحب وقعة كربلاء، فهو لم ينل ذلك لكونه سبط الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ولا لكونه ابن علي المرتضى الذي تغنى جبرائيل باسمه "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار" ولا لكونه ابن السيدة فاطمة الزهراء بضعة المصطفى، لا ليس لهذا كله أصبح الحسين رمزا خالدا في ضمير المسلمين، و إنما نال ذلك لصلابته الإيمانية وموقفه الإنساني وتضحيته العظيمة، والحياة موقف كما يقال.
إذن هي العقيدة الصلبة و الموقف الحازم الذي كان وراء جعل الحسين يصبح رمزا في حياة الأمة. فالحسين لم يكن يريد هدفا سوى تطبيق القيم والمعاني الإنسانية السامية التي حملتها عقيدته، فهو القائل"إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت من أجل الإصلاح في أمة جدي رسول الله". هذا هو الهدف والغاية التي خرج من أجلها الحسين وقتل في سبيلها. فقد خرج من أجل إصلاح الاعوجاج الذي ظهر في مسيرة أمته و خشي أن تنحرف عن مبادئها التي أرساها سيد المرسلين. ولذلك عز على الحسين أن يرى هذه المسيرة التي هي ثمرة جهاد ودماء وتضحيات عزيزة، وهي ثروة حضارية تحمل مبادئ العدالة والمساواة للبشرية، يعبث بها أناس غلبت عليهم الأهواء والمصالح الدنيوية وراحوا يعيثون فسادا في الملك ويمارسون الظلم على العباد مشوهين الصورة الحقيقية لهذه الحضارة الإنسانية، ولهذا وجد أن لا خيار له سوى النهوض وان كان في ذلك تضحية كبيرة، فهو القارئ والمتدبر للقرآن الذي ينادي (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين : العنكبوت 69 )، و قد تذكر قول الشاعر "والجودُ بالنفس أقصى غاية الجودِ" فهل هناك أحب على الإنسان من روحه، فلتكن إذن هي الثمن لخدمة العقيدة وبلوغ الهدف. وبهذا أصبح الحسين رمزا للتضحية من أجل الحفاظ على المسيرة الإسلامية والدفاع عن المبادئ السامية التي حملتها والتي أراد الظالمون تحريفها.
ولكن لماذا عملوا على إفراغ الحركة الحسينية وهذه الذكرى العطرة من مضمونها و حولوها إلى مجرد قصة حزينة ومناسبة لجلد الذات وتأنيب الضمير والخنوع وزرع الضغائن وإشعال الفتن الطائفية العمياء، أليس هذا هو الانحراف الذي حاربه الحسين؟. لماذا لا تكون ذكرى واقعة كربلاء مناسبة لوحدة الصف الإسلامي إن كانوا حريصين على ذلك والعمل من أجل نشر المعاني السامية التي حملتها الحركة الحسينية بدل أن تبقى هذه المناسبة وسيلة للحاقدين والفاسدين يستغلونها لتحقيق مآربهم الخبيثة.
لقد أجمع المسلمون على أن حب الحسين واجب و أن مقتله فاجعة وأن قاتله ( يزيد ) حاكم غشوم و طاغية ظلوم، فإذن لماذا تبقى حناجر الطائفيين تحرض على خلق الفتن بترديدها صيحات "يال ثارات الحسين"وكأنه يوجد اليوم في الأمة الإسلامية من شارك في قتل الحسين قبل ألف وأربعمائة عام وأصحاب هذه الأصوات يريدون الثأر منه!. ثم طال ما أنهم يتكلمون بمنطق الثأر فلماذا لا يثأرون للخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي، فهؤلاء قتلوا ظلما وعدوانا أيضا؟ لماذا لا يجري الحديث عن المجازر العديدة التي ارتكبتها الفرق الباطنية، و لماذا لا يتم الحديث عن الثأر من الذين تعاونوا مع الغزاة والمحتلين منذ غزو المغول لبغداد و إلى اليوم.
ثم ما الفائدة التي تجنيها الأمة من هذه الصيحات ونحن نشاهد الأعداء و طواغيت العصر يحتلون أرضنا ويدنسون مقدساتنا و يهتكون كرامتنا ويصنعون لنا في كل يوم كربلاء جديدة؛ يذبحون فيها عشرات الأطفال والنساء والشيوخ من أهلنا، أهذه هي الدروس التي أراد لنا الحسين أن نتعلمها من حركته؟! مجرد لطم و عويل وشج للرؤوس وتأجيج نار الخلافات والأحقاد باسم التباكي على الحسين! فأي درس يتعلمه الإنسان من هذا الاستعراض العاطفي والشحن الطائفي الذي يخلو من أبسط معاني الحركة الحسينية التي هي أنموذج لحركة التصحيح الفكري والعقائدي، وحركة من أجل الدفاع عن الكرامة والحرية الإنسانية.
فمن يهتف باسم الحسين عليه أن يطبق المنهج الحسيني في الإيمان والعمل لا أن يختلق له شعارات زائفة ومناهج مضللة وينسبها للحسين. ثم إن قيمة الدرس الذي نتعلمه من الحركة الحسينية تكمن في العمل به في أرض الواقع و ليس بترديده على أعواد المنابر.
*خاص بـ "العربية.نت"