يتحدث التقرير بشكل متعاظم عن أهمية الشكل الاقتصادي وكأنه يقول : إن العالم عبارة عن شركة اقتصادية وإن الولايات المتحدة الأمريكية هي رئيس هذه الشركة، فالاتحاد السوفيتي مع أنه كان دولة تملك قوة عسكرية ضاربة إلا أن الذي هزمه هو الاقتصاد، ولذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تكوّن ضمن تحالفات دولية قوة اقتصادية وشراكات اقتصادية تضمن لها تفوقاً دائماً، ثم يخلص التقرير إلى أهمية وجود قوات أمريكية في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقة الخليج لحماية حلفائها وأصدقائها من أي خطر محتمل.
إن آلية العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة قد اختلفت اليوم اختلافاً كبيراً في ظل هذا التحول الاستراتيجي الجديد، وهذا يفرض على دول العالم الإسلامي جميعاً وهي طرفٌ أساس في هذه العلاقة أن يراجع مفاهيمه، وهو بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يرسم لنفسه رؤية خاصة صادقة تقوم على قيمه ومبادئه أولا،ً وتقوم على مصالحه ثانياً، وتتكيف مع هذا الواقع المتغير.
فإن لم يفعل فسيظل مكتفياً بالمراقبة والانتظار، ومن الواجب على أي دولة من دول العالم أن يكون لها رؤيتها الخاصة المعبرة عن تطلعاتها ورغبات شعوبها وعن قيمها ومبادئها ومصالحها وحاضرها ومستقبلها.
ففيما يخص العالم الإسلامي هناك حماية إسرائيل والتأكيد على تفوقها وعلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي معها، إن أمريكا ملتزمة بالتحالف مع إسرائيل وملتزمة أيضاً بضمان التفوق العسكري وغير العسكري لهذه الدولة المسخ، ليس فقط في مواجهة دولة إسلامية، بل في مواجهة العالم الإسلامي كله مجتمعاً.
والتقرير المشار إليه يوجه لهجةً رادعةً صارمةً إلى الدول الإسلامية التي تعارض السياسة الأمريكية بشكل جزء أو كلي كإيران وسوريا والسعودية وغيرها ويتهم هذه الدول بدعمها للإرهاب، وأن هذا الدعم إذا لم يتراجع سوف يعرضها لضربات موجعة.
إن دعم الشعب الفلسطيني يعتبر دعماً للإرهاب ، ودعم الجمعيات الخيرية هو دعم للإرهاب، بل لست أبالغ إذا قلت إن إقامة المدارس والمؤسسات والمساجد والأربطة وجوانب النشاط الإنساني والخيري هو دعم للإرهاب، والدوائر الأمريكية تقوم بمتابعته ومراقبته ومحاسبة القائمين عليه حساباً دقيقاً.
يتحدث التقرير عن محاربة الإرهاب دون أن يحدد المقصود بالإرهاب! إنهم يمارسون نوعاً سيئاً من الإرهاب البشري البشع بآلياتهم العسكرية الضخمة في حق المدنيين وغير المدنيين في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين، لكن كل هذا له غطاء مزور من الدفاع عن النفـس والمحافظة على الحياة وعلى الحقوق وعلى الحريات، أما ما يقوم به المسلمون فهو الإرهاب بعينه.
لقد قبضوا على يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية يسعى لتفجير مؤسسات ومراكز إسلامية فلم يقيدوا هذه الجريمة على أنها نوع من الإرهاب ولكن اعتبروها نوعاً من الاعتداء على الممتلكات الخاصة فهم إذاً يتحكمون في مصطلح الإرهاب ويضعونه على من يشاءون ويرفعونه عمن يشاءون.
النقطة الأخيرة هي التدخل في الشئون الداخلية للدول وهذا أمر واضح فربما لفترة قادمة الله أعلم بأمدها ستواجه كثير من الدول الإسلامية ألواناً من التدخل المؤذي في شئونها الخاصة، في إعلامها، في مناهج تعليمها، في المناهج الدينية والكليات الشرعية، في قضايا المرأة، في قضايا الأقليات كما يسمونها، في الحريات الدينية إلى غير ذلك من العبارات التي كثيراً ما تتردد في التقارير التي تصدر سواء عن وزارة الخارجية أو عن منظمات الحقوق أو عن وزارة الدفاع وغيرها.
