منتديات نور حياتك



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نور حياتك

منتديات نور حياتك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إن الناظر في هذه المنتدى سيجد أن الشموع التي أشعلناها موزعة على مجالات عديدة, لكن يجمع بينها استهداف الارتقاء بشخصيات إخواني وأخواتي في العالم العربي, وتقديم العون لهم على سلوك مسالك الرشاد, والتفوق في كل مجلات الحياة .


    بين الثبات والتجديد 2/3

    Your life
    Your life
    المدير العام على منتديات نور حياتك


    عدد الرسائل : 981
    السٌّمعَة : 0
    نقاط : 101
    تاريخ التسجيل : 15/01/2009

    بين الثبات والتجديد 2/3 Empty بين الثبات والتجديد 2/3

    مُساهمة من طرف Your life الأحد فبراير 22, 2009 9:35 pm

    [color=#ff0000]المعنى الثالث : [/color]اهدنا أي وفقنا للصواب فيما تختلف فيه الأنظار وتتفاوت فيه الاجتهادات، ولهذا كان من دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوته في صلاة الليل ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل، وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) والحديث رواه مسلم وأحمد وأهل السنن ، وهنا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه فاستغاث به، وقال : ( رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ) الذين مهمتهم تتعلق بالحياة فجبريل ينزل بالوحي الذي به حياة القلوب ، وميكائيل الموكل بالقطر الذي فيه حياة الأرض ، وإسرافيل ينفخ في الصور لحياة الناس من قبورهم .
    وذلك لأن المقام مقام طلب الهداية ، والهداية هي نور وحياة للقلوب وللأبدان، فناسب أن يذكر اسم هؤلاء الملائكة .
    وهذا يشمل الهداية الأولى بالثبات إلا أنه يشمل هداية جديدة ، وهي طلب الهداية في مواضع الإشكال ، ولهذا قال : (لما اختلف فيه من الحق ) وكثيراً ماكان العلماء يدعون بهذا الدعاء في مواضع الاضطراب والاختلاف والمسائل الخفية.
    وهنا نلاحظ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سأل الهداية وليس الثبات - كما في الحديث الذي قبله - .
    إن هذه الهداية هي - في حقيقتها - ثبات ، ولكن قد لا تكون صورتها كذلك ، إنها ثبات على المنهج ، ومن الثبات أن يتبع المرء الهداية حيث كانت ، فالدين المحض يسأل المرء الثبات عليه بكل حال ، والرأي يطلب المرء الصواب فيه ، ولهذا نقول : إن أعظم الثوابت هو الاجتهاد ، وهو أساس المتغيرات فإن المرء إذا اجتهد فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر ؛ لأن اجتهاد المرء ينتقل من فاضل إلى أفضل أو من مفضول إلى فاضل.
    وعند البخاري وغيره عن زهدم قال : كنا عند أبي موسى الأشعري ، وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء فأتي بطعام فيه لحم دجاج ، وفي القوم رجل جالس أحمر فلم يدن من طعامه قال : ادن فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منه ، قال : إني رأيته أكل شيئا فقذرته فحلفت ألا آكله ، فقال : ادن أخبرك أو أحدثك أني أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان ، وهو يقسم نعماً من نعم الصدقة فاستحملناه فحلف ألا يحملنا : قال : ( ما عندي ما أحملكم عليه ) ثم أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب من إبل فقال : ( أين الأشعريون ؟ أين الأشعريون ؟ ) قال فأعطانا خمس ذود غر الذرى، فلبثنا غير بعيد، فقلت لأصحابي : نسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه ، فوالله لئن تغفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يمينه لا نفلح أبداً ، فرجعنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلنا : يا رسول الله، إنا استحملناك فحلفت ألا تحملنا ، فظننا أنك نسيت يمينك ، فقال : ( إن الله هو حملكم ، إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها ) .
    فهنا تلاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف على شئ ، ثم فعل غيره، وقرر في ذلك قاعدة عظيمة له ولمن يأتي بعده أنه قد يرى الشيء صواباً حتى يحلف عليه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يبدو له أن غيره خير منه ؛ لأنه تغيرت الأحوال والأحداث ، إذ لم يكن عنده نعم فجاءته النعم ، أولم يكن يرى هذا الشيء فأراه الله تعالى إياه فيكفر عن يمينه الأول، ثم يأتي الذي هو خير ، ولهذا قال عمر بن الخطاب في رسالته لأبي موسى ـ والغريب أن أبا موسى طرف في الأمرين كليهما ـ ضمن هذا الخطاب : ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه إلى رشدك أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي بالباطل، ثم قال له : الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بنظائرها.
