أولاً: الفقه هو الفهم، قال الله سبحانه وتعالى: "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي"، ويستعمل بمعنى الاستنباط والاستخراج، ولذا عرفه الاصطلاحيون بأنه معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
وهذا قصر للفظ على بعض معناه، فإن الفقه يشمل المعرفة الإسلامية كلها جملة، بل ويشمل الممارسة العملية للسلوك الإسلامي، ولذا جاء في حديث معاوية في الصحيحين: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).
وتواردت نصوص السلف على أن الفقه يعني معرفة الشريعة جملة، وألحق بعضهم بذلك السلوك الشخصي، وكأن هذا من باب فقه القلوب، وأن المراد من المعرفة الشرعية الامتثال، فهو غايتها ومقصدها، وقد يكون هذا من باب الإلحاق والإتْباع، وليس من باب التعريف الموضوعي.
ولا مشاحة أن يقرن الفقه بما يدل على مقصود الباحث، فيقال: فقه الفروع، فقه الأصول، فقه الدعوة، فقه المصلحة، فقه الأولويات، فقه الموازنات، فقه النوازل، فقه الأزمة، فقه اللغة، فقه الحديث، فقه السنة، فقه التمكين، فقه الاستضعاف..الخ.
ثانياً: الموازنات جمع موازنة، مأخوذة من الوزن والميزان، وهي مفاعلة بين شيئين فأكثر، وكأن المكلف يكون متردداً بين أمور عدة، فيساعده هذا الفقه على حسن الاختيار، كالكفارات التخييرية، يقول الله تعالى: "فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ"، ويقول سبحانه: "فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ".
ثالثاً: وفقه الموازنات: هو العلم الذي يتمكن به المكلف من اختيار الواجب، أو الأولى.
ونقرأ في هذا التعريف أموراً:
1- فالإشارة إلى الاختيار، لأنه لا يمكن تصور الموازنة إلا بين أمرين فما زاد، وإلا فالمرء حين يكون أمام طريق واحد لا سبيل له إلى غيره، فإنه لا يحتاج إلى إعمال ذهن وروية، ولا إلى مشورة، ولا يقع له تردد، لكن قد يقع له التردد حينئذٍ بين سلوك هذا الطريق، وبين التوقف عنه؛ لعدم الجزم، وهذان في الحقيقة طريقان:
الأول: العزيمة والمضي فيما خِيْر له فيه.
الثاني: التوقف والتروي.
ومثال هذا أن يتردد الفقيه أو العالم في القول في مسألة ما، هل يفتي فيها، أو يسكت ؟
فهذان طريقان يحتاج فيهما إلى الموازنة.
2- والإشارة إلى " اختيار الواجب "، لأن البحث قد ينتهي إلى القول بوجوب سلوك هذا الطريق، ولذا يقول الأصوليون إنه لا يكاد يوجد في الدنيا خير محض ولا شر محض، ولكن ما غلب خيره فهو مطلوب، وما غلب شره فهو مدفوع.
وعلى هذا فالواجب قد يتضمن مفسدة، ولكنها مغمورة في مصلحة أعظم منها، بمعنى أن اختيار الوجوب هو موازنة بين مصالح ومفاسد تمخضت عن ترجيح جانب على آخر.
وهذا قد يتحقق في مسائل شرعية مثل الجهاد المشروع، ففيه ذهاب للأنفس، ويُتْمٌ للأطفال، وترميل للنساء، ولكن مصلحته أعظم في حماية الأمة، ورد المعتدين.
وقد يتحقق في مسائل مصلحية لا نص فيها، مثل أن يعتقد المكلف أن شيئاً ما هو واجب عيني عليه؛ لأنه لا يقوم به أحد غيره، وهو يقدر منه على شيء لا يقدر عليه سواه، وهذا يكثر في أبواب العلم والدعوة والإصلاح ونحوها.