و لا شك أن الدول الإسلامية كلما أبدت نوعاً من طأطأة الرأس والاستسلام والقبول أغرتهم بمزيد من التدخل، وكلما استطاعت أن تراهن على شعوبها وتوحد صفها وتقاوم وتفرض سيادتها فإنهم يعيدون حساباتهم ويؤخرون مخططاتهم .
هناك ما يسمى بمبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية والتي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر ورصدت لها 29 مليون دولار ربما هذه فقط نفقات الدعاية للمشروع، وأما المشروع نفسه فلا شك أنه سوف يستغرق مبالغ ضخمة ، لكن السؤال من سيدفع فاتورة هذه المبالغ ؟
الهدف الأساسي لما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هو إلحاق النظم العربية كلها بالمنظومة الأمريكية بواسطة إدارة مفروضة بقوة السلاح وقوة التهديد وقاعدتهم تقول: تكلم بلطف واحمل عصا غليظة، وذلك في ظل اختلال واضح للقوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بل بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل بمفردها.
إن الإدارة الأمريكية بتوجهها الصهيوني المسيحي المتطرف مصرة على التدخل في خصوصيات المسلمين وعلى ممارسة لون من التغيير في داخل المجتمع الإسلامي على المستوى الثقافي والعلمي والتعليمي والسياسي وغيره.
وهاهنا السؤال: هل يمكن بروز محور عالمي جديد يواجه هذه القوة المستفردة المتغطرسة؟
هذا السؤال يطرحه الكثيرون ، وفي تقديري أن هذا هو المتفق مع السنن الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى يقول: "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"[البقرة:251] فسنة المدافعة قائمة في الغالب والآن هناك استفراد أمريكي، وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، لكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها بحيث تستطيع أن تواجهه أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محور جديد سواء في أوروبا أو في الصين أو في آسيا أو في غيرها ؟
كثير من هذه الدول قد تطرح هذا المحور المشاكس؛ لأجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب أولاً: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن معظم دول العالم بما فيها الصين وأوروبا مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، فيكفي أن تعرف مثلاً أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2001/ 2002م لسنة واحدة تعادل 370 مليار دولار بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة.
هذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية، فضلاً عن تفوقها في مجال التقنية والتصنيع يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر أن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدأ يفقد دوره وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا مع أن هذا المؤتمر يمثل أحد المؤسسات التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوع من الخلاف، لكن السؤال متى يتحول هذا الخلاف إلى نوع من المواجهة مع الاستفراد والغطرسة الأمريكية ؟
نحن أمام مرحلة جديدة صعبة وطويلة والمهم ألا ننسى بعد هدوء الأحداث أننا فعلاً دخلنا إلى مرحلة جديدة وأن لهذه المرحلة تبعاتها ومقتضياتها الواجبة علينا أفراداً ومجموعات وشعوباً وحكومات.
من الخطأ أن نفترض أن جميع الخيوط هي بأيدي هؤلاء القوم أو أولئك ؛ فإن الضعف يبدأ من القوة، والقوة تبدأ من الضعف والإشارة القرآنية معبرة "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً "[الروم:54] وقد رأينا كيف أن الشعب الفلسطيني بضعفه وقلة إمكانياته استطاع من خلال الحجر ـ الذي يرمي به عدوه ـ أن يقلب كثيراً من القوى والموازيين.
علينا أن ندرك أن في أيدينا خيوطاً كثيرة وأعظم خيط في أيدينا أن نستمسك بحبل الله عز وجل فإنه الركن إن خانتك أركان، والله جل وعلا يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا"[آل عمران:103] فإن الاستمساك بحبل الله والصدق مع الله تبارك وتعالى وإرادة التغيير في نفوسنا جديرة بإذن الله عز وجل أن تصنع لنا شيئاً كثيراً في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخنا.
علينا أن نحذر من التشاؤم واليأس من الإصلاح في ظل الظروف التي نعيشها الآن لنعطي أنفسنا فرصة في أن نفرح بفضل الله تعالى وبرحمته وبمستقبل منشود وبألوان من الخير وإن أصابنا غم وكآبة من جراء ما نرى ونشهد من التفوق العدواني والتسلط على البلاد الإسلامية.