    يقول ابن القيم - رحمه الله - في (كتاب إعلام الموقعين): " هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الأحكام والشهادة والحاكم، والمفتي أحوج شئ إليه وإلى تأمله والفقه فيه، ثم شرح ابن القيم هذا الفقرة بالذات في قول عمر لأبي موسى :" ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه عقلك وعدت فيه إلى رشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم " يقول في كلام جميل :" يريد أنك إذا اجتهدت في حكومة يعني في حكم ثم وقعت في هذه الحكومة مرة أخرى فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته؛ فإن الاجتهاد قد يتعثر، ولا يكون الاجتهاد الأول مانعاً من العمل بالثاني إذا ظهر لك أنه الحق ، فإن الحق أولى بالإيثار ؛ لأن الحق قديم سابق على الباطل، فإذا كان الاجتهاد الأول قد سبق يعني هو الأول عندك وقد تعمل به ؛ لأنك تقول : هذا أول اجتهاد ، وهو أول ما ذهبت إليه ، وأول ما نظرت فيه، فيقول لك: لا يمنعنك ذلك من أن تأخذ بالحق الجديد، فالحق قديم يعني أسبق حتى من اجتهادك الأول والرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول ، ثم نجد أن عمر- رضي الله عنه - وغيره من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين كانوا يعملون بهذا النظام، فعمر نفسه - رضي الله عنه - كما عند عبدالرزاق وغيره أنه قضى في مسألة المشركة ـ وهي مسألة فرضية ـ بقضاء ثم جرت مرة أخرى فقضى فيها - عمر رضي الله عنه - بقضاء آخر ، فقيل : يا أمير المؤمنين، إنك قضيت قبل عام بغير ذلك ، فقال عمر - رضي الله عنه - : تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا اليوم ، فأخذ عمر - رضي الله عنه - باجتهاد ثم أخذ باجتهاد آخر بما ظهر له أنه الحق ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني، ولم ينقض أيضاً القضاء الأول بالقضاء الثاني فجرى أئمة الإسلام - كما يقول ابن القيم - من بعده على هذا المنوال، ومن هنا وجدنا الأئمة ينهون عن تقليدهم بل ويرفضون هم أن يقلدوا أنفسهم ، فالإمام أحمد يكون له في المسألة الواحدة سبع روايات ، وهي من القضايا التي قد يكون فيها نصوص ، ولكن توجيه النصوص على محلها والنظر، فيها واعتبار الناسخ والمنسوخ، والنظر إلى صحة الإسناد وعدمه ، وهكذا الشافعي كان له مذهب قديم في العراق ثم مذهب جديد في مصر ، وتلاميذ أبي حنيفة أصبحوا يخالفونه في نحو من ثلثي مذهبه - رضي الله عنهم أجمعين -.
    وكان الشافعي يقول: إنما يؤخذ بالآخر فالآخر من هدي - النبي صلى الله عليه وسلم - وقوله : فنحن نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم إلى المدينة مثلاً كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء يحب موافقتهم طمعاً في إسلامهم وتأليفاً لقلوبهم ، ثم خالفهم بعد ذلك ، وأصبحت مخالفة أهل الكتاب والمشركين والوثنين شريعة قائمة أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقررها وقعد أصولها ، وهكذا نجد بعد - هؤلاء الأئمة - أن الإمام ابن تيمية ينتقل من المذهبية إلى الاجتهاد، ويكتب ويتكلم ويفتي في كثير من المسائل التي خالف فيها المذهب وخالف فيها الشيوخ يتكلم برؤية شهودية لم تكن له من قبل حتى إنه يخالف رأيه بل أكثر من هذا فتجده في موضع يتكلم عن مسألة جريان الربا في الحلي فيقول: إنها باطلة باتفاق العلماء ، ثم يقرر في آخر عمره وفي السجن في تفسير آيات أشكلت وهو كتاب مطبوع خلاف الرأي الذي قرره من قبل ، وقال : إن عليه اتفاق العلماء؛ وما ذلك إلا لأنه كبر عقله واتسع اجتهاده، وزاد نظره، و تغيرت رؤيته، وأدرك ما لم يكن يدرك من قبل ، وإلا - فهو لا شك - في المسألة الثانية أكثر احتياطاً لدينه وأكثر ورعاً وحرصاً على مصالح الناس ، ولكن أراه الله حينئذ ما لم يكن يرى من قبل، ولا يلزم من ذلك بالضرورة أن يكون الآخر صواباً، لكن المدرك هو سعة الأمر وأهمية التعبد بالاجتهاد الذي يراه الفقيه، ولا يقلد فيه نفسه ولا غيره.
    ومن المهمات في هذه المسألة ضرورة فصل الدين الرباني المحض عن النقائص البشرية النفسية والعقلية فإنهما يختلطان على المرء أحياناً فتتدثر بعض الخصائص البشرية وبعض الطبائع الإنسانية بدثار التقوى حتى يلتبس الأمر على صاحبها ، وفرز هذا عن ذاك بحيث يعرف المرء ما كان ديناً محضاً صريحاً لا شوب فيه، وما كان رأياً أو أمراً اجتهادياً أو أمراً شخصياً أو نابعاً من طبيعة أو جبلة ، وهذا لا شك من أعظم علامات الإخلاص لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والنجاة من تلبس الهوى بالإنسان ، ويدخل في هذا الانتقال من الاجتهاد المرجوح إلى الاجتهاد الراجح- من الحصول على أجر واحد إلى الحصول على أجرين معاً - أجر الاجتهاد وأجر الصواب وهذا الاختلاف

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 4:48 pm