3- والإشارة إلى اختيار الأولى، حيث لا يكون في المسألة وجوب أو تحريم، لعدم ظهور الحكم، أو للتنازع فيه، فيرجح المرء وجهاً أو سبيلاً على جهة الميل، لا على جهة القطع واليقين، وقد صنّف ابن رجب رسالة سماها " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى ".
ومن ذلك الاختيار بين ألوان من الخير، كلها مطلوب؛ لكن يقع التردد في أيها أفضل عند الله وأنفع لعباده، كالعلوم النافعة سواءً كانت علوماً دينية، أو علوماً دنيوية، مما يحتاجه الناس في حياتهم وعلاقاتهم وصحتهم وتنقلهم ورفاهيتهم ونحو ذلك.
رابعاً: وفقه الموازنات يتصل بالعديد من العلوم، وقلَّ من ألف فيه تأليفاً مستقلاً، ولكنه يقتبس من أبحاث أصولية مثل:
1- بحث المصالح والمفاسد، كما قرره الشاطبي والغزالي وابن تيمية وابن عبد السلام ومن بعدهم.
وهو أهم متعلقات فقه الموازنات.
2- بحث القياس، فإن القياس نوع من الوزن والموازنة كما ذكر الأصوليون في تعريفه أنه إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما.
فالقياس هو أحد أنواع الموازنة، وقد يكون الفرع المنظور إليه متردداً بين المسكوت عنه وبين إلحاقه بأصول منصوص عليها، فهذه موازنة، وصوابها يعتمد على صدق المقايسة واعتدالها.
3- بحث المقاصد الشرعية، من حيث إن فهم المقاصد واستيعابها يعين على اختيار الأسدّ والأنفع في موارد النزاع، ومواضع الإشكال، ومواطن الغموض، والاختلاف بين الناس.
وبحث المقاصد وإن كان سبق إلى درسه الإمام الشاطبي، وتوارد عليه من بعده الباحثون، وكان من أكثر البحوث المتأخرة فيه تجويداً كتاب الإمام الطاهر بن عاشور في مقاصد الشريعة، وتوسع في استنباط المقاصد وتطبيقها سماحة الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله تعالى في كتابه " علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه "، إلا أن هذا العلم لا يزال بحاجة إلى مزيد من التقعيد والضبط والنشر المتوازن.
4- ويتطرق إليه أهل العلم في مصنفاتهم التي تحتاج إلى نظر متوازن بين مصالح ومفاسد، مثل أبواب السياسات الشرعية، كما في كتاب الماوردي وأبي يعلى وابن القيم وغيرهم.
أو في أبواب خاصة من سياسة الفرد والمجتمع، كما في بحث العزلة والخلطة والذي كتب فيه الخطابي وابن رجب وسواهم.
حيث لا تخلو هذه الأبحاث وتلك من مقايسة بين المصالح المترتبة على عمل ما وبين المفاسد، مع بناء الحكم أو الاجتهاد الذي يصل إليه المصنف على هذه المقايسة.
ومن أبرز من اعتمد هذا المعنى في تفصيل المسائل الحادثة الإمام الجويني في " غياث الأمم في التياث الظلم "، حيث وازن بين خروج الإمام للحج الفريضة -مثلاً- وبين بقائه لحراسة البيضة، وحماية الأمة، وتدبير شأن الرعية.. وهلم جرا..
خامساً: وهذا البحث، أعني فقه الموازنات كتبت فيه سطور متفرقة، وأدرج ضمن أبحاث أوسع في " فقه الأولويات " كما فعل الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله القرضاوي حفظه الله، وأفرده الأستاذ الكمالي في بحث خاص، تحت عنوان " الشريعة الإسلامية وفقه الموازنات "، وتحدث عنه الأستاذ ياسر العدل في كتاب " الفقه الغائب ".
وصنّف فيه الأستاذ ناجي إبراهيم السويد مصنفاً خاصاً تحت عنوان: " فقه الموازنات بين النظرية والتطبيق ".
وهناك رسالة علمية متقنة للشيخ سليمان بن عبد الله النجران بعنوان: " المفاضلة بين العبادات ".
