منتديات نور حياتك



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نور حياتك

منتديات نور حياتك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إن الناظر في هذه المنتدى سيجد أن الشموع التي أشعلناها موزعة على مجالات عديدة, لكن يجمع بينها استهداف الارتقاء بشخصيات إخواني وأخواتي في العالم العربي, وتقديم العون لهم على سلوك مسالك الرشاد, والتفوق في كل مجلات الحياة .


    فقه الموقف (الحلقة الخامسة)

    Your life
    Your life
    المدير العام على منتديات نور حياتك


    عدد الرسائل : 981
    السٌّمعَة : 0
    نقاط : 101
    تاريخ التسجيل : 15/01/2009

    فقه الموقف (الحلقة الخامسة) Empty فقه الموقف (الحلقة الخامسة)

    مُساهمة من طرف Your life الجمعة فبراير 20, 2009 9:13 pm

    يستدعي الحديث في هذا الموضوع ارتباطاً تأصيلياً يبني فقهاً قواعدياً للموقف ، وهنا تكون مفاهيم عُرفت في النظم والقواعد المقولة في أصول التشريع والحكم أساساً في رسم فقه معتدل لا يختص اعتباره بطبقة العلماء والدعاة ، بل هو منهج وسطي للتعامل يفترض أن يكون أحد أسس التربية المشاعة في أكبر قدر ممكن من الأوساط الاجتماعية . ربما يكون من العقبات في تطبيع مفهوم الفقه الوسطي للموقف أن الرسم الفقهي يرتبط بمفاهيم ذات رسم علمي كثيراً ما يكون غير تلقائي الإدراك ، مثل (الاجتهاد، الاستطاعة، الموازنة بين المصالح ، درء المفاسد) لكن مع هذا كله يفترض أن يكون هناك تقريب لهذه المفاهيم الأُسسية ، وهذا محل المحاولة في هذه الورقة التي امتدت إلى هذه الحلقة لتكون ختماً لها.
    ثمة مفاهيم رئيسة في هذا التناول المنهجي ، ومن المرجح أنها من أكثر المفاهيم تأخراً عن الضبط وحسن الإدراك، أشير هنا إلى مفهوم كثير التداول التطبيقي :
    العلاقة بين القضاء الشرعي والقضاء القدري في فقه الموقف : هذا مفهوم أساس ويبدو أنه يُتناول كثيراً بغير اعتدال، وربما يكون الإدراك لهذه العلاقة يمثل درجة من الغياب المنهجي .
    ربما يمكن رسم عدم الإدراك لهذا المفهوم في تجاوز الوسطية في فهم العلاقة بين الشرع والقدر ، تحت اتجاهين لهذا التجاوز يتجه أحدهما في فك هذه العلاقة إلى درجة أشبه ما تكون بتجاوز الارتباط أي استقلال الحكم الشـرعي عن الحكم القدري ، ويتجه الآخر إلى ترسيم تلازمي بين الشرع والقدر ، وكأن القدر يجب أن يتجه إلى حيث القضاء الشرعي بل إلى اجتهاد ليس بالضرورة يكون هو قضاء الشرع في هذا المقام. إن الاتجاهين معاً إنتاج لمشكلة واحدة شائعة في التداول التربوي هي : (الحركة تحت مفهوم مستقل) !! وهذه مشكلة معقدة من المهم أن ندرك أنها ضرورية المعالجة .
    إن بناء الحكم الشرعي التكليفي - اعتباراً لقضاء قدري - أحد نماذج الخلل في الفقه. إن السنن الكونية القدرية يجب ألاّ تستقل ببناء الحكم الشرعي لكن من اللازم ألاّ ينفك الحكم الشرعي عن اعتبارها .
    هنا شكل مهم من التوازن ، حينما يتحول الخطاب الشرعي الذي يُقدم كحكم للتعامل مع الآخرين أو مع المسلمين بعضهم مع بعض إلى مواعدات مستقرأة من سنن قدرية فهذا من أدق صور الجهل الذي يُصنَّف عند كثيرين كأنموذج من الفقة والاستنباط !!! وربما التاريخ - كما يقال - يعيد نفسه حين تكوّن - في مرحلة تاريخية سابقة - اتجاهان في الفكر والمفهوم للتعامل مع هذا المفهوم (العلاقة بين الشرع والقدر) لكن كان مجال الحركة إذ ذاك (التعامل الذاتي) أي : تقديم مفهوم عن هذه العلاقة بوصفها منهجاً للفرد وتطبيقاته الخاصة وليست كمفهوم للتعامل الشمولي ، لقد تكوّن إذ ذاك اتجاه فلسفي يبالغ في رسم العلاقة تحت مظلة العرفان والتصوف، وتكوَّن اتجاه آخر يفضِّل الانفكاك والفصل تحت مظلة النظر والعقل .
    كان هذا من أدق صور الخلل في التاريخ الفكري والمعرفي ، واليوم يبدو أن الأمر أكثر أهمية حين يقدم هذا المفهوم لحكم الموقف الشمولي .
    قد يبدو غير ممكن أن تستوعب هذه الورقةُ رسمَ التقريب الصحيح لهذا المفهوم ، لكن التعرف على مجموعة من نماذج التطبيق الخاطئة يُعرِّف ولو بمواقع الخطأ الشائعة تحت أنموذج أكثر تداولاً يمثل شكلاً من الخطأ في هذا المفهوم .
    حينما يفرض التلازم بين (الحق ، والنصر الآتي) يُقدم كثيرون معادلة : أنّ هذا حق، إذن : لابد من مشاهدة النصر؛ لأن الحق منصور ، وهذا التصور لا يستطيع التفريق بين المفاهيم المبدئية والمفاهيم التطبيقية . إن مبدأ (الحق منصور) قدر مؤكد ، لكن يتأخر الإدراك لماهية هذا المبدأ التي هي الشكل التطبيقي لماهية (الحق) ، وماهية (النصر) . هنا معنى مهم يجب أن ندركه : (القيم المبدئية) ليست هي (المحاولة التطبيقية التي نمارسها لهذه القيم) هذا قدر تكليفي تحته دراسة واسعة لمدى شرعية الموقف في الأمر نفسه ، وليس خياراً نُصِرُّ عليه ونُلِحّ على اعتباره. هذا الإلحاح لا يحوّل الموقف إلى اتجاه آخر ، قد نستطيع الإلحاح على الناس أن تصرفنا شرعي لكن من المهم أن ندرك أنه قد لا يكون كذلك ، وهذه أول عقبة مانعة من النصر لحقيقة يسيرة : أنه ليس ثمة حق فليس ثمة نصر . هذا شكل من الخلل ، أيضاً من المهم أن نعي حقيقة النصر وماهيته ، وأن السنن الكونية قضاء لله سبحانه ، وليست استجابة لاجتهاداتنا حتى لو كنا صادقي النية والعمل فأمر الكون ومصلحته حكم لله وحده، ولا يحيط بعلمه إلا هو ، وهذا يستدعي ألاّ نعطي مواعدات ونبؤات للناس مقابل الامتثال لاجتهادٍ رأيناه.
    إن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم يتجاوزوا إلى رسم الوعد الذي يختصر خيارات الذات ويجعل الإنسان يتحول إلى كائن خلاصي أو انتظاري . هذا جهل بحكمة الاستخلاف في الأرض التي سيقع فيها الإيمان بشمولية التعامل كمنهج للبقاء والإصلاح .
    من المؤكد أننا نحتاج - كثيراً - ترتيب المفاهيم التي نعرفها ثم نحتاج إلى فقهها باعتدال . ليس المهم أن نشعر أننا نعرف مجموعة من المفاهيم ثم نختار المناسب لنا لمعالجة موقف نتعامل معه ، هذا شكل من صور هزيمة الفقه . من اللازم أن نستقرئ المنهج الشرعي بفقه ذاتي هذا يعطينا الإيمان بأنه يجب علينا أن نبني الفقه الذاتي في نفوسنا ، إن أرقى محاولة يجب أن نبدأ بها لبناء الفقه الذاتي الذي نتجاوز به أحادية النظرة وفقدان التوازن والاعتدال هي بناء الأخلاق ، أخلاقَ العلم والتربية في نفوسنا وأن نتخلص من حاكمية الطباع لنحقق العبودية لله وحده .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد يونيو 16, 2024 6:50 pm