إن الإنسانية في الإصلاح قائمة الآن وهي موجودة في أيدينا ووفق رؤيتنا وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم أن التقرير الأمريكي يقول: سنحول المحنة إلى فرصة سانحة لنا للتغير واستدراك ألوان من الخلل الموجود لدينا، فعلينا نحن أن نطلق الشعار ذاته، إنه شعار قرآني "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"[الشرح:5-6] يسر من عند الله عز وجل لا شأن للبشر فيه ، لكن ثمة يسر آخر يصنعه الناس يستخدم فيه الناس قدراتهم وإمكانياتهم وطاقتهم وما أعطاهم الله عز وجل لتحويل هذا العسر إلى يسر وكما يقول سبحانه : "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ"[الشرح:7-8] ارغب في العبادة و الاستعانة بقدرته جل وعلا وقوتـه واستخدام ما أقدرك الله عليه .
العالم الإسلامي اليوم يملك قوات لا يستهان بها في العديد البشري والموقع الجغرافي و الثروات الهائلة و إمكانيات كبيرة وكثيرة يمكن أن نراهن عليها فيما لو وجدت إرادة التغيير في العالم الإسلامي، إذاً بإمكاننا أن نصنع الإصلاح وفق رؤيتنا الإسلامية الخاصة متى ما وجدت الإرادة لدينا.
من المهم وجود المؤسسات والتجمعات والمبادرات العامة والخاصة في المجتمعات الإسلامية.
إن البناء هو خير تعبير عن الدفاع، نحن الآن في موقع حرب و أزمة و نازلة، بل في هزيمة، إن البناء هو خير تعبير عن هذا الدفاع والحدث أحياناً يصنع لدينا عقلية الدفاع أكثر مما يصنع لدينا عقلية البناء والواجب أن نسعى وننهمك في مشاريع إصلاحية بنائية في الدعوة والتعليم والاقتصاد و العلم و العمل وفي كل مجالات الحياة التي نحتاجها، إن الهزيمة التي منينا بها ليست هزيمة عسكرية فحسب، وهكذا الإصلاح يجب أن يكون إصلاحاً شمولياً في نواحي الحياة كلها.
إن من المهم إحياء روح الأممية في العالم الإسلامي، ما زلت أتذكر عام 1981 حينما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي وأن كثيراً من الناس من الإسلاميين وغيرهم ربما شعروا بنوع من البهجة والاغتباط لأنهم اعتبروا أن تلك القوة هي ملك لحزب البعث فحسب، وهانحن نشهد اليوم أن تلك الضربة ربما كانت تمهيداً لما نراه الآن من القضاء على .
إن آلية العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة قد اختلفت اليوم اختلافاً كبيراً في ظل هذا التحول الاستراتيجي الجديد، وهذا يفرض على دول العالم الإسلامي جميعاً وهي طرفٌ أساس في هذه العلاقة أن يراجع مفاهيمه، وهو بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يرسم لنفسه رؤية خاصة صادقة تقوم على قيمه ومبادئه أولا،ً وتقوم على مصالحه ثانياً، وتتكيف مع هذا الواقع المتغير.
فإن لم يفعل فسيظل مكتفياً بالمراقبة والانتظار، ومن الواجب على أي دولة من دول العالم أن يكون لها رؤيتها الخاصة المعبرة عن تطلعاتها ورغبات شعوبها وعن قيمها ومبادئها ومصالحها وحاضرها ومستقبلها.
ففيما يخص العالم الإسلامي هناك حماية إسرائيل والتأكيد على تفوقها وعلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي معها، إن أمريكا ملتزمة بالتحالف مع إسرائيل وملتزمة أيضاً بضمان التفوق العسكري وغير العسكري لهذه الدولة المسخ، ليس فقط في مواجهة دولة إسلامية، بل في مواجهة العالم الإسلامي كله مجتمعاً.
والتقرير المشار إليه يوجه لهجةً رادعةً صارمةً إلى الدول الإسلامية التي تعارض السياسة الأمريكية بشكل جزء أو كلي كإيران وسوريا والسعودية وغيرها ويتهم هذه الدول بدعمها للإرهاب، وأن هذا الدعم إذا لم يتراجع سوف يعرضها لضربات موجعة.
إن دعم الشعب الفلسطيني يعتبر دعماً للإرهاب ، ودعم الجمعيات الخيرية هو دعم للإرهاب، بل لست أبالغ إذا قلت إن إقامة المدارس والمؤسسات والمساجد والأربطة وجوانب النشاط الإنساني والخيري هو دعم للإرهاب، والدوائر الأمريكية تقوم بمتابعته ومراقبته ومحاسبة القائمين عليه حساباً دقيقاً.
يتحدث التقرير عن محاربة الإرهاب دون أن يحدد المقصود بالإرهاب! إنهم يمارسون نوعاً سيئاً من الإرهاب البشري البشع بآلياتهم العسكرية الضخمة في حق المدنيين وغير المدنيين في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين، لكن كل هذا له غطاء مزور من الدفاع عن النفـس والمحافظة على الحياة وعلى الحقوق وعلى الحريات، أما ما يقوم به المسلمون فهو الإرهاب بعينه.
لقد قبضوا على يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية يسعى لتفجير مؤسسات ومراكز إسلامية فلم يقيدوا هذه الجريمة على أنها نوع من الإرهاب ولكن اعتبروها نوعاً من الاعتداء على الممتلكات الخاصة فهم إذاً يتحكمون في مصطلح الإرهاب ويضعونه على من يشاءون ويرفعونه عمن يشاءون.
النقطة الأخيرة هي التدخل في الشئون الداخلية للدول وهذا أمر واضح فربما لفترة قادمة الله أعلم بأمدها ستواجه كثير من الدول الإسلامية ألواناً من التدخل المؤذي في شئونها الخاصة، في إعلامها، في مناهج تعليمها، في المناهج الدينية والكليات الشرعية، في قضايا المرأة، في قضايا الأقليات كما يسمونها، في الحريات الدينية إلى غير ذلك من العبارات التي كثيراً ما تتردد في التقارير التي تصدر سواء عن وزارة الخارجية أو عن منظمات الحقوق أو عن وزارة الدفاع وغيرها.
و لا شك أن الدول الإسلامية كلما أبدت نوعاً من طأطأة الرأس والاستسلام والقبول أغرتهم بمزيد من التدخل، وكلما استطاعت أن تراهن على شعوبها وتوحد صفها وتقاوم وتفرض سيادتها فإنهم يعيدون حساباتهم ويؤخرون مخططاتهم .
هناك ما يسمى بمبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية والتي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر ورصدت لها 29 مليون دولار ربما هذه فقط نفقات الدعاية للمشروع، وأما المشروع نفسه فلا شك أنه سوف يستغرق مبالغ ضخمة ، لكن السؤال من سيدفع فاتورة هذه المبالغ ؟
الهدف الأساسي لما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هو إلحاق النظم العربية كلها بالمنظومة الأمريكية بواسطة إدارة مفروضة بقوة السلاح وقوة التهديد وقاعدتهم تقول: تكلم بلطف واحمل عصا غليظة، وذلك في ظل اختلال واضح للقوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بل بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل بمفردها.
إن الإدارة الأمريكية بتوجهها الصهيوني المسيحي المتطرف مصرة على التدخل في خصوصيات المسلمين وعلى ممارسة لون من التغيير في داخل المجتمع الإسلامي على المستوى الثقافي والعلمي والتعليمي والسياسي وغيره.
وهاهنا السؤال: هل يمكن بروز محور عالمي جديد يواجه هذه القوة المستفردة المتغطرسة؟
هذا السؤال يطرحه الكثيرون ، وفي تقديري أن هذا هو المتفق مع السنن الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى يقول: "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"[البقرة:251] فسنة المدافعة قائمة في الغالب والآن هناك استفراد أمريكي، وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، لكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها بحيث تستطيع أن تواجهه أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محور جديد سواء في أوروبا أو في الصين أو في آسيا أو في غيرها ؟
كثير من هذه الدول قد تطرح هذا المحور المشاكس؛ لأجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب أولاً: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن معظم دول العالم بما فيها الصين وأوروبا مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، فيكفي أن تعرف مثلاً أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2001/ 2002م لسنة واحدة تعادل 370 مليار دولار بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة.
هذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية، فضلاً عن تفوقها في مجال التقنية والتصنيع يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر أن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدأ يفقد دوره وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا مع أن هذا المؤتمر يمثل أحد المؤسسات التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوع من الخلاف، لكن السؤال متى يتحول هذا الخلاف إلى نوع من المواجهة مع الاستفراد والغطرسة الأمريكية ؟
نحن أمام مرحلة جديدة صعبة وطويلة والمهم ألا ننسى بعد هدوء الأحداث أننا فعلاً دخلنا إلى مرحلة جديدة وأن لهذه المرحلة تبعاتها ومقتضياتها الواجبة علينا أفراداً ومجموعات وشعوباً وحكومات.
من الخطأ أن نفترض أن جميع الخيوط هي بأيدي هؤلاء القوم أو أولئك ؛ فإن الضعف يبدأ من القوة، والقوة تبدأ من الضعف والإشارة القرآنية معبرة "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً "[الروم:54] وقد رأينا كيف أن الشعب الفلسطيني بضعفه وقلة إمكانياته استطاع من خلال الحجر ـ الذي يرمي به عدوه ـ أن يقلب كثيراً من القوى والموازيين.
علينا أن ندرك أن في أيدينا خيوطاً كثيرة وأعظم خيط في أيدينا أن نستمسك بحبل الله عز وجل فإنه الركن إن خانتك أركان، والله جل وعلا يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا"[آل عمران:103] فإن الاستمساك بحبل الله والصدق مع الله تبارك وتعالى وإرادة التغيير في نفوسنا جديرة بإذن الله عز وجل أن تصنع لنا شيئاً كثيراً في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخنا.
علينا أن نحذر من التشاؤم واليأس من الإصلاح في ظل الظروف التي نعيشها الآن لنعطي أنفسنا فرصة في أن نفرح بفضل الله تعالى وبرحمته وبمستقبل منشود وبألوان من الخير وإن أصابنا غم وكآبة من جراء ما نرى ونشهد من التفوق العدواني والتسلط على البلاد الإسلامية.
إن الإنسانية في الإصلاح قائمة الآن وهي موجودة في أيدينا ووفق رؤيتنا وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم أن التقرير الأمريكي يقول: سنحول المحنة إلى فرصة سانحة لنا للتغير واستدراك ألوان من الخلل الموجود لدينا، فعلينا نحن أن نطلق الشعار ذاته، إنه شعار قرآني "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"[الشرح:5-6] يسر من عند الله عز وجل لا شأن للبشر فيه ، لكن ثمة يسر آخر يصنعه الناس يستخدم فيه الناس قدراتهم وإمكانياتهم وطاقتهم وما أعطاهم الله عز وجل لتحويل هذا العسر إلى يسر وكما يقول سبحانه : "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ"[الشرح:7-8] ارغب في العبادة و الاستعانة بقدرته جل وعلا وقوتـه واستخدام ما أقدرك الله عليه .
العالم الإسلامي اليوم يملك قوات لا يستهان بها في العديد البشري والموقع الجغرافي و الثروات الهائلة و إمكانيات كبيرة وكثيرة يمكن أن نراهن عليها فيما لو وجدت إرادة التغيير في العالم الإسلامي، إذاً بإمكاننا أن نصنع الإصلاح وفق رؤيتنا الإسلامية الخاصة متى ما وجدت الإرادة لدينا.
من المهم وجود المؤسسات والتجمعات والمبادرات العامة والخاصة في المجتمعات الإسلامية.
إن البناء هو خير تعبير عن الدفاع، نحن الآن في موقع حرب و أزمة و نازلة، بل في هزيمة، إن البناء هو خير تعبير عن هذا الدفاع والحدث أحياناً يصنع لدينا عقلية الدفاع أكثر مما يصنع لدينا عقلية البناء والواجب أن نسعى وننهمك في مشاريع إصلاحية بنائية في الدعوة والتعليم والاقتصاد و العلم و العمل وفي كل مجالات الحياة التي نحتاجها، إن الهزيمة التي منينا بها ليست هزيمة عسكرية فحسب، وهكذا الإصلاح يجب أن يكون إصلاحاً شمولياً في نواحي الحياة كلها.
إن من المهم إحياء روح الأممية في العالم الإسلامي، ما زلت أتذكر عام 1981 حينما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي وأن كثيراً من الناس من الإسلاميين وغيرهم ربما شعروا بنوع من البهجة والاغتباط لأنهم اعتبروا أن تلك القوة هي ملك لحزب البعث فحسب، وهانحن نشهد اليوم أن تلك الضربة ربما كانت تمهيداً لما نراه الآن من القضاء على .