وجدير بالباحث المعاصر أن يتوسع في دراسة هذا الموضوع بالانفتاح على عدد من العلوم الحديثة، باعتبار أن الحياة شيءٌ واحدٌ متصلٌ بعضه ببعض، وأن ثورة المعلومات توجب الانتفاع بالمنجزات المعرفية، والتجارب البشرية في علومٍ مثل:
1- علم الإدارة، وإدارة الوقت أو إدارة الذات، وترتيب الأولويات، ومن ذلك الرباعية المعروفة بين العاجل والمهم، والعاجل غير المهم، والمهم غير العاجل، وغير المهم غير العاجل.. وقد أشار ابن القيم نصاً في غير موضع إلى هذه الرباعية، التي يظن بأنها من مبتكرات الإدارة الحديثة، وكذلك ما يسمى بالفرق بين الساعة والبوصلة، فالساعة تعبير عن واجب اللحظة الآنية، أما البوصلة فتعبير عن واجب المستقبل الأوسع.
2- علم التنمية المجتمعية، والتنمية البشرية.. مما يعني إضافة اهتمامات جديدة لدى الباحث، تفتح أفقه وعقله على ميادين قد لا يجدها لدى الأقدمين.
3- علم الاقتصاد.
4- علم السياسة.
5- علم الإعلام والاتصال الجماهيري، ويرشد إلى أهميته في باب التوازنات قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ).
لقد كان صلى الله عليه وسلم أمام خيار قتل أشخاص معروفين، ثبت نفاقهم، واستحقوا القتل، ولذا لم يقل هنا كما قال في شأن حاطب بن أبي بلتعة: (فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ)، وإنما اعتذر بما يترتب على الفعل من المقالة الضارة التي يصعب حصارها، فدل على جواز الفعل من حيث الأصل.
6- علم الاجتماع، فإن معرفة سنن الله في المجتمعات والأمم ضرورة لكل عمل يستهدف الإصلاح، ولابد من الموازنة بين مراعاة أمزجة المجتمعات وبين مطالب التغيير والترقي، وبين مصالح الفرد والجماعة، وبين الحاجات النفسية والاقتصادية..
وهذا قصر للفظ على بعض معناه، فإن الفقه يشمل المعرفة الإسلامية كلها جملة، بل ويشمل الممارسة العملية للسلوك الإسلامي، ولذا جاء في حديث معاوية في الصحيحين: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).
وتواردت نصوص السلف على أن الفقه يعني معرفة الشريعة جملة، وألحق بعضهم بذلك السلوك الشخصي، وكأن هذا من باب فقه القلوب، وأن المراد من المعرفة الشرعية الامتثال، فهو غايتها ومقصدها، وقد يكون هذا من باب الإلحاق والإتْباع، وليس من باب التعريف الموضوعي.
ولا مشاحة أن يقرن الفقه بما يدل على مقصود الباحث، فيقال: فقه الفروع، فقه الأصول، فقه الدعوة، فقه المصلحة، فقه الأولويات، فقه الموازنات، فقه النوازل، فقه الأزمة، فقه اللغة، فقه الحديث، فقه السنة، فقه التمكين، فقه الاستضعاف..الخ.
ثانياً: الموازنات جمع موازنة، مأخوذة من الوزن والميزان، وهي مفاعلة بين شيئين فأكثر، وكأن المكلف يكون متردداً بين أمور عدة، فيساعده هذا الفقه على حسن الاختيار، كالكفارات التخييرية، يقول الله تعالى: "فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ"، ويقول سبحانه: "فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ".
ثالثاً: وفقه الموازنات: هو العلم الذي يتمكن به المكلف من اختيار الواجب، أو الأولى.
ونقرأ في هذا التعريف أموراً:
1- فالإشارة إلى الاختيار، لأنه لا يمكن تصور الموازنة إلا بين أمرين فما زاد، وإلا فالمرء حين يكون أمام طريق واحد لا سبيل له إلى غيره، فإنه لا يحتاج إلى إعمال ذهن وروية، ولا إلى مشورة، ولا يقع له تردد، لكن قد يقع له التردد حينئذٍ بين سلوك هذا الطريق، وبين التوقف عنه؛ لعدم الجزم، وهذان في الحقيقة طريقان:
الأول: العزيمة والمضي فيما خِيْر له فيه.
الثاني: التوقف والتروي.
ومثال هذا أن يتردد الفقيه أو العالم في القول في مسألة ما، هل يفتي فيها، أو يسكت ؟
فهذان طريقان يحتاج فيهما إلى الموازنة.
2- والإشارة إلى " اختيار الواجب "، لأن البحث قد ينتهي إلى القول بوجوب سلوك هذا الطريق، ولذا يقول الأصوليون إنه لا يكاد يوجد في الدنيا خير محض ولا شر محض، ولكن ما غلب خيره فهو مطلوب، وما غلب شره فهو مدفوع.
وعلى هذا فالواجب قد يتضمن مفسدة، ولكنها مغمورة في مصلحة أعظم منها، بمعنى أن اختيار الوجوب هو موازنة بين مصالح ومفاسد تمخضت عن ترجيح جانب على آخر.
وهذا قد يتحقق في مسائل شرعية مثل الجهاد المشروع، ففيه ذهاب للأنفس، ويُتْمٌ للأطفال، وترميل للنساء، ولكن مصلحته أعظم في حماية الأمة، ورد المعتدين.
وقد يتحقق في مسائل مصلحية لا نص فيها، مثل أن يعتقد المكلف أن شيئاً ما هو واجب عيني عليه؛ لأنه لا يقوم به أحد غيره، وهو يقدر منه على شيء لا يقدر عليه سواه، وهذا يكثر في أبواب العلم والدعوة والإصلاح ونحوها.
3- والإشارة إلى اختيار الأولى، حيث لا يكون في المسألة وجوب أو تحريم، لعدم ظهور الحكم، أو للتنازع فيه، فيرجح المرء وجهاً أو سبيلاً على جهة الميل، لا على جهة القطع واليقين، وقد صنّف ابن رجب رسالة سماها " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى ".
ومن ذلك الاختيار بين ألوان من الخير، كلها مطلوب؛ لكن يقع التردد في أيها أفضل عند الله وأنفع لعباده، كالعلوم النافعة سواءً كانت علوماً دينية، أو علوماً دنيوية، مما يحتاجه الناس في حياتهم وعلاقاتهم وصحتهم وتنقلهم ورفاهيتهم ونحو ذلك.
رابعاً: وفقه الموازنات يتصل بالعديد من العلوم، وقلَّ من ألف فيه تأليفاً مستقلاً، ولكنه يقتبس من أبحاث أصولية مثل:
1- بحث المصالح والمفاسد، كما قرره الشاطبي والغزالي وابن تيمية وابن عبد السلام ومن بعدهم.
وهو أهم متعلقات فقه الموازنات.
2- بحث القياس، فإن القياس نوع من الوزن والموازنة كما ذكر الأصوليون في تعريفه أنه إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما.
فالقياس هو أحد أنواع الموازنة، وقد يكون الفرع المنظور إليه متردداً بين المسكوت عنه وبين إلحاقه بأصول منصوص عليها، فهذه موازنة، وصوابها يعتمد على صدق المقايسة واعتدالها.
3- بحث المقاصد الشرعية، من حيث إن فهم المقاصد واستيعابها يعين على اختيار الأسدّ والأنفع في موارد النزاع، ومواضع الإشكال، ومواطن الغموض، والاختلاف بين الناس.
وبحث المقاصد وإن كان سبق إلى درسه الإمام الشاطبي، وتوارد عليه من بعده الباحثون، وكان من أكثر البحوث المتأخرة فيه تجويداً كتاب الإمام الطاهر بن عاشور في مقاصد الشريعة، وتوسع في استنباط المقاصد وتطبيقها سماحة الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله تعالى في كتابه " علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه "، إلا أن هذا العلم لا يزال بحاجة إلى مزيد من التقعيد والضبط والنشر المتوازن.
4- ويتطرق إليه أهل العلم في مصنفاتهم التي تحتاج إلى نظر متوازن بين مصالح ومفاسد، مثل أبواب السياسات الشرعية، كما في كتاب الماوردي وأبي يعلى وابن القيم وغيرهم.
أو في أبواب خاصة من سياسة الفرد والمجتمع، كما في بحث العزلة والخلطة والذي كتب فيه الخطابي وابن رجب وسواهم.
حيث لا تخلو هذه الأبحاث وتلك من مقايسة بين المصالح المترتبة على عمل ما وبين المفاسد، مع بناء الحكم أو الاجتهاد الذي يصل إليه المصنف على هذه المقايسة.
ومن أبرز من اعتمد هذا المعنى في تفصيل المسائل الحادثة الإمام الجويني في " غياث الأمم في التياث الظلم "، حيث وازن بين خروج الإمام للحج الفريضة -مثلاً- وبين بقائه لحراسة البيضة، وحماية الأمة، وتدبير شأن الرعية.. وهلم جرا..
خامساً: وهذا البحث، أعني فقه الموازنات كتبت فيه سطور متفرقة، وأدرج ضمن أبحاث أوسع في " فقه الأولويات " كما فعل الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله القرضاوي حفظه الله، وأفرده الأستاذ الكمالي في بحث خاص، تحت عنوان " الشريعة الإسلامية وفقه الموازنات "، وتحدث عنه الأستاذ ياسر العدل في كتاب " الفقه الغائب ".
وصنّف فيه الأستاذ ناجي إبراهيم السويد مصنفاً خاصاً تحت عنوان: " فقه الموازنات بين النظرية والتطبيق ".
وهناك رسالة علمية متقنة للشيخ سليمان بن عبد الله النجران بعنوان: " المفاضلة بين العبادات ".
وجدير بالباحث المعاصر أن يتوسع في دراسة هذا الموضوع بالانفتاح على عدد من العلوم الحديثة، باعتبار أن الحياة شيءٌ واحدٌ متصلٌ بعضه ببعض، وأن ثورة المعلومات توجب الانتفاع بالمنجزات المعرفية، والتجارب البشرية في علومٍ مثل:
1- علم الإدارة، وإدارة الوقت أو إدارة الذات، وترتيب الأولويات، ومن ذلك الرباعية المعروفة بين العاجل والمهم، والعاجل غير المهم، والمهم غير العاجل، وغير المهم غير العاجل.. وقد أشار ابن القيم نصاً في غير موضع إلى هذه الرباعية، التي يظن بأنها من مبتكرات الإدارة الحديثة، وكذلك ما يسمى بالفرق بين الساعة والبوصلة، فالساعة تعبير عن واجب اللحظة الآنية، أما البوصلة فتعبير عن واجب المستقبل الأوسع.
2- علم التنمية المجتمعية، والتنمية البشرية.. مما يعني إضافة اهتمامات جديدة لدى الباحث، تفتح أفقه وعقله على ميادين قد لا يجدها لدى الأقدمين.
3- علم الاقتصاد.
4- علم السياسة.
5- علم الإعلام والاتصال الجماهيري، ويرشد إلى أهميته في باب التوازنات قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ).
لقد كان صلى الله عليه وسلم أمام خيار قتل أشخاص معروفين، ثبت نفاقهم، واستحقوا القتل، ولذا لم يقل هنا كما قال في شأن حاطب بن أبي بلتعة: (فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ)، وإنما اعتذر بما يترتب على الفعل من المقالة الضارة التي يصعب حصارها، فدل على جواز الفعل من حيث الأصل.
6- علم الاجتماع، فإن معرفة سنن الله في المجتمعات والأمم ضرورة لكل عمل يستهدف الإصلاح، ولابد من الموازنة بين مراعاة أمزجة المجتمعات وبين مطالب التغيير والترقي، وبين مصالح الفرد والجماعة، وبين الحاجات النفسية والاقتصادية..