منتديات نور حياتك



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نور حياتك

منتديات نور حياتك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إن الناظر في هذه المنتدى سيجد أن الشموع التي أشعلناها موزعة على مجالات عديدة, لكن يجمع بينها استهداف الارتقاء بشخصيات إخواني وأخواتي في العالم العربي, وتقديم العون لهم على سلوك مسالك الرشاد, والتفوق في كل مجلات الحياة .


    فقه الموقف ( الحلقة الثالثة)

    Your life
    Your life
    المدير العام على منتديات نور حياتك


    عدد الرسائل : 981
    السٌّمعَة : 0
    نقاط : 101
    تاريخ التسجيل : 15/01/2009

    فقه الموقف ( الحلقة الثالثة) Empty فقه الموقف ( الحلقة الثالثة)

    مُساهمة من طرف Your life الجمعة فبراير 20, 2009 9:13 pm

    حقيقة الخلاف الذي أقرته الشريعة :
    الناظر في آيات القرآن الكريم يجد أن الله تعالى ذكر الخلاف والنزاع في مورد الذم كثيراً وذكره أحياناً على أنه حال تعرض للمؤمنين كما في قوله سبحانه : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " ، وقوله تعالى :" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " .
    وهذه الحال العارضة المقبولة هي التي تقع بين علماء الأمة من الصحابة فمن بعدهم ، ومثل هذا لا يوجب الذم ولا الطعن ولا التأثيم باتفاق العلماء .
    فإن من علم منه الاجتهاد السائغ لا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم ، حتى لو عُلم خطؤه ، فإن الله قد غفر له هذا الخطأ ، وأصل اجتهاده محمود في الشريعة ، وهو متردد بين أجر وأجرين ، كما ثبت في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه المتفق على صحته .
    وتحريم الطعن والذم لا يوجب قبول الخطأ ، ولا ترك البيان .
    وليس من شرع الله ولا قدره أن يتفق علماء الأمة في سائر مواضع الاجتهاد ، فمن لم يقدر لهذا المقام قدره فقد اتخذ العلم بغياً ، وهذا من أعظم أسباب الفساد الذي وقع لأهل الكتاب وخرجوا به عن حقيقة الإسلام الذي بُعث به جميع المرسلين ، ولهذا قال تعالى : " إن الدين عن الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " .
    وإذا كان المجتهدون يؤمرون بالتعاذر وعدم الطعن على المخالف فكيف بالعامة الذين لا اجتهاد لهم أصلا ، وإنما فاضلهم هو مقلد لأهل العلم .
    إن الخلاف المبني على مقام الديانة والعلم ، أعني اختلاف أهل الاجتهاد المعتبر في الأمة ، إذا تحولت الآراء المتعددة فيه إلى ولاءات خاصة ، ومفهومات للحزبية والطائفية ، فإنه يخرج بذلك عن كونه رحمة ومتابعة لحكم الله ورسوله ، ليكون تمزيقاً لأهل الإسلام ، ورجوعاً إلى أمور الجاهلية ، واتباعاً لسنة أهل الكتاب المنحرفين عن هدي أنبيائهم .
    ومما يجب على أهل العلم فقهه وتعليمه للناس ألا تستباح قواعد الشريعة ومقاصدها بالمخالفة والرد ؛ لتأويل يستعمله ناظر ولو كان حسن القصد والإرادة .
    ومما يعلمه المتأمل أن جمهور البغي الذي يحصل في الأمة هو بسبب تأويل سائغ عند أصحابه ، ولكنهم تحللوا به من عواصم الشريعة ومحكماتها لمعنى غلب في نفوسهم ، تزيده الغيرة ، وينقصه العلم .
    وإذا كان كل عامل صادق في هذه الأمة يعنيه أمر اجتماعها والتفافها ، وترك التنازع والاختلاف المذموم بين خاصتها ، خصوصاً في أزمنة الضائقة والضعف وتسلط العدو .
    فإن من المعلوم قدراً وشرعاً أن هذا الاتفاق لا يكون باتحاد القول والنظر والاجتهاد في مفردات المسائل وآحادها ، إذ هذا لم يقع لأبي بكر وعمر والراشدين ، بل لم يقع للخيرة من أ صحاب محمد صلى الله عليه وسلم حال حياته ، إذ اختلفوا في تفسير هذا الحرف (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )) .
    فاختارت مدرسة المقاصد أن الأمر مبناه على الإسراع وعدم التشاغل وصلوا في الطريق ، لا إهداراً للأمر النبوي الصريح ، ولكن إعمالاً لمقصده ، وجمعاً بينه وبين نصوص الأمر بالصلوات والمبادرة إليها وعدم تأخيرها عن وقتها الفاضل .
    واختارت الطائفة الأخرى الوقوف عند النص وعدم تجاوزه ، فلم تصل حتى وصلت بني قريظة ، وقد فات الوقت ، أو فات وقت الاختيار ، كلاهما محل احتمال .
    ومعظم المسائل التي اختلف فيها من بعدهم في أبواب الفقه أو التفسير أو غيرهما ، فإنما قفوا بذلك أثرهم ، وكان لهم متبوع من الصحابة رضي الله عنهم .
    وهذا الاختلاف راجع إلى اختلاف في قدر العلم وسعته ، أو اختلاف في تكوين العقل ومدركه وحدته ، أو اختلاف في الطبع وما يغلب على المرء من الحال والمزاج ، أو اختلاف في الموقف والظرف المحيط بالمجتهد .. كما أن الله تعالى جعل شريعته وكتابه على مقتضى قواعد اللغة التي يكون فيها ما هو قطعي الدلالة وما ليس كذلك ، وما هو مفسر وما هو مجمل ، وما هو محكم وما هو متشابه ، وما هو ناسخ وما هو منسوخ ، ولو شاء لجعلها حرفاً واحداً لا يختلف عليه الناس ، غير أنه سبحانه أنزلها لناس خلقهم وهو أعلم بهم " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " .
    ولهذا جمع تعالى بين هذين المعنيين في قوله تعالى : " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " .
    فهو الخالق المالك المتصرف ، وهذا من معنى الربوبية .
    وهو الإله المعبود الآمر الناهي ، وهذا من معنى الألوهية .
    وبهذا يتبين أنه يستحيل قدراً وشرعاً أن يتفق أهل الإسلام في جميع ما يعرض لهم من المسائل ، حتى المسائل التعبدية العملية الخالية من التعقيد والتداخل ، وحتى المسائل التي هي من موارد النصوص ، فقد يقع للناظر في النص اعتقاد أنه ليس على ظاهره ، أو أنه منسوخ ، أو أنه ضعيف ولو كان الأمر بخلاف ذلك .
    فلم يبق إلا أن يعتصم أهل الإسلام بالمنهج الشرعي في فقه الخلاف السائغ ، وأن يسعهم ما وسع الموفقين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة من التوسعة في العذر ، وحفظ مقام الأخوة الدينية ، وإحسان الظن ، وترك البغي والتسلط ، وأن يعتصموا بعصم الإسلام الجامعة ولا يتفرقوا بموجب الاجتهادات الخاصة ، والآراء المتنازعة ، ولهذا قال سبحانه : " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون " .
    فالأخوة الدينية لفظ جامع ينتظم كل من صح له عقد الإسلام كائناً ما كان خطؤه ، فمن كمل له الإسلام والإيمان كملت له حقوق الأخوة .
    وهي لا ترتبط بالموافقة أو المخالفة في رأي أو مذهب أو اجتهاد إذا كان من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف .
    ولهذا جاء في الآية بعدها قوله تعالى : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " .
    وها هنا تجد النهي عن التفرق مطلقاً ، فالتفرق مذموم بإطلاق ، حتى جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني ما يدل على النهي عن التفرق الحسي فضلاً عن المعنوي ، حيث قال رضي الله عنه : كان الناس إذا نـزلوا منـزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال صلى ا لله عليه وسلم : ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ) فلم ينـزل بعد ذلك منـزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم .
    وهذا المعنى كثير التردد في الكتاب العزيز ، خصوصاً حين الحديث عن الأمم الكتابية وما عرض لها في دينها .
    أما عن الاختلاف فلم يرد النهي مطلقاً ، بل مقيداً يتبين به أن ثمة خلافاً مذموماً ، وخلافاً محموداً .
    ولهذا قال هاهنا : " واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " فهذا الاختلاف في موضع الذم ؛ لأنه إعراض عن البينات والهدى ، واتباع للهوى .
    وفي مواضع أخرى ربط الاختلاف بالبغي والعدوان .
    فمن كان يحسب أن اجتماع الأمة يكون باتفاقها العلمي الشرعي على مفردات المسائل وآحادها وتطابق النظر فيها فقد رام محالاً ، وتمنى ما قضت الشريعة ومضى القدر النافذ بخلافه .
    لكن المطلوب أن يكون ثمة اتفاق على الأصول والمحكمات في الشرع الذي جاءت جمهرة نصوص الكتاب والسنة بتقريرها ، وتوافر العلماء عليها خلفاً عن سلف وهو محل الإجماع الثابت المستقر .
    ثم يكون الاتفاق على طريقة التعامل مع الخلاف بحيث لا يخرج عن إطاره ، ولا يؤثر على حقوق الإخاء الديني بين خاصة المسلمين وعامتهم ، ولا ينتج تفرقاً مذموماً وبغياً بين المؤمنين ، ولا يمنع من الرد والنصيحة والبيان وإظهار الحجة دون أن يكون ذلك ملزماً ، أو أن يظن به صاحبه أنه حسم لمادة الخلاف .
    إننا كثيراً ما نتوجع على الوحدة الضائعة ، ونقصد بهذا أن يجتمع الناس على ما نظن وما نرى ، وهذا ما لم يتوفر للخاصة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأئمة السلف الصالح ، ولكن في ا لأزمات الحادة التي تضرب الأمة تمس الحاجة إلى نوع من التأليف ، وتجاوز الحظوظ الشخصية ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، والاشتغال بالعمل الجاد المثمر .
    وهذا رجل جاهلي من إياد ، وهو لقيط بن يعمر يشخص الحال ، ويصف الدواء وصف الذي فاته نور الهداية ، لكن لم يفته درك العقل والتجربة ، ومناسبتها ما نراه من اليوم من المكر الغربي الذي تجاوز حد التخمين ليصبح حقيقة واقعة :

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد يونيو 16, 2024 7:11